كِتٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكْرٰى لِلْمُؤْمِنِينَ
كِتٰبٌ اُنۡزِلَ اِلَيۡكَ فَلَا يَكُنۡ فِىۡ صَدۡرِكَ حَرَجٌ مِّنۡهُ لِتُنۡذِرَ بِهٖ وَذِكۡرٰى لِلۡمُؤۡمِنِيۡنَ
تفسير ميسر:
هذا القرآن كتاب عظيم أنزله الله عليك -أيها الرسول- فلا يكن في صدرك شك منه في أنه أنزل من عند الله، ولا تتحرج في إبلاغه والإنذار به، أنزلناه إليك؛ لتخوف به الكافرين وتذكر المؤمنين.
قال سعيد بن جبير "كتاب أنزل إليك" أي هذا كتاب أنزل إليك أي من ربك "فلا يكن في صدرك حرج منه" قال مجاهد وقتادة والسدي شك منه وقيل لا تتحرج به في إبلاغه والإنذار به "فاصبر كما صبرا أولوا العزم من الرسل" ولهذا قال "لتنذر به" أي أنزلناه إليك لتنذر به الكافرين "وذكرى للمؤمنين".
المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين قوله تعالى المص تقدم في أول " البقرة " وموضعه رفع بالابتداء . كتاب خبره . كأنه قال ; المص حروف كتاب أنزل إليك وقال الكسائي ; أي هذا كتاب .قوله تعالى فلا يكن في صدرك حرج منه فيه مسألتان ;فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين الأولى قوله تعالى حرج أي ضيق ; أي لا يضيق صدرك بالإبلاغ ; لأنه روي عنه عليه السلام أنه قال ; إني أخاف أن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة الحديث . خرجه مسلم . قال إلكيا ; فظاهره النهي ، ومعناه نفي الحرج عنه ; أي لا يضيق صدرك ألا يؤمنوا به ، فإنما [ ص; 146 ] عليك البلاغ ، وليس عليك سوى الإنذار به من شيء من إيمانهم أو كفرهم ، ومثله قوله تعالى ; فلعلك باخع نفسك الآية . وقال ; لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين . ومذهب مجاهد وقتادة أن الحرج هنا الشك ، وليس هذا شك الكفر إنما هو شك الضيق . وكذلك قوله تعالى ; ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون . وقيل ; الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته . وفيه بعد . والهاء في منه للقرآن . وقيل ; للإنذار ; أي أنزل إليك الكتاب لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه . فالكلام فيه تقديم وتأخير . وقيل للتكذيب الذي يعطيه قوة الكلام . أي فلا يكن في صدرك ضيق من تكذيب المكذبين له .الثانية ; قوله تعالى وذكرى يجوز أن يكون في موضع رفع ونصب وخفض . فالرفع من وجهين ; قال البصريون ; هي رفع على إضمار مبتدأ . وقال الكسائي ; عطف على كتاب والنصب من وجهين ; على المصدر ; أي وذكر به ذكرى ; قاله البصريون . وقال الكسائي ; عطف على الهاء في أنزلناه والخفض حملا على موضع لتنذر به والإنذار للكافرين ، والذكرى للمؤمنين ; لأنهم المنتفعون به .
القول في تأويل قول الله تعالى ذكره كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَقال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره; هذا القرآن، يا محمد، كتاب أنـزله الله إليك.* * *ورفع " الكتاب " بتأويل; هذا كتابٌ.* * *القول في تأويل قوله ; فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُقال أبو جعفر; يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; فلا يضق صدرك، يا محمد، من الإنذار به مَنْ أرسلتك لإنذاره به, وإبلاغه مَنْ أمرتك بإبلاغه إياه, ولا تشك في أنه من عندي, واصبر للمضيّ لأمر الله واتباع طاعته فيما كلفك وحملك من عبء أثقال النبوة, (2) كما صبر أولو العزم من الرسل, فإن الله معك.* * *و " الحرج "، هو الضيق، في كلام العرب, وقد بينا معنى ذلك بشواهده وأدلته في قوله; ضَيِّقًا حَرَجًا [سورة الأنعام; 125]، بما أغنى عن إعادته. (3)* * *وقال أهل التأويل في ذلك ما;-14316- حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس في قوله; (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال; لا تكن في شك منه.14317- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله; (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال; شك.14318- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.14319- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر, عن قتادة; (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، شك منه.14320- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة، مثله.14321- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي; (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال; أما " الحرج "، فشك.14322- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله; (فلا يكن في صدرك حرج منه)، قال; شك من القرآن.* * *قال أبو جعفر; وهذا الذي ذكرته من التأويل عن أهل التأويل، هو معنى ما قلنا في" الحرج "، لأن الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به، وقلة الاتساع لتوجيهه وجهته التي هي وجهته الصحيحة. وإنما اخترنا العبارة عنه بمعنى " الضيق "، لأن ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب, كما قد بيناه قبل.* * *القول في تأويل قوله ; لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)قال أبو جعفر; يعني بذلك تعالى ذكره; هذا كتاب أنـزلناه إليك، يا محمد، لتنذر به من أمرتك بإنذاره,(وذكرى للمؤمنين) = وهو من المؤخر الذي معناه التقديم. ومعناه; " كتاب أنـزل إليك لتنذر به ", و " ذكرى للمؤمنين ", فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ .وإذا كان ذلك معناه، كان موضع قوله; (وذكرى) نصبًا، بمعنى; أنـزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به, وتذكر به المؤمنين.* * *ولو قيل معنى ذلك; هذا كتاب أنـزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه، أن تنذر به، وتذكّر به المؤمنين = كان قولا غير مدفوعة صحته.وإذا وُجِّه معنى الكلام إلى هذا الوجه، كان في قوله; (وذكرى) من الإعراب وجهان;أحدهما; النصب بالردّ على موضع " لتنذر به ".والآخر; الرفع، عطفًا على " الكتاب ", كأنه قيل; المص * كِتَابٌ أُنْـزِلَ إِلَيْكَ ، و " ذكرى للمؤمنين ". (4)-------------------الهوامش ;(2) في المطبوعة ; (( واصبر بالمضي لأمر الله )) ، وغير ما في المخطوطة بلا طائل .(3) انظر ما سلف ص ; 103 - 107 .(4) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 370 .
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مبينا له عظمة القرآن: { كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } أي: كتاب جليل حوى كل ما يحتاج إليه العباد، وجميع المطالب الإلهية، والمقاصد الشرعية، محكما مفصلا { فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } أي: ضيق وشك واشتباه، بل لتعلم أنه تنزيل من حكيم حميد { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } وأنه أصدق الكلام فلينشرح له صدرك، ولتطمئن به نفسك، ولتصدع بأوامره ونواهيه، ولا تخش لائما ومعارضا. { لِتُنْذِرَ بِهِ } الخلق، فتعظهم وتذكرهم، فتقوم الحجة على المعاندين. { و } ليكون { َذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } كما قال تعالى: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } يتذكرون به الصراط المستقيم، وأعماله الظاهرة والباطنة، وما يحول بين العبد، وبين سلوكه.
(كتاب) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا أو هو (أنزل) فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو (إلى) حرف جرّ و (الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أنزل) ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدر ،
(لا) ناهية جازمة
(يكن) مضارع ناقص- ناسخ- مجزوم
(في صدر) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر يكن و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(حرج) اسم يكن مؤخّر مرفوع
(من) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف نعت لحرج
(اللام) حرف للتعليلـ (تنذر) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(به) مثل منه متعلّق بفعل تنذر.
والمصدر المؤوّلـ (أن تنذر به) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (أنزل) .
(الواو) عاطفة
(ذكرى) معطوف على محلّ المصدر المؤوّل- الجرّ- وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف ،
(للمؤمنين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لذكرى.
جملة «
(هذا) كتاب ... » : لا محلّ لها ابتدائية.
وجملة «أنزل..» : في محلّ رفع نعت لكتاب.
وجملة «لا يكن.. حرج» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: إنتلوته، أو تتابع نزوله، فلا يكن ... حرج .
وجملة «تنذر به» : لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.