إِنَّهُۥ عَلٰى رَجْعِهِۦ لَقَادِرٌ
اِنَّهٗ عَلٰى رَجۡعِهٖ لَقَادِرٌؕ
تفسير ميسر:
فلينظر الإنسان المنكر للبعث مِمَّ خُلِقَ؟ ليعلم أن إعادة خلق الإنسان ليست أصعب من خلقه أوّلا خلق من منيٍّ منصبٍّ بسرعة في الرحم، يخرج من بين صلب الرجل وصدر المرأة. إن الذي خلق الإنسان من هذا الماء لَقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت.
فيه قولان "أحدهما" على رجع هذا الماء الدافق إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما "والقول الثاني" إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق أي إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر لأن من قدر على البداءة قدر على الإعادة وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع وهذا القول قال به الضحاك واختاره ابن جرير.
إنه أي إن الله - جل ثناؤه - على رجعه أي على رد الماء في الإحليل ، لقادر كذا قال مجاهد والضحاك . وعنهما أيضا أن المعنى ; إنه على رد الماء في الصلب وقاله عكرمة . وعن الضحاك أيضا أن المعنى ; إنه على رد الإنسان ماء كما كان لقادر . وعنه أيضا أن المعنى ; إنه على رد الإنسان من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الكبر ، لقادر . وكذا في المهدوي . وفي الماوردي والثعلبي ; إلى الصبا ، ومن الصبا إلى النطفة . وقال ابن زيد ; إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج ، لقادر . وقال ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة أيضا ; إنه على رد الإنسان بعد الموت لقادر . وهو اختيار الطبري . الثعلبي ; وهو الأقوى لقوله تعالى ; يوم تبلى السرائر قال الماوردي ; ويحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة ; لأن الكفار يسألون الله تعالى فيها الرجعة .
وقوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) يقول تعالى ذكره; إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق، فجعلكم بشرًا سويًا، بعد أن كنتم ماء مدفوقًا، على رجعه لقادر.واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله; ( عَلَى رَجْعِهِ ) على ما هي عائدةٌ، فقال بعضهم; هي عائدة على الماء. وقالوا; معنى الكلام; إن الله على ردّ النطفة في الموضع التي خرجت منه ( لَقَادِرٌ ) .* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن عكرِمة، في قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال; إنه على رَدّه في صُلْبه لقادر .حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال; ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن عكرمة في قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال; لِلصُّلب .حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال; ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن ليث، عن مجاهد، في قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال; على أن يرد الماء في الإحليل .حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوْدِيّ الوشاء، قال; ثنا أبو قَطَن عمرو بن الهيثم، عن ورقاء، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن عبد الله بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال; على ردّ النطفة في الإحليل .حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال; في الإحليل .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال; ردّه في الإحليل .وقال آخرون; بل معنى ذلك; إنه على ردّ الإنسان ماءً كما كان قبل أن يخلقه منه.* ذكر من قال ذلك;حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) إن شئتُ رددتُه كما خلقته من ماءٍ .وقال آخرون; بل معنى ذلك; إنه على حبس ذلك الماء لقادرٌ.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال; على رجع ذلك الماء لقادرٌ، حتى لا يخرج، كما قدر على أن يخلق منه ما خلق قادر على أن يرجعه .وقال آخرون; بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يحيى بن واضح، قال; ثنا الحسين، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك قال; سمعته يقول في قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) يقول; إن شئتُ رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصِّبا، ومن الصبا إلى النطفة. وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله; ( عَلَى رَجْعِهِ ) من ذكر الإنسان.وقال آخرون، ممن زعم أن الهاء للإنسان; معنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر .وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال; معنى ذلك; إن الله على ردّ الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيًّا، كهيئته قبل مماته لقادر.وإنما قلت; هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب؛ لقوله; ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) فكان في إتباعه قوله; ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) نبأ من أنباء القيامة، دلالة على أن السابق قبلها أيضًا منه، ومنه ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) يقول تعالى ذكره; إنه على إحيائه بعد مماته لقادر يوم تُبلى السرائر، فاليوم من صفة الرجع، لأن المعنى; إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر.
فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق، يخرج من هذا الموضع الصعب، قادر على رجعه في الآخرة، وإعادته للبعث، والنشور [والجزاء] ، وقد قيل: إن معناه، أن الله على رجع الماء المدفوق في الصلب لقادر، وهذا - وإن كان المعنى صحيحًا - فليس هو المراد من الآية.
(على رجعه) متعلّق بـ (قادر) ، والضمير فيه يعود على الماء الدافق أو على الإنسان
(يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (رجعه) ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(له) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ
(قوّة) ، وهو مجرور لفظا مرفوع محلّا
(الواو) عاطفة
(لا) زائدة لتأكيد النفي(ناصر) معطوف على قوّة مجرور لفظا مثله.
جملة: «إنّه ... لقادر» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «تبلى السرائر ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «ما له من قوّة ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر أي إذا بعث يوم القيامة فما له ...