إِنَّ هٰٓؤُلَآءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا
اِنَّ هٰٓؤُلَاۤءِ يُحِبُّوۡنَ الۡعَاجِلَةَ وَيَذَرُوۡنَ وَرَآءَهُمۡ يَوۡمًا ثَقِيۡلًا
تفسير ميسر:
إن هؤلاء المشركين يحبون الدنيا، وينشغلون بها، ويتركون خلف ظهورهم العمل للآخرة، ولما فيه نجاتهم في يوم عظيم الشدائد.
ثم قال تعالى منكرا على الكفار ومن أشبههم في حب الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم; "إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا" يعني يوم القيامة.
قوله تعالى ; إن هؤلاء يحبون العاجلة توبيخ وتقريع ; والمراد أهل مكة . والعجلة الدنيا ويذرون أي ويدعون وراءهم أي بين أيديهم يوما ثقيلا أي عسيرا شديدا كما قال ; ثقلت في السماوات والأرض . أي يتركون الإيمان بيوم القيامة . وقيل ; وراءهم أي خلفهم ، أي ويذرون الآخرة خلف ظهورهم ، فلا يعملون لها . وقيل ; نزلت في اليهود فيما كتموه من صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحة نبوته . وحبهم العاجلة ; أخذهم الرشا على [ ص; 132 ] ما كتموه . وقيل ; أراد المنافقين ; لاستبطانهم الكفر وطلب الدنيا . والآية تعم . واليوم الثقيل ; يوم القيامة . وإنما سمي ثقيلا لشدائده وأهواله . وقيل ; للقضاء فيه بين عباده .
يقول تعالى ذكره; نَحْنُ خَلَقْنَا هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه ( وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ) ; وشددنا خلقهم، من قولهم; قد أُسِر هذا الرجل فأُحسِن أسره، بمعنى; قد خلِقَ فأُحسِن خَلْقه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبى، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن &; 24-118 &; أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ) يقول; شددنا خلقهم.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله; ( وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ) قال; خَلْقهم.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ); خَلْقهم.حدثنا بن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.وقال آخرون; الأسْر; المفاصل.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، سمعته - يعني; خلادا - يقول; سمعت أبا سعيد، وكان قرأ القرآن على أبي هريرة قال; ما قرأت القرآن إلا على أبي هريرة، هو أقرأني، وقال في هذه الآية ( وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ) قال; هي المفاصل.وقال آخرون; بل هو القوّة.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ) قال; الأسر; القوّة.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه، وذلك أن الأسر، هو ما ذكرت عند العرب؛ ومنه قول الأخطل;مِــنْ كــلّ مُجْـتَنَبٍ شَـدِيدٍ أسْـرُهسَــلِسِ الْقِيــادِ تَخالُــهُ مُخْتــالا (1)ومنه قول العامة; خذه بأسره; أي هو لك كله.وقوله; ( وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا ) يقول; وإذا نحن شئنا أهلكنا هؤلاء &; 24-119 &; وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم أمثالهم من الخلق، مخالفين لهم في العمل.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا ) قال; بني آدم الذين خالفوا طاعة الله، قال; وأمثالهم من بني آدم.
{ إِنَّ هَؤُلَاءِ } أي: المكذبين لك أيها الرسول بعد ما بينت لهم الآيات، ورغبوا ورهبوا، ومع ذلك، لم يفد فيهم ذلك شيئا، بل لا يزالون يؤثرون، { الْعَاجِلَةَ } ويطمئنون إليها، { وَيَذَرُونَ } أي: يتركون العمل ويهملون { وَرَاءَهُمْ } أي: أمامهم { يَوْمًا ثَقِيلًا } وهو يوم القيامة، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون، وقال تعالى: { يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا والإقامة فيها.
(وراءهم) ظرف مكان منصوب متعلّق بحال من(يوما) .
(يوما) مفعول به منصوب.
جملة: «إنّ هؤلاء يحبّون ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يحبّون ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «يذرون ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة يحبّون.