وَخَسَفَ الْقَمَرُ
وَخَسَفَ الۡقَمَرُۙ
تفسير ميسر:
فإذا تحيَّر البصر ودُهش فزعًا مما رأى من أهوال يوم القيامة، وذهب نور القمر، وجُمِع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما، يقول الإنسان وقتها; أين المهرب من العذاب؟
أي ذهب ضوءه.
قوله تعالى ; وخسف القمر أي ذهب ضوءه . والخسوف في الدنيا إلى انجلاء ، بخلاف الآخرة ، فإنه لا يعود ضوءه . ويحتمل أن يكون بمعنى غاب ; ومنه قوله تعالى ; فخسفنا به وبداره الأرض .وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والأعرج ; ( وخسف القمر ) بضم الخاء وكسر السين يدل عليه وجمع الشمس والقمر .وقال أبو حاتم محمد بن إدريس ; إذا ذهب بعضه فهو الكسوف ، وإذا ذهب كله فهو الخسوف .
وقوله; ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفر القارئ ونافع وابن أبي إسحاق ( فإذَا بَرَقَ ) بفتح الراء، بمعنى شخص، وفُتِح عند الموت ; وقرأ ذلك شيبة وأبو عمرو وعامة قرّاء الكوفة ( بَرِقَ ) بكسر الراء، بمعنى; فزع وشقّ.وقد حدثني أحمد بن يوسف، قال; ثنا القاسم، قال; ثني حجاج، عن هارون، قال; سألت أبا عمرو بن العلاء عنها، فقال; ( بَرِقَ ) بالكسر بمعنى حار، قال; وسألت عنها عبد الله بن أبي إسحاق فقال; ( بَرَقَ ) بالفتح، إنما برق الخيطل (7) والنار والبرق. وأما البصر فبرق عند الموت. قال; وأخبرت بذلك ابن أبي إسحاق، فقال; أخذت قراءتي عن الأشياخ نصر بن عاصم وأصحابه، فذكرت لأبي عمرو، فقال; لكن لا آخذ عن نصر ولا عن أصحابه، فكأنه يقول; آخذ عن أهل الحجاز.وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء ( فَإِذَا بَرِقَ ) بمعنى; فزع فشُقّ وفُتِح من هول القيامة وفزع الموت. وبذلك جاءت أشعار العرب. أنشدني بعض الرواة عن أبي عُبيدة الكلابي;لَمّــا أتــانِي ابْـنُ صُبَيْـحٍ رَاغِبـاأعْطَيْتُــهُ عَيْســاء مِنْهــا فَـبرَقْ (8)وحُدثت عن أبي زكريا الفرّاء قال; أنشدني بعض العرب;نَعــــانِي حَنانَـــةُ طُوبالَـــةًتَسَــفُّ يَبيســا مِــنَ الْعِشْــرقِفَنَفْسَـــك فـــانْعَ وَلا تَنْعَنِـــيودَاوِ الْكُلـــــومَ وَلا تَــــبْرَقِ (9)بفتح الراء، وفسَّره أنه يقول; لا تفزع من هول الجراح التي بك ; قال; وكذلك يبرُق البصر يوم القيامة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ) يعني ببرق البصر; الموت، وبروق البصر; هي الساعة.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( بَرِقَ الْبَصَرُ ) قال; عند الموت.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ) شخص البصر.-----------------الهوامش ;(7) من معاني الخيطل في اللسان; السنور، والكلب.(8) الرجز من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 182 ) عند قوله تعالى; { فإذا برق البصر } . وأنشده أبو زكريا التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق ( طبع القاهرة 75 ) قال; البرق ( بالتحريك ) ; أن يبرق البصر، وهو أن يتحير فلا يطرف، قال الأعور ابن براء الكلابي; كلاب مرة; " لما أتاني ابن صبيح ... " البيت. ومعه بيت آخر، وهو;أعْطَيْتُــــهُ مَبْنِيَّـــةً دَأيَاتُهَـــامَــائِرَةَ الضَّبْعَيْـنِ سَـطْعَاءَ الْعُنُـقْقال صبيح; من هلال بن عامر، وكان الأعور خاله، فسأل ابن صبيح الأعور، فأعطاه ناقة من إبله، فذهب بها الهلالي، وهجا الأعور فقال;أعْطَيْتَنِـــي سَــاقِطَةً أضْرَاسُــهَالَــوْ تَعْجُـمُ الْبَيْـضَ إذَنْ لَـمْ يَنْفَلِـقْمع أبيات غيرها فأجابه الأعور بقصيدة فيها البيتان المتقدمان. والدأيات; فقار الظهر، الواحدة دأية. والضبعان; العضدان.ومائرة الضبعين; أي سريعة. والسطعاء; الطويلة العنق. ا هـ .وفي ( اللسان برق ) وبرق بصره برقا ( كفرح فرحا ) وبرق يبرق بروقا ( كقعد يقعد قعودا ) الأخيرة عن اللحيان; دهش فلم يبصر. وقيل; تحير فلم يطرف. وفي التنزيل; { فإذا برق البصر } وبرق ( من بابي فرح وقعد ) قرئ بهما جميعا. ا هـ . وقال الفراء في معاني القرآن ( 349 ) ; وقوله; { فإذا برق البصر } قرأهل الأعمش وعاصم والحسن وبعض أهل المدينة; برق، بكسر الراء. وقرأها نافع المدني; برق البصر، بفتح الراء، من البريق لمن فتح عينيه أي; شخص. وقوله; برق ( بالكسر ) أي; فزع. ا هـ .(9) البيتان في ديوان طرفة طبعة " أدرنه - ك " سنة 1909 ص 15 قال; وقال في شأن إبل أخيه، وكان بشبكة امرئ القيس، فوثب حنانة الحاجب ليضربه، فانتزع طرفة سيفه. فقال في ذلك، ولم يروها الشنتمري. وفي ( اللسان; حنن ) وحنانة; اسم راع في قول طرفة; " نعاني حنانة ... " البيت.قال ابن بري; رواه ابن القطاع ; بغاني حنانة، بالباء والغين المعجمة. والصحيح; بالنون والعين غير المعجمة، كما وقع في الأصول، بدليل قوله بعد هذا البيت; " فنفسك فانع ... " البيت. وفي ( اللسان; طبل ) الطوبالة; النعجة. ا هـ . ونصبها على الذم له كأنه قال; أعني; طوبالة. وتسف; تأكل. والعشرق; نبت معروف عندهم. وقوله " لا تبرق " فسره اللسان بقوله; لا تفزع من هول الجراح التي بك، وفسره شارح الديوان السابق الذكر; أي لا تهددني. وفسره الفراء في معاني القرآن ( 349 ) فقال; وقوله; { برق } فزع، أنشدني بعض العرب; " نعاني حنانة ... " البيتين. فتح الراء أي; لا تفزع من هول الجراح التي بك. ا هـ .
{ وَخَسَفَ الْقَمَرُ } أي: ذهب نوره وسلطانه،
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة