وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَآئِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
وَمِنَ الۡاَعۡرَابِ مَنۡ يَّتَّخِذُ مَا يُنۡفِقُ مَغۡرَمًا وَّيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَآٮِٕرَؕ عَلَيۡهِمۡ دَآٮِٕرَةُ السَّوۡءِؕ وَاللّٰهُ سَمِيۡعٌ عَلِيۡمٌ
تفسير ميسر:
ومن الأعراب مَن يحتسب ما ينفق في سبيل الله غرامة وخسارة لا يرجو له ثوابًا، ولا يدفع عن نفسه عقابًا، وينتظر بكم الحوادث والآفات، ولكن السوء دائر عليهم لا بالمسلمين. والله سميع لما يقولون عليم بنياتهم الفاسدة.
وأخبر تعالى أن منهم " من يتخذ ما ينفق " أي في سبيل الله " مغرما " أي غرامة وخسارة " ويتربص بكم الدوائر " أي ينتظر بكم الحوادث والآفات " عليهم دائرة السوء " أي هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم " والله سميع عليم " أي سميع لدعاء عباده عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان.
قوله تعالى ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم قوله تعالى ومن الأعراب من يتخذ ( من ) في موضع رفع بالابتداء . ما ينفق مغرما مفعولان ; والتقدير ينفقه ، فحذفت الهاء لطول الاسم . مغرما معناه غرما [ ص; 157 ] وخسرانا ; وأصله لزوم الشيء ; ومنه ; إن عذابها كان غراما أي لازما ، أي يرون ما ينفقونه في جهاد وصدقة غرما ولا يرجون عليه ثوابا . ويتربص بكم الدوائر التربص الانتظار ; وقد تقدم . ( والدوائر ) جمع دائرة ، وهي الحالة المنقلبة عن النعمة إلى البلية ، أي يجمعون إلى الجهل بالإنفاق سوء الدخلة وخبث القلب . عليهم دائرة السوء قرأه ابن كثير وأبو عمرو بضم السين هنا وفي الفتح ، وفتحها الباقون . وأجمعوا على فتح السين في قوله ; ما كان أبوك امرأ سوء . والفرق بينهما أن السوء بالضم المكروه . قال الأخفش ; أي عليهم دائرة الهزيمة والشر . وقال الفراء ; أي عليهم دائرة العذاب والبلاء . قالا ; ولا يجوز امرأ سوء . بالضم ; كما لا يقال ; هو امرؤ عذاب ولا شر . وحكي عن محمد بن يزيد قال ; السوء بالفتح الرداءة . قال سيبويه ; مررت برجل صدق ، ومعناه برجل صلاح . وليس من صدق اللسان ، ولو كان من صدق اللسان لما قلت ; مررت بثوب صدق . ومررت برجل سوء ليس هو من سؤته ، وإنما معناه مررت برجل فساد . وقال الفراء ; السوء بالفتح مصدر سؤته سوءا ومساءة وسوائية . قال غيره ; والفعل منه ساء يسوء . والسوء بالضم اسم لا مصدر ; وهو كقولك ; عليهم دائرة البلاء والمكروه .
القول في تأويل قوله ; وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; ومن الأعراب من يَعُدُّ نفقته التي ينفقها في جهاد مشرك، أو في معونة مسلم، أو في بعض ما ندب الله إليه عباده =(مغرما)، يعني; غرمًا لزمه، لا يرجو له ثوابًا، ولا يدفع به عن نفسه عقابًا =(ويتربص بكم الدوائر)، يقول; وينتظرون بكم الدوائر، (22) أن تدور بها الأيام والليالي إلى مكروهٍ ومجيء محبوب, (23) وغلبة عدوٍّ لكم. (24) يقول الله تعالى ذكره; (عليهم دائرة السوء)، يقول; جعل الله دائرة السوء عليهم, ونـزول المكروه بهم لا عليكم أيها المؤمنون, ولا بكم =(والله سميع)، لدعاء الداعين =(عليم) بتدبيرهم، وما هو بهم نازلٌ من عقاب الله، وما هم إليه صائرون من أليم عقابه. (25)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;17094- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله; (ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرمًا ويتربص بكم الدوائر)، قال; هؤلاء المنافقون من الأعراب الذين إنما ينفقون رياءً اتِّقاءَ أن يُغْزَوْا أو يُحارَبوا أو يقاتلوا, ويرون نفقتهم مغرمًا. ألا تراه يقول; (ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء)؟* * *واختلفت القرأة في قراءه ذلك.فقرأ عامة قرأة أهل المدينة والكوفة; (عَلَيهِم دَائِرَةُ السَّوْءِ) بفتح السين, بمعنى النعت لـ " الدائرة ", وإن كانت " الدائرة " مضافة إليه, كقولهم; " هو رجل السَّوْء ", " وامرؤ الصدق ", من كأنه إذا فُتح مصدرٌ من قولهم; سؤته أسوُءه سَوْءًا ومَساءَةً ومَسَائِيَةً. (26)* * *وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز وبعض البصريين; (عَلَيهِم دَائِرَةُ السُّوْءِ) ، بضم السين، كأنه جعله اسمًا, كما يقال; عليه دائرة البلاء والعذاب. ومن قال; " عليهم دائرة السُّوء " فضم, لم يقل; " هذا رجل السُّوء " بالضم, و " الرجل السُّوء ", (27) وقال الشاعر; (28)وكُـنْتُ كَـذِئْبِ السَّـوْءِ لَمَّـا رَأَى دَمًابِصَاحِبِـه يَوْمًـا أحَـالَ عَـلَى الـدَّمِ (29)قال أبو جعفر; والصواب من القراءة في ذلك عندنا بفتح السين, بمعنى; عليهم الدائرة التي تَسُوءهم سوءًا. كما يقال; " هو رجل صِدْق "، على وجه النعت.---------------------الهوامش ;(22) انظر تفسير " التربص " فيما سلف ص ; 291 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(23) في المطبوعة " ونفى محبوب " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهي سيئة الكتابة .(24) انظر تفسير " الدوائر " فيما سلف 10 ; 404 .(25) انظر تفسير " سميع " و " عليم " فيما سلف من فهارس اللغة ( سمع ) ، ( علم ) .(26) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 449 ، 450 .(27) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 450 .(28) هو الفرزدق .(29) ديوانه ; 749 ، وطبقات فحول الشعراء ; 306 ، والحيوان 5 ; 319 ، 6 ; 298 ، واللسان (حول) ، وغيرها كثير ، من أبيات لها خبر طويل . وقوله ; " أحال على الدم " ، أي ; أقبل عليه . والذئبان ربما أقبلا على الرجل إقبالا واحدًا ، وهما سواء على عداوته والجزم على أكله ، فإذا أدمى أحدهما وثب على صاحبه فمزقه وأكله ، وترك الإنسان ( من كلام الجاحظ ) . وقد كرر الفرزدق هذا المعنى في قوله ;فَتًـى لَيْسَ لابْنِ العَمِّ كالذِّئْبِ , إن رَأَىبِصَاحِبِــهِ يَوْمًـا دَمًـا فَهْـوَ آكِلُـهُ.
فمنهم {مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ} من الزكاة والنفقة في سبيل اللّه وغير ذلك، {مَغْرَمًا} أي: يراها خسارة ونقصا، لا يحتسب فيها، ولا يريد بها وجه اللّه، ولا يكاد يؤديها إلا كرها. {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} أي: من عداوتهم للمؤمنين وبغضهم لهم، أنهم يودون وينتظرون فيهم دوائر الدهر، وفجائع الزمان، وهذا سينعكس عليهم فعليهم دائرة السوء. وأما المؤمنون فلهم الدائرة الحسنة على أعدائهم، ولهم العقبى الحسنة، {وَاللَّهُ سميع عليم} يعلم نيات العباد، وما صدرت عنه الأعمال، من إخلاص وغيره.
(الواو) عاطفة
(من الأعراب) جارّ ومجرور نعت لخبر مقدّم محذوف أي بعض من الأعرابـ (من) اسم موصول مبني في محل رفع مبتدأ مؤخّر
(يتّخذ) مضارع مرفوع، والفاعل هو وهو العائد
(ما) موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(ينفق) مثل يتّخذ، والعائد محذوف أي ينفقه
(مغرما) مفعول به ثان منصوبـ (الواو) عاطفة
(يتربّص) مثل يتّخذ
(الباء) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يتربّص) ،
(الدوائر) مفعول به منصوبـ (عليهم) مثل بكم متعلّق بخبرمقدّم
(دائرة) مبتدأ مؤخّر مرفوع
(السوء) مضاف إليه مجرور
(واللَّه سميع عليم) مثل اللَّه عليم حكيم .
جملة: «من الأعراب من ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الأعراب أشدّ..
وجملة: «يتّخذ ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة: «ينفق ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «يتربص ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يتّخذ.
وجملة: «عليهم دائرة ... » لا محلّ لها اعتراضيّة دعائيّة.
وجملة: «اللَّه سميع ... » لا محلّ لها استئنافيّة.