وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِۦٓ أَتَأْتُونَ الْفٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعٰلَمِينَ
وَلُوۡطًا اِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهٖۤ اَتَاۡتُوۡنَ الۡفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمۡ بِهَا مِنۡ اَحَدٍ مِّنَ الۡعٰلَمِيۡنَ
تفسير ميسر:
واذكر -أيها الرسول- لوطًا عليه السلام حين قال لقومه; أتفعلون الفعلة المنكرة التي بلغت نهاية القبح؟ ما فعلها مِن أحد قبلكم من المخلوقين.
يقول تعالى "و" لقد أرسلنا "لوطا" أو تقديره "و" اذكر "لوطا إذ قال لقومه" ولوط هو ابن هارون بن آزر وهو ابن أخي ابراهيم الخليل عليهما السلام. وكان قد آمن مع إبراهيم عليه السلام وهاجر معه إلى أرض الشام فبعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم وهو إتيان الذكور دون الإناث وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله قال عمرو بن دينار في قوله "ما سبقكم بها من أحد من العالمين" قال ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط وقال الوليد بن عبدالملك الخليفة الأموي باني جامع دمشق لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا ولهذا قال لهم لوط عليه السلام "أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين".
قوله تعالى ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمينفيه أربع مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ولوطا إذ قال لقومه قال الفراء ; لوط مشتق من قولهم ; هذا أليط بقلبي ، أي ألصق . وقال النحاس ; قال الزجاج زعم بعض النحويين - يعني الفراء - أن لوطا يجوز أن يكون مشتقا من لطت الحوض إذا ملسته بالطين . قال ; وهذا غلط ; لأن الأسماء الأعجمية لا تشتق كإسحاق ، فلا يقال ; إنه من السحق وهو البعد . وإنما صرف لوط لخفته لأنه على ثلاثة أحرف وهو ساكن الوسط . قال النقاش ; لوط من الأسماء الأعجمية وليس من العربية . فأما لطت الحوض ، وهذا أليط بقلبي من هذا ، فصحيح . ولكن الاسم أعجمي كإبراهيم وإسحاق . قال سيبويه ; نوح ولوط أسماء أعجمية ، إلا أنها خفيفة فلذلك صرفت .بعثه الله تعالى إلى أمة تسمى سدوم ، وكان ابن أخي إبراهيم . ونصبه إما ب أرسلنا المتقدمة فيكون معطوفا . ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى واذكر .[ ص; 219 ] الثانية قوله تعالى أتأتون الفاحشة يعني إتيان الذكور . ذكرها الله باسم الفاحشة ليبين أنها زنى ; كما قال الله تعالى ; ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة .واختلف العلماء فيما يجب على من فعل ذلك بعد إجماعهم على تحريمه ; فقال مالك ; يرجم ; أحصن أو لم يحصن . وكذلك يرجم المفعول به إن كان محتلما . وروي عنه أيضا ; يرجم إن كان محصنا ، ويحبس ويؤدب إن كان غير محصن . وهو مذهب عطاء والنخعي وابن المسيب وغيرهم . وقال أبو حنيفة ; يعذر المحصن وغيره ; وروي عن مالك . وقال الشافعي ; يحد حد الزنى قياسا عليه . احتج مالك بقوله تعالى ; وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل . فكان ذلك عقوبة لهم وجزاء على فعلهم . فإن قيل ; لا حجة فيها لوجهين ; أحدهما ; أن قوم لوط إنما عوقبوا على الكفر والتكذيب كسائر الأمم . الثاني ; أن صغيرهم وكبيرهم دخل فيها ; فدل على خروجها من باب الحدود . قيل ; أما الأول فغلط ; فإن الله سبحانه أخبر عنهم أنهم كانوا على معاص فأخذهم بها ; منها هذه . وأما الثاني فكان منهم فاعل وكان منهم راض ، فعوقب الجميع لسكوت الجماهير عليه . وهي حكمة الله وسنته في عباده . وبقي أمر العقوبة على الفاعلين مستمرا . والله أعلم . وقد روى أبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي والدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به . لفظ أبي داود وابن ماجه . وعند الترمذي أحصنا أو لم يحصنا . وروى أبو داود والدارقطني عن ابن عباس في البكر يوجد على اللوطية قال ; يرجم . وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه حرق رجلا يسمى الفجاءة حين [ ص; 220 ] عمل عمل قوم لوط بالنار . وهو رأي علي بن أبي طالب ; فإنه لما كتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر في ذلك جمع أبو بكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واستشارهم فيه ; فقال علي ; إن هذا الذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما علمتم ، أرى أن يحرق بالنار . فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بالنار . فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يحرقه بالنار فأحرقه . ثم أحرقهم ابن الزبير في زمانه . ثم أحرقهم هشام بن الوليد . ثم أحرقهم خالد القسري بالعراق . وروي أن سبعة أخذوا في زمن ابن الزبير في لواط ; فسأل عنهم فوجد أربعة قد أحصنوا فأمر بهم فخرجوا بهم من الحرم فرجموا بالحجارة حتى ماتوا ، وحد الثلاثة ; وعنده ابن عباس وابن عمر فلم ينكرا عليه . وإلى هذا ذهب الشافعي . قال ابن العربي ; والذي صار إليه مالك أحق ، فهو أصح سندا وأقوى معتمدا . وتعلق الحنفيون بأن قالوا ; عقوبة الزنى معلومة ; فلما كانت هذه المعصية غيرها وجب ألا يشاركها في حدها . ويأثرون في هذا حديثا ; من وضع حدا في غير حد فقد تعدى وظلم . وأيضا فإنه وطء في فرج لا يتعلق به إحلال ولا إحصان ، ولا وجوب مهر ولا ثبوت نسب ; فلم يتعلق به حد .الثالثة ; فإن أتى بهيمة فقد قيل ; لا يقتل هو ولا البهيمة . وقيل ; يقتلان ; حكاه ابن المنذر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن . وفي الباب حديث رواه أبو داود والدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة معه . فقلنا لابن [ ص; 221 ] عباس ; ما شأن البهيمة ؟ قال ; ما أراه قال ذلك ، إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل . قال ابن المنذر ; إن يك الحديث ثابتا فالقول به يجب ، وإن لم يثبت فليستغفر الله من فعل ذلك كثيرا ، وإن عزره الحاكم كان حسنا . والله أعلم . وقد قيل ; إن قتل البهيمة لئلا تلقي خلقا مشوها ; فيكون قتلها مصلحة لهذا المعنى مع ما جاء من السنة . والله أعلم . وقد روى أبو داود عن ابن عباس قال ; ليس على الذي زنى بالبهيمة حد . قال أبو داود ; وكذا قال عطاء . وقال الحكم ; أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد . وقال الحسن ; هو بمنزلة الزاني . وقال الزهري ; يجلد مائة أحصن أو لم يحصن . وقال مالك والثوري وأحمد وأصحاب الرأي يعزر . وروي عن عطاء والنخعي والحكم . واختلفت الرواية عن الشافعي ، وهذا أشبه على مذهبه في هذا الباب . وقال جابر بن زيد ; يقام عليه الحد ، إلا أن تكون البهيمة له .الرابعة قوله تعالى ما سبقكم بها من أحد من العالمين من لاستغراق الجنس ، أي لم يكن اللواط في أمة قبل قوم لوط . والملحدون يزعمون أن ذلك كان قبلهم . والصدق ما ورد به القرآن . وحكى النقاش أن إبليس كان أصل عملهم بأن دعاهم إلى نفسه لعنه الله ، فكان ينكح بعضهم بعضا . قال الحسن ; كانوا يفعلون ذلك بالغرباء ، ولم يكن يفعله بعضهم ببعض . وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط . وقال محمد بن سيرين ; ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار .
القول في تأويل قوله ; وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره; ولقد أرسلنا لوطًا.* * *ولو قيل; معناه; واذكر لوطًا ، يا محمد ، (إذ قال لقومه) = إذ لم يكن في الكلام صلة " الرسالة " كما كان في ذكر عاد وثمود = كان مذهبًا.* * *وقوله; ( إذ قال لقومه ) ، يقول; حين قال لقومه من سَدُوم، وإليهم كان أرسل لوط=( أتأتون الفاحشة ) ، وكانت فاحشتهم التي كانوا يأتونها ، التي عاقبهم الله عليها ، إتيان الذكور (13) =(ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) ، يقول; ما سبقكم بفعل هذه الفاحشة أحد من العالمين ، وذلك كالذي;-14833-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار قوله; ( ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) ، قال; ما رُئي ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط.------------------الهوامش ;(13) انظر تفسير"الفاحشة" فيما سلف; ص; 402 ، تعليق; 2 ، والمراجع هناك.
أي: { و ْ} اذكر عبدنا { لُوطًا ْ} عليه الصلاة والسلام، إذ أرسلناه إلى قومه يأمرهم بعبادة اللّه وحده، وينهاهم عن الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين، فقال: { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ْ} أي: الخصلة التي بلغت - في العظم والشناعة - إلى أن استغرقت أنواع الفحش، { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ْ} فكونها فاحشة من أشنع الأشياء، وكونهم ابتدعوها وابتكروها، وسنوها لمن بعدهم، من أشنع ما يكون أيضا.
(الواو) استئنافية
(لوطا) مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر ،
(إذ) اسم ظرفي بدل من(لوطا) في محلّ نصبـ (قال) فعل ماض، والفاعل هو (لقوم) جار ومجرور متعلق بـ (قال) ، و (الهاء) ضمير في محلّ جر مضاف إليه
(الهمزة) للاستفهام الإنكاري التوبيخي
(تأتون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (الفاحشة) مفعول به منصوبـ (ما) نافية
(سبق) مثل قال و (كم) ضمير مفعول به
(الباء) حرف جر و (ها) ضمير في محلّ جر متعلق بمحذوف حال من أحد أي متلبسا بها
(من) حرف جر زائد
(أحد) مجرور لفظا مرفوع محلا فاعل سبق
(من العالمين) جار ومجرور متعلق بنعت لأحد.
جملة «
(اذكر) لوطا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «قال ... » في محلّ جر مضاف إليه.
وجملة «تأتون ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة «ما سبقكم ... أحد» : في محلّ نصب حال من الفاعل في(تأتون) ، أي: مبتدئين بها، أو من الفاحشة أي: غير مسبوقة من غيركم .
(81)
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و (كم) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ
(اللام) المزحلقة للتوكيد
(تأتون) مثل الأولـ (الرجال) مفعول به منصوبـ (شهوة) مفعول لأجله منصوب ،
(من دون) جارّ ومجرور فيمحلّ نصب حال من الرجال أي متجاوزين بفتح الواو، أو من الفاعل أي متجاوزين بكسر الواو (النساء) مضاف إليه مجرور
(بل) حرف إضراب وابتداء
(أنتم) ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ
(قوم) خبر مرفوع
(مسرفون) نعت لقوم مرفوع وعلامة الرفع الواو.
وجملة «إنّكم لتأتون....» : لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة «تأتون ... » : في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة «أنتم قوم ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.
(82)
(الواو) استئنافيّة
(ما) نافية
(كان) فعل ماض ناقص- ناسخ-
(جواب) خبر كان مقدّم منصوبـ (قوم) مضاف إليه مجرور و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(إلّا) حرف للحصر
(أن) حرف مصدري
(قالوا) فعل ماض مبني على الضمّ.. والواو فاعلـ (أخرجوا) فعل أمر مبني على حذف النون.. والواو فاعل و (هم) ضمير مفعول به
(من قرية) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أخرجوا) ، و (كم) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّلـ (أن قالوا ... ) في محلّ رفع اسم كان مؤخّر.
(إنّهم) مثل إنّكم
(أناس) خبر إنّ مرفوع
(يتطهرون) مثل تأتون.
وجملة «وما كان جواب ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «قالوا ... » : لا محلّ لها صلة الموصولـ (أن) الحرفيّ.
وجملة «أخرجوهم ... » : في محلّ نصب مقول القول.
وجملة «إنّهم أناس ... » : لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة «يتطهّرون» : في محلّ رفع نعت لأناس.
(83)
(فأنجيناه وأهله) مرّ اعراب نظيرها ،
(إلا) حرف للاستثناء
(امرأة) مستثنى بإلّا منصوب و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(كانت) فعل ماض ناقص- ناسخ-، و (التاء) للتأنيث، واسمه ضمير مستتر تقديره هي
(من الغابرين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كانت، وعلامة الجرّ الياء.
وجملة «أنجيناه ... » : معطوفة على جملة مستأنفة مقدّرة أي:
أرادوا إخراجه فأنجيناه أو همّوا بإخراجه فأنجيناه.
وجملة «كانت من الغابرين» : لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
(84)
(الواو) حاليّة ،
(أمطرنا) مثل أنجينا
(على) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أمطرنا) بتضمينه معنى أرسلنا
(مطرا) .
مفعول به منصوبـ (الفاء) استئنافيّة
(انظر) فعل أمر والفاعل أنت
(كيف) اسم استفهام مبني في محلّ نصب خبر كان مقدّم
(كان) مثل الأولـ (عاقبة) اسم كان مرفوع
(المجرمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
وجملة «أمطرنا ... » : في محلّ نصب حال بتقدير
(قد) .
وجملة «انظر ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «كان عاقبة المجرمين» : في محلّ نصب مفعول به لفعل انظر المعلّق بالاستفهام كيف.