أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا
اَلَمۡ نَجۡعَلِ الۡاَرۡضَ كِفَاتًا
تفسير ميسر:
ألم نجعل هذه الأرض التي تعيشون عليها، تضم على ظهرها أحياء لا يحصون، وفي بطنها أمواتًا لا يحصرون، وجعلنا فيها جبالا ثوابت عاليات؛ لئلا تضطرب بكم، وأسقيناكم ماءً عذبًا سائغًا؟
قال ابن عباس كفاتا كنا وقال مجاهد يكفت الميت فلا يرى منه شيء وقال الشعبي بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم.
قوله تعالى ; ألم نجعل الأرض كفاتا أي ضامة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها . وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه . وقوله - عليه السلام - ; قصوا أظافركم وادفنوا قلاماتكم وقد مضى في ( البقرة ) بيانه يقال ; كفت الشيء أكفته ; إذا جمعته وضممته ، والكفت ; الضم والجمع ; وأنشد سيبويه ;كرام حين تنكفت الأفاعي إلى أحجارهن من الصقيعوقال أبو عبيد ; كفاتا أوعية . ويقال للنحي ; كفت وكفيت ; لأنه يحوي اللبن ويضمه قال ;فأنت اليوم فوق الأرض حي وأنت غدا تضمك في كفاتوخرج الشعبي في جنازة فنظر إلى الجبان فقال ; هذه كفات الأموات ، ثم نظر إلى البيوت فقال ; هذه كفات الأحياء .والثانية ; روي عن ربيعة في النباش قال تقطع يده فقيل له ; لم قلت ذلك ؟ قال ; إن الله - عز وجل - يقول ; ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا فالأرض حرز . وقد مضى هذا في سورة ( المائدة ) . وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة ، لأنه مقبرة تضم الموتى ، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم والأموات في قبورهم . وأيضا استقرار الناس على وجه الأرض ، ثم اضطجاعهم عليها ، انضمام منهم إليها . وقيل ; هي كفات للأحياء يعني دفن ما يخرج من الإنسان من الفضلات في الأرض ; إذ لا ضم في كون الناس عليها ، والضم يشير إلى [ ص; 141 ] الاحتفاف من جميع الوجوه .وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه ; الأحياء والأموات ترجع إلى الأرض ، أي الأرض منقسمة إلى حي وهو الذي ينبت ، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت . وقال الفراء ; انتصب أحياء وأمواتا بوقوع الكفات عليه ; أي ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات . فإذا نونت نصبت ; كقوله تعالى ; أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما . وقيل ; نصب على الحال من الأرض ، أي منها كذا ومنها كذا . وقال الأخفش ; كفاتا جمع كافتة والأرض يراد بها الجمع فنعتت بالجمع . وقال الخليل ; التكفيت ; تقليب الشيء ظهرا لبطن أو بطنا لظهر . ويقال ; انكفت القوم إلى منازلهم أي انقلبوا . فمعنى الكفات أنهم يتصرفون على ظهرها وينقلبون إليها ويدفنون فيها .
يقول تعالى ذكره; منبها عباده على نعمه عليهم; ( أَلَمْ نَجْعَلِ ) أيها الناس ( الأَرْضَ ) لكم ( كِفَاتًا ) يقول; وعاء، تقول; هذا كفت هذا وكفيته، إذا كان وعاءه.وإنما معنى الكلام; ألم نجعل الأرض كِفاتَ أحيائكم وأمواتكم، تكْفِت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمهم فيها وتجمعهم، وأمواتَكم في بطونها في القبور، فيُدفَنون فيها.
أي: أما امتننا عليكم وأنعمنا، بتسخير الأرض لمصالحكم، فجعلناها { كِفَاتًا } لكم.
(كفاتا) مفعول به ثان منصوبـ (أحياء) مفعول به لـ (كفاتا) ،
(الواو) عاطفة في الموضعين
(فيها) متعلّق بمحذوف مفعول به ثان
(ماء) مفعول به ثان منصوبـ (ويل.. للمكذّبين) مثل الأولى.
جملة: «نجعل الأرض ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «جعلنا ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «أسقيناكم ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «ويل ... للمكذّبين» لا محلّ لها استئنافيّة.