القول في تأويل قوله ; فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَاقال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; (فوسوس لهما)، فوسوس إليهما, وتلك " الوسوسة " كانت قوله لهما; مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ، وإقسامه لهما على ذلك.* * *وقيل; " وسوس لهما ", والمعنى ما ذكرت, كما قيل; " غَرِضت إليه ", بمعنى; اشتقْتُ إليه, وإنما تعني; غَرضت من هؤلاء إليه. (48) فكذلك معنى ذلك.فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من القيل، ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهما، كما قال رؤبة;* وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الفَلَقْ * (49)* * *ومعنى الكلام; فجذب إبليس إلى آدم حوّاء, وألقى إليهما; ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين = ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما فغطاه بستره الذي ستره عليهما.* * *وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به، ما;-14393- حدثني به حوثرة بن محمد المنقري قال، حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن ابن منبه, في قوله; فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا قال; كان عليهما نور، لا ترى سوءاتهما. (50)* * *القول في تأويل قوله ; وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)قال أبو جعفر; يقول جل ثناؤه; وقال الشيطان لآدم وزوجته حواء; ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرَها، إلا لئلا تكونا ملكين.* * *= وأسقطت " لا " من الكلام، لدلالة ما ظهر عليها, كما أسقطت من قوله; يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ، [سورة النساء; 176]. والمعنى; يبين الله لكم أن لا تضلوا.* * *وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام; ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين, كما يقال; " إياك أن تفعل " كراهيةَ أن تفعل.* * *=" أو تكونا من الخالدين "، في الجنة، الماكثين فيها أبدًا، فلا تموتا. (51)* * *والقراءة على فتح " اللام "، بمعنى; ملكين من الملائكة.* * *وروي عن ابن عباس، ما;-14394- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى الأعمى, عن السدّي قال; كان ابن عباس يقرأ; " إلا أَنْ تَكُونَا مَلِكَيْنِ"، بكسر " اللام ".* * *وعن يحيى بن أبي كثير، ما;-14395- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثني القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج, عن هارون قال، حدثنا يعلى بن حكيم, عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها; " مَلِكَيْنِ"، بكسر " اللام ".* * *وكأنَّ ابن عباس ويحيى وجَّها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما; ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك = وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر; قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ، [سورة طه; 120].* * *قال أبو جعفر; والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها, القراءةُ التي عليها قرأة الأمصار وهي، فتح " اللام " من; " مَلَكَيْنِ", بمعنى; ملكين، من الملائكة ، لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضًا في قرأة الإسلام من القراءة, فهو الصواب الذي لا يجوزُ خلافه.----------------------الهوامش ;(48) في المطبوعة ; (( كما قيل ; عرضت له ، بمعنى ; استبنت إليه )) ، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا ، فأتانا بلغو مبتذل لا معنى له . وكان في المخطوطة ; (( كما قيل ; عرضت إليه بمعنى ; اشتقت إليه )) ، هكذا ، وصواب قراءتها ما أثبت .وقوله ; (( غرضت إليه )) بمعنى ; اشتقت إليه ، (( إنما تعني ; غرضت من هؤلاء إليه )) ، هذا كأنه نص قول الأخفش في تفسير قول ابن هرمة ;مَــنْ ذَا رَسُــولٌ نــاصِحٌ فَمُبَلِّـغٌعَنِّـي عُلَيَّـةَ غَـيْرَ قَـوْلِ الكـاذِبِ ?أَنِّـي غَــرِضْتُ إلَـى تَنَاصُفِ وَجْهِهَاغَـرَضَ المُحِـبِّ إلـى الحَبِيبِ الغائِبِقوله ; (( تناصف وجهها )) ، أي محاسن وجهها التي ينصف بعضها بعضًا في الحسن . قال الأخفش ; (( تفسيره ; غرضت من هؤلاء إليه ، لأن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل )) ويريد الأخفش أنهم يقولون ; (( غرض غرضًا )) ، إذا ضجر وقلق ومل ، فلما أدخل مع الفعل (( إلى )) ، صار معناه ; ضجر من هذا نزاعًا واشتياقًا إلى هذا .وموضع الاستشهاد أن (( الوسوسة )) الصوت الخفي من حديث النفس ، فنقل إبليس ما حاك في نفسه إليهما ، فلذلك أدخل على (( الوسوسة )) (( اللام )) و (( إلى )) . ولكن أبا جعفر أدمج الكلام ههنا إدماجًا .(49) ديوانه ; 108 ، اللسان ( وسس ) ، وهذا بيت من أرجوزته التي مضت منها أبيات كثيرة . وهذا البيت من أبيات في صفة الصائد المختفي ، يترقب حمر الوحش ، ليصيب منها . يقول لما أحس بالصيد وأراد رميه ، وسوس نفسه بالدعاء حذر بالدعاء حذر الخيبة ورجاء الإصابة .(50) الأثر ; 14393 - (( حوثرة بن محمد بن قديد المنقري )) ، أبو الأزهر الوراق روى عنه ابن ماجه ، وابن خزيمة ، وابن صاعد ، وغيرهم . ذكره ابن حبان في الثقات . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 /2 / 283 .(51) انظر تفسير (( الخلود )) فيما سلف من فهارس اللغة ( خلد ) .