وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا
وَّاَنَّهٗ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ اللّٰهِ يَدۡعُوۡهُ كَادُوۡا يَكُوۡنُوۡنَ عَلَيۡهِ لِبَدًا
تفسير ميسر:
وأنه لما قام محمد صلى الله عليه وسلم، يعبد ربه، كاد الجن يكونون عليه جماعات متراكمة، بعضها فوق بعض؛ مِن شدة ازدحامهم لسماع القرآن منه.
قال العوفي عن ابن عباس يقول لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه يتلو القرآن ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن" يستمعون القرآن هذا قول وهو مروي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه وقال ابن جرير حدثني محمد بن معمر حدثنا ابن هشام عن أبي عوانه عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال; قال الجن لقومهم "لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا" قال لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده قال عجبوا من طواعية أصحابه له قال فقالوا لقومهم "لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا" وهذا قول ثان وهو مروي عن سعيد بن جبير أيضا وقال الحسن لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا إله إلا الله ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تلبد عليه جميعا وقال قتادة في قوله "وأنه لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا" قال تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه.
قوله تعالى ; وأنه لما قام عبد الله يدعوه يجوز الفتح ; أي أوحى الله إليه أنه . ويجوز الكسر على الاستئناف . و ( عبد الله ) هنا محمد - صلى الله عليه وسلم - حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن ، حسب ما تقدم أول السورة . يدعوه أي يعبده . وقال ابن جريج ; يدعوه أي قام إليهم داعيا إلى الله تعالى . كادوا يكونون عليه لبدا قال الزبير بن العوام ; هم الجن حين استمعوا القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - . أي كاد يركب بعضهم بعضا ازدحاما ويسقطون ، حرصا على سماع القرآن .وقيل ; كادوا يركبونه حرصا ; قاله الضحاك . ابن عباس ; رغبة في سماع الذكر . وروى برد عن مكحول ; أن الجن بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الليلة وكانوا سبعين ألفا ، وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر . وعن ابن عباس أيضا ; إن هذا من قول الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وائتمامهم به في الركوع والسجود .وقيل ; المعنى كاد المشركون يركبون بعضهم بعضا ، حردا على النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال الحسن وقتادة وابن زيد ; يعني لما قام عبد الله محمد بالدعوة تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه ، وأبى الله إلا أن ينصره ويتم نوره . واختار الطبري أن يكون المعنى ; كادت العرب يجتمعون على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويتظاهرون على إطفاء النور الذي جاء به .وقال مجاهد ; قوله ( لبدا ) جماعات وهو من تلبد الشيء على الشيء أي تجمع ; ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه ، وكل شيء ألصقته إلصاقا شديدا فقد لبدته ، وجمع اللبدة لبد مثل قربة وقرب . ويقال للشعر الذي على ظهر الأسد لبدة وجمعها لبد ; قال زهير ;لدى أسد شاكي السلاح مقذف له لبد أظفاره لم تقلمويقال للجراد الكثير لبد وفيه أربع لغات وقراءات ; فتح الباء وكسر اللام ، وهي قراءة العامة . وضم اللام وفتح الباء ، وهي قراءة مجاهد وابن محيصن وهشام عن أهل الشام ، واحدتها لبدة . وبضم اللام والباء ، وهي قراءة أبي حيوة ومحمد بن السميقع وأبي الأشهب [ ص; 24 ] العقيلي والجحدري واحدها لبد مثل سقف وسقف ورهن ورهن . وبضم اللام وشد الباء وفتحها ، وهي قراءة الحسن وأبي العالية والأعرج والجحدري أيضا واحدها لابد ; مثل راكع وركع ، وساجد وسجد . وقيل ; اللبد بضم اللام وفتح الباء الشيء الدائم ; ومنه قيل لنسر لقمان لبد لدوامه وبقائه ; قال النابغة ;أخنى عليها الذي أخنى على لبدالقشيري ; وقرئ ( لبدا ) بضم اللام والباء ، وهو جمع لبيد ، وهو الجولق الصغير . وفي الصحاح ; وقوله تعالى ; أهلكت مالا لبدا أي جما . ويقال أيضا ; الناس لبد أي مجتمعون ، واللبد أيضا الذي لا يسافر ولا يبرح منزله . قال الشاعر ;من امرئ ذي سماح لا تزال له بزلاء يعيا بها الجثامة اللبدويروى ; اللبد . قال أبو عبيد ; وهو أشبه .والبزلاء ; الرأي الجيد . وفلان نهاض ببزلاء ; إذا كان ممن يقوم بالأمور العظام ; قال الشاعر ;إني إذا شغلت قوما فروجهم رحب المسالك نهاض ببزلاءولبد ; آخر نسور لقمان ، وهو ينصرف ; لأنه ليس بمعدول . وتزعم العرب أن لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها ، فلما أهلكوا خير لقمان بين بقاء سبع بعرات سمر ، من أظب عفر ، في جبل وعر ، لا يمسها القطر ; أو بقاء سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر ، فاختار النسور ، وكان آخر نسوره يسمى لبدا ، وقد ذكرته الشعراء ; قال النابغة ;أضحت خلاء وأمسى أهلها احتملوا أخنى عليها الذي أخنى على لبدواللبيد ; الجوالق الصغير ; يقال ; ألبدت القربة جعلتها في لبيد . ولبيد ; اسم شاعر من بني عامر .
وقوله; ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) يقول; وأنه لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله يقول; " لا إله إلا الله "( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) يقول; كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض، واحدها لبدة، وفيها لغتان; كسر اللام لِبدة، ومن كسرها جمعها لِبَد؛ وضم اللام لُبدة، ومن ضمها جمعها لُبَد بضم اللام، أو لابِد؛ ومن جمع لابد قال; لُبَّدًا، مثل راكع وركعا، وقراء الأمصار على كسر اللام من لِبَد، غير ابن مُحَيْصِن فإنه كان يضمها، وهما بمعنى واحد، غير أن القراءة التي عليها قرّاء الأمصار أحبّ إليّ، والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضًا لُبْدَةً؛ ومنه قول عبد مناف بن ربعيّ الهذلي;صَــابُوا بسِــتَّةِ أبْيــاتٍ وأرْبَعَـةٍحـتى كـأنَّ عليهِـمْ جابِيًـا لُبَـدَا (2)والجابي; الجراد الذي يجبي كل شيء يأكله.واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله; ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) فقال بعضهم; عني بذلك الجنّ أنهم كادوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا القرآن.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) يقول; لما سمعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن، ودنوا منه فلم يعلم حتى أتاه الرسول، فجعل يقرئه; قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ .حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) كادوا يركبونه حرصا على ما سمعوا منه من القرآن.قال أبو جعفر; ومن قال هذا القول جعل قوله; ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ ) مما أوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فيكون معناه; قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ، وأنه لما قام عبد الله يدعوه.وقال آخرون; بل هذا من قول النفر من الجن لمّا رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وائتمامهم به في الركوع والسجود.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن معمر، قال; ثنا أبو مسلم، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال; قول الجنّ لقومهم; ( لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) قال; لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قال; عجبوا من طواعية أصحابه له؛ قال; فقال لقومهم لما قام عبد الله يدعوه ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ).حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جبير، في قوله; ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) قال; كان أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يأتمون به، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده ، ومن قال هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس وسعيد فتح الألف من قوله; " وأنه " عطف بها على قوله; وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مفتوحة، وجاز له كسرها على الابتداء.وقال آخرون; بل ذلك من خبر الله الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم لعلمه أن الإنس والجنّ تظاهروا عليه، ليُبطلوا الحقّ الذي جاءهم به، فأبى الله إلا إتمامه.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) قال; تلبدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه، ويظهره على من ناوأه.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله; ( لِبَدًا ) قال; لما قام النبيّ صلى الله عليه وسلم تلبَّدت الجنّ والإنس، فحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنـزله الله.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله; ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) قال; تظاهروا عليه بعضهم على بعض، تظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال هذا القول فتح الألف من قوله " وأنه ".وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال; ذلك خبر من الله عن أن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور الله.وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لأن قوله; ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ) عقيب قوله; ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ) وذلك من خبر الله فكذلك قوله; ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ) وأخرى أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله; ( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) فمعلوم أن الذي يتبع ذلك الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع الله أحدا في ذلك، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الإجابة.حدثنا محمد بن بشار، قال; ثنا هوذة، قال; ثنا عوف، عن الحسن، في قوله; ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ) قال; لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا إله إلا الله " ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تكون عليه جميعا.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا يحيى، قال; ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل، عن سعيد بن جُبير في قوله; ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) قال; تراكبوا عليه.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد بن جبير ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) قال; بعضهم على بعض.حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) يقول; أعوانا.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) قال; جميعًا.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) قال; جميعا.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) واللبد; الشيء الذي بعضه فوق بعض.------------------------الهوامش;(2) البيت في (ديوان الهذليين 2 ; 40) في شعر عبد مناف بن ربع الهذلي، يذكر يوم أنف عاذ. وفي (اللسان; صاب) وقول الهذلي; "صابوا. ." البيت. صابوا بهم; أوقعوا بهم. والجابي (بالياء) الجراد واللبد (بضم اللام) الكثير. وقال في (جبأ) "والجابئ الجراد، يهمز ولا يهمز. وجبأ الجراد; هجم على البلد. قال الهذلي; صابوا.. جابئا لبدا" بهمز جابئ. قال ; وكل طالع فجأة جابئ. وقال في (لبد) ومال لبد (بالضم); كثير لا يخاف فناؤه، كأنه التبد بعضه على بعض . وفي التنزيل; ( يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً) أي ; جما. قال الفراء; اللبد; الكثير. وقال بعضهم; واحدته; لبدة، ولبد; جماع. قال; وجعله بعضهم على جهة قثم وحطم، واحدا، وهو في الوجهين جميعا; الكثير . ا هـ .
{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } أي: يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كَاد الجن من تكاثرهم عليه أن يكونوا عليه لبدا، أي: متلبدين متراكمين حرصا على سماع ما جاء به من الهدى.
(الواو) عاطفة
(لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بمضمون الجواب..
(عليه) متعلّق بـ (لبدا) بتأويل مشتّق أي جماعات.. والمصدر المؤوّلـ (أنّه لما قام..) في محلّ رفع معطوف على المصدر المؤوّل السابق أو المصدر المؤوّلـ (أنّه استمع ... ) في الآية
(1) من هذه السورة. وجملة: «الشرط وفعله وجوابه ... » في محلّ رفع خبر أنّ. وجملة: «قام عبد الله ... » في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة: «يدعوه ... » في محلّ نصب حال من فاعل قام وجملة: «كادوا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم. وجملة: «يكونون ... » في محلّ نصب خبر كادوا.