وَلَمَّا سُقِطَ فِىٓ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخٰسِرِينَ
وَلَـمَّا سُقِطَ فِىۡۤ اَيۡدِيۡهِمۡ وَرَاَوۡا اَنَّهُمۡ قَدۡ ضَلُّوۡا ۙ قَالُوۡا لَٮِٕنۡ لَّمۡ يَرۡحَمۡنَا رَبُّنَا وَيَغۡفِرۡ لَـنَا لَنَكُوۡنَنَّ مِنَ الۡخٰسِرِيۡنَ
تفسير ميسر:
ولما ندم الذين عبدوا العجل مِن دون الله عند رجوع موسى إليهم، ورأوا أنهم قد ضلُّوا عن قصد السبيل، وذهبوا عن دين الله، أخذوا في الإقرار بالعبودية والاستغفار، فقالوا; لئن لم يرحمنا ربنا بقَبول توبتنا، ويستر بها ذنوبنا، لنكونن من الهالكين الذين ذهبت أعمالهم.
قوله "ولما سقط في أيديهم" أي ندموا على ما فعلوا "ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا" وقرأ بعضهم لئن لم ترحمنا بالتاء المثناة من فوق "ربنا" منادى "ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين" أي من الهالكين وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى الله عز وجل.
قوله تعالى ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرينقوله تعالى ولما سقط في أيديهم أي بعد عود موسى من الميقات . يقال للنادم المتحير ; قد سقط في يده . قال الأخفش ; يقال سقط في يده ، وأسقط . ومن قال ; سقط في أيديهم على بناء الفاعل ; فالمعنى عنده ; سقط الندم ; قاله الأزهري والنحاس وغيرهما . والندم يكون في القلب ، ولكنه ذكر اليد لأنه يقال لمن تحصل على شيء ; قد حصل في يده أمر كذا ; لأن مباشرة الأشياء في الغالب باليد ; قال الله تعالى ; ذلك بما قدمت يداك . وأيضا ; الندم وإن حل في القلب فأثره يظهر في البدن ; لأن النادم يعض يده [ ص; 257 ] ويضرب إحدى يديه على الأخرى ; قال الله تعالى ; فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها أي ندم . ويوم يعض الظالم على يديه أي من الندم . والنادم يضع ذقنه في يده . وقيل ; أصله من الاستئسار ، وهو أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره أو يكتفه ; فالمرمي مسقوط به في يد الساقط .ورأوا أنهم قد ضلوا أي انقلبوا بمعصية الله قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين أخذوا في الإقرار بالعبودية والاستغفار . وقرأ حمزة والكسائي ; ( لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا ) بالتاء على الخطاب . وفيه معنى الاستغاثة والتضرع والابتهال في السؤال والدعاء . " ربنا " بالنصب على حذف النداء . وهو أيضا أبلغ في الدعاء والخضوع . فقراءتهما أبلغ في الاستكانة والتضرع ، فهي أولى .
القول في تأويل قوله ; وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)قال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره بقوله; " ولما سقط في أيديهم "، ; ولما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف جل ثناؤه صفته، عند رجوع موسى إليهم, واستسلموا لموسى وحكمه فيهم.* * *وكذلك تقول العرب لكل نادم على أمر فات منه أو سلف، وعاجز عن شيء; " قد سُقِط في يديه " و " أسقط"، لغتان فصيحتان, وأصله من الاستئسار, وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه, فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره، فيكتفه. فالمرميّ به مسقوط في يدي الساقط به. فقيل لكل عاجز عن شيء، وضارع لعجزه، (35) متندِّمٍ على ما قاله; " سقط في يديه " و " أسقط". (36)* * *وعنى بقوله; " ورأوا أنهم قد ضلوا "، ورأوا أنهم قد جاروا عن قصد السبيل، وذهبوا عن دين الله, وكفروا بربهم، قالوا تائبين إلى الله منيبين إليه من كفرهم به; " لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ".* * *ثم اختلفت القرأة في قرأة ذلك.فقرأه بعض قرأة أهل المدينة ومكة والكوفة والبصرة; ( لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ) بالرفع، على وجه الخبر.* * *وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة; (لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا)، بالنصب، بتأويل; لئن لم ترحمنا يا ربنا= على وجه الخطاب منهم لربهم. واعتلّ قارئو ذلك كذلك بأنه في إحدى القراءتين; ( قَالُوا رَبَّنَا لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا وتَغْفِرْ لَنَا ), وذلك دليل على الخطاب. (37)* * *قال أبو جعفر; والذي هو أولى بالصواب من القراءة في ذلك، القراءة على وجه الخبر بالياء في (يَرْحَمْنَا)، وبالرفع في قوله; (رَبُّنَا), لأنه لم يتقدم ذلك ما يوجب أن يكون موجَّهًا إلى الخطاب.* * *والقراءة التي حكيت على ما ذكرنا من قراءتها; ( قَالُوا رَبَّنَا لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا)، (38) لا نعرف صحتها من الوجه الذي يجب التسليم إليه.* * *ومعنى قوله; (لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا)، ; لئن لم يتعطف علينا ربنا بالتوبة برحمته, ويتغمد بها ذنوبنا, لنكونن من الهالكين الذين حبطت أعمالهم. (39)* * *------------------------الهوامش;(35) (1) في المطبوعة ; (( ومضارع لعجزه )) ، والصواب من المخطوطة .(36) (2) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 393 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 228 ، والذي قاله أبو جعفر تفصيل جيد ، وبيان عن أصل الحرف ، قلما تصيبه في كتب اللغة .(37) (3) في المطبوعة والمخطوطة ; (( قالوا لئن ترحمنا ربنا وتغفر لنا )) كسياق الآية في مصحفنا ، وهذا لا دليل فيه على الخطاب . ولكن ما أثبته هو الذي فيه الدليل على الخطاب ، لتقديم قوله ; (( ربنا )) ، وهي قراءة أبي بن كعب ، وهي كذلك في مصحف عبد الله بن مسعود ، كما ذكر الفراء في معاني القرآن 1 ; 393 . فقوله ; (( واعتل قارئو ذلك كذلك بأنه في إحدى القراءتين )) ، أرجح أنه يعني إحدى قراءتي عبد الله بن مسعود ، وأيضاً ، فإن الآية ستأتى بعد أسطر على الصواب في المخطوطة ، ولكن يغيرها ناشر المطبوعة ، كما في التعليق التالي .(38) (1) في المطبوعة ; (( قالوا لئن ترحمنا ربنا )) ، بتأخير (( ربنا )) ، والصواب تقديمها كما في المخطوطة . وهو تصرف سيئ من الناشر . انظر التعليق لسالف .(39) (2) انظر تفسير (( الرحمة )) و (( المغفرة )) و(( الخسران )) فيما سلف ( رحم ) ( غفر ) ( خسر ) .
وَلَمَّا رجع موسى إلى قومه، فوجدهم على هذه الحال، وأخبرهم بضلالهم ندموا و سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ أي: من الهم والندم على فعلهم، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا فتنصلوا، إلى اللّه وتضرعوا و قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا فيدلنا عليه، ويرزقنا عبادته، ويوفقنا لصالح الأعمال، وَيَغْفِرْ لَنَا ما صدر منا من عبادة العجل لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الذين خسروا الدنيا والآخرة.
(الواو) عاطفة
(لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بالجواب قالوا
(سقط) ماض مبنيّ للمجهولـ (في أيدي) جارّ ومجرور في محلّ رفع نائب الفاعل و (هم) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(رأوا) فعل ماض وفاعله
(أنّهم) مثل أنّه ،
(قد) حرف تحقيق
(ضلّوا) مثل رأوا
(قالوا) مثل رأوا
(اللام) موطّئة للقسم
(إن) حرف شرط جازم
(لم) حرف نفي(يرحمنا) مضارع مجزوم فعل الشرط.. و (نا) ضمير مفعول به
(ربّ) فاعل مرفوع و (نا) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(يغفر) مضارع مجزوم معطوفة على
(يرحمنا) ، و (لنا) متعلق بـ (يغفر)
(اللام) لام القسم
(نكوننّ) مضارع ناقص- ناسخ- مبنيّ على الفتح في محلّ رفع.. و (النون) نون التوكيد واسمه ضمير مستتر تقديره نحن
(من الخاسرين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر نكوننّ، وعلامة الجرّ الياء.
جملة: «سقط في أيديهم» في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «رأوا ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة سقط ...وجملة: «قد ضلّوا» في محلّ رفع خبر أنّ.
وجملة: «قالوا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «إن لم يرحمنا ... » في محلّ نصب مقول القول .وجملة: «يغفر لنا» في محلّ نصب معطوفة على جملة يرحمنا.
وجملة: «نكوننّ ... » لا محلّ لها جواب القسم ... وجواب الشرط محذوف دلّ عليه جواب القسم.
والمصدر المؤوّلـ (أنّهم قد ضلوا ... » في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي رأوا.