وَإِذَا الْمَوْءُۥدَةُ سُئِلَتْ
وَاِذَا الۡمَوۡءٗدَةُ سُٮِٕلَتۡ
تفسير ميسر:
إذا الشمس لُفَّت وذهب ضَوْءُها، وإذا النجوم تناثرت، فذهب نورها، وإذا الجبال سيِّرت عن وجه الأرض فصارت هباءً منبثًا، وإذا النوق الحوامل تُركت وأهملت، وإذا الحيوانات الوحشية جُمعت واختلطت؛ ليقتصَّ الله من بعضها لبعض، وإذا البحار أوقدت، فصارت على عِظَمها نارًا تتوقد، وإذا النفوس قُرنت بأمثالها ونظائرها، وإذا الطفلة المدفونة حية سُئلت يوم القيامة سؤالَ تطييب لها وتبكيت لوائدها; بأيِّ ذنب كان دفنها؟ وإذا صحف الأعمال عُرضت، وإذا السماء قُلعت وأزيلت من مكانها، وإذا النار أوقدت فأضرِمت، وإذا الجنة دار النعيم قُرِّبت من أهلها المتقين، إذا وقع ذلك، تيقنتْ ووجدتْ كلُّ نفس ما قدَّمت من خير أو شر.
هكذا قراءة الجمهور سئلت. والموءودة; هي التي كان أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وإذا الموءودة سئلت" أي سألت. وكذا قال أبو الضحى سألت أي طالبت بدمها. وعن السدي وقتادة مثله وقد وردت أحاديث تتعلق بالموءودة فقال الإمام أحمد حدثنا عبدالله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود وهو محمد بن عبدالرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة قالت; حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس وهو يقول "لقد هممت أن أنهي عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم ولا يضر أولادهم ذلك شيئا". ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذلك الوأد الخفي وهو الموءودة سئلت" ورواه مسلم من حديث أبي عبدالرحمن المقري وهو عبدالله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب. ورواه أيضا ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيي بن إسحاق السيلحيني عن يحيي بن أيوب ورواه مسلم أيضا وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث مالك بن أنس ثلاثتهم عن أبي الأسود به. وقال الإمام أحمد حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال; انطلقت أنا وأخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم وتقرى الضيف وتفعل هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئا؟ قال "لا" قلنا فإنها كانت وأدت أختا لنا في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئا قال "الوائدة والموءودة في النار إلا أن يدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها" ورواه النسائي من حديث داود بن أبي هند به. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الوائدة والموءودة في النار" وقال أحمد أيضا; حدثنا إسحاق الأزرق أخبرنا عوف حدثتني خنساء ابنة معاوية الصريمية عن عمها قال; قلت يا رسول الله من في الجنة؟ قال "النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والموءودة في الجنة" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قره قال سمعت الحسن يقول; قيل يا رسول الله من في الجنة؟ قال "الموءودة في الجنة" هذا حديث مرسل من مراسيل الحسن ومنهم من قبله. وقال ابن أبي حاتم حدثني أبو عبدالله الطهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال; قال ابن عباس أطفال المشركين في الجنة فمن زعم أنهم في النار فقد كذب يقول الله تعالى "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت" قال ابن عباس هي المدفونة وقال عبدالرزاق أخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى "وإذا الموءودة سئلت" قال جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وأدت بنات لي في الجاهلية قال "أعتق عن كل واحدة منهن رقبة" قال يا رسول الله إني صاحب إبل قال "فانحر عن كل واحدة منهن بدنة" قال الحافظ أبو بكر البزار خولف فيه عبدالرزاق ولم يكتبه إلا عن الحسين بن مهدي عنه وقد رواه ابن أبي حاتم فقال أخبرنا أبو عبدالله الطهراني فيما كتب إلي قال حدثنا عبدالرزاق فذكره بإسناده مثله إلا أنه قال; وأدت ثمان بنات لي في الجاهلية وقال في آخره "فأهد إن شئت عن كل واحدة بدنة" ثم قال حدثنا أبي حدثنا عبدالله بن رجاء حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين قال قدم قيس بن عاصم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وأدت اثنتي عشرة ابنة لي في الجاهلية أو ثلاث عشرة قال "أعتق عددهن نسما" قال فأعتق عددهن نسما فلما كان في العام المقبل جاء بمائة ناقة فقال يا رسول الله هذه صدقة قومي على أثر ما صنعت بالمسلمين قال علي بن أبي طالب فكنا نريحها ونسميها القيسية.