لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسٰنَ فِىٓ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
لَقَدۡ خَلَقۡنَا الۡاِنۡسَانَ فِىۡۤ اَحۡسَنِ تَقۡوِيۡمٍ
تفسير ميسر:
أَقْسم الله بالتين والزيتون، وهما من الثمار المشهورة، وأقسم بجبل "طور سيناء" الذي كلَّم الله عليه موسى تكليمًا، وأقسم بهذا البلد الأمين من كل خوف وهو "مكة" مهبط الإسلام. لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة، ثم رددناه إلى النار إن لم يطع الله، ويتبع الرسل، لكن الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة لهم أجر عظيم غير مقطوع ولا منقوص.
هذا هو المقسم عليه وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل منتصب القامة سوى الأعضاء حسنها.
قوله تعالى ; لقد خلقنا الإنسان هذا جواب القسم ، وأراد بالإنسان ; الكافر . قيل ; هو الوليد بن المغيرة . وقيل ; كلدة بن أسيد . فعلى هذا نزلت في منكري البعث . وقيل ; المراد بالإنسان آدم وذريته . في أحسن تقويم وهو اعتداله واستواء شبابه كذا قال عامة المفسرين . وهو أحسن ما يكون ; لأنه خلق كل شيء منكبا على وجهه ، وخلقه هو مستويا ، وله لسان ذلق ، ويد وأصابع يقبض بها . وقال أبو بكر بن طاهر ; مزينا بالعقل ، مؤديا للأمر ، مهديا بالتمييز ، مديد القامة يتناول مأكوله بيده .ابن العربي ; ( ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان ، فإن الله خلقه حيا عالما ، قادرا مريدا متكلما ، سميعا بصيرا ، مدبرا حكيما . وهذه صفات الرب سبحانه ، وعنها عبر بعض العلماء ، ووقع البيان بقوله ; " إن الله [ ص; 102 ] خلق آدم على صورته " يعني على صفاته التي قدمنا ذكرها . وفي رواية " على صورة الرحمن " ومن أين تكون للرحمن صورة متشخصة ، فلم يبق إلا أن تكون معاني ) .وقد أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الأزدي قال ; أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن أبي علي القاضي المحسن عن أبيه قال ; كان عيسى بن موسى الهاشمي يحب زوجته حبا شديدا فقال لها يوما ; أنت طالق ثلاثا إن لم تكوني أحسن من القمر فنهضت واحتجبت عنه ، وقالت ; طلقتني . وبات بليلة عظيمة ، فلما أصبح غدا إلى دار المنصور ، فأخبره الخبر ، وأظهر للمنصور جزعا عظيما فاستحضر الفقهاء واستفتاهم . فقال جميع من حضر ; قد طلقت إلا رجلا واحدا من أصحاب أبي حنيفة ، فإنه كان ساكتا . فقال له المنصور ; ما لك لا تتكلم ؟ فقال له الرجل ; بسم الله الرحمن الرحيم ; والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم . يا أمير المؤمنين ، فالإنسان أحسن الأشياء ، ولا شيء أحسن منه . فقال المنصور لعيسى بن موسى ; الأمر كما قال الرجل ، فأقبل على زوجتك . وأرسل أبو جعفر المنصور إلى زوجة الرجل ; أن أطيعي زوجك ولا تعصيه ، فما طلقك .فهذا يدلك على أن الإنسان أحسن خلق الله باطنا وظاهرا ، جمال هيئة ، وبديع تركيب ; الرأس بما فيه ، والصدر بما جمعه ، والبطن بما حواه ، والفرج وما طواه ، واليدان وما بطشتاه ، والرجلان وما احتملتاه . ولذلك قالت الفلاسفة ; إنه العالم الأصغر إذ كل ما في المخلوقات جمع فيه .
وقوله; ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) وهذا جواب القسم، يقول تعالى ذكره; والتين والزيتون، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قال; وقع القسم ها هنا( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( لَقَدْ خَلَقْنَا &; 24-507 &; الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) فقال بعضهم; معناه; في أعدل خلق، وأحسن صورة.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا حكام، عن عمرو، عن عاصم، عن أبي رَزِين، عن ابن عباس ( فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قال; في أعدل خلق.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا مؤمل، قال; ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قال; في أحسن صورة.قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، مثله.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم ( فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قال; خَلْقٍ.حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قال; في أحسن صورة.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية ( فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) يقول; في أحسن صورة.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا مؤمل، قال; ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) ; في أحسن صورة.حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قال; أحسن خَلْقٍ.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قال; في أحسن خلق.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) يقول; في أحسن صورة.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، هو والكلبيّ( فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قالا في أحسن صورة.وقال آخرون; بل معنى ذلك; لقد خلقنا الإنسان، فبلغنا به استواء شبابه وجلده وقوّته، وهو أحسن ما يكون، وأعدل ما يكون وأقومه.* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب، قال; ثنا المعتمر، قال; سمعت الحكم يحدّث، عن عكرِمة، في قوله; ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قال; الشاب القويّ الجَلْد.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قال; شبابه أوّل ما نشأ.وقال آخرون; قيل ذلك لأنه ليس شيء من الحيوان إلا وهو منكبّ على وجهه غير الإنسان.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد بن المثنى، قال; ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) قال; خلق كلّ شيء منكبا على وجهه، إلا الإنسان.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب; أن يقال; إن معنى ذلك; لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها؛ لأن قوله; ( أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) إنما هو نعت لمحذوف، وهو في تقويم أحسن تقويم، فكأنه قيل; لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم.
والمقسم عليه قوله: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أي: تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرًا أو باطنًا شيئًا، ومع هذه النعم العظيمة، التي ينبغي منه القيام بشكرها، فأكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم، مشتغلون باللهو واللعب، قد رضوا لأنفسهم بأسافل الأمور، وسفساف الأخلاق.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة