ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ
ءَاَمِنۡتُمۡ مَّنۡ فِىۡ السَّمَآءِ اَنۡ يَّخۡسِفَ بِكُمُ الۡاَرۡضَ فَاِذَا هِىَ تَمُوۡرُۙ
تفسير ميسر:
هل أمنتم- يا كفار "مكة"- الله الذي فوق السماء أن يخسف بكم الأرض، فإذا هي تضطرب بكم حتى تهلكوا؟ هل أمنتم الله الذي فوق السماء أن يرسل عليكم ريحا ترجمكم بالحجارة الصغيرة، فستعلمون- أيها الكافرون- كيف تحذيري لكم إذا عاينتم العذاب؟ ولا ينفعكم العلم حين ذلك. وفي الآية إثبات العلو لله تعالى، كما يليق بجلاله سبحانه.
وهذا أيضا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم بسبب كفر بعضهم به و عبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح ويؤجل ولا يعجل كما قال تعالى "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا" وقال ههنا "أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور" أي تذهب وتجيء وتضطرب.
قوله تعالى ; أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمورقال ابن عباس ; أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه . وقيل ; تقديره أأمنتم من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه ومملكته . وخص السماء وإن عم ملكه تنبيها على أن الإله الذي تنفذ قدرته في السماء لا من يعظمونه في الأرض . وقيل ; هو إشارة إلى الملائكة . وقيل ; إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب .قلت ; ويحتمل أن يكون المعنى ; أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون .فإذا هي تمور أي تذهب وتجيء . والمور ; الاضطراب بالذهاب والمجيء . قال الشاعر ;رمين فأقصدن القلوب ولن ترى دما مائرا إلا جرى في الحيازمجمع حيزوم وهو وسط الصدر . وإذا خسف بإنسان دارت به الأرض فهو المور . وقال المحققون ; أمنتم من فوق السماء ; كقوله ; فسيحوا في الأرض أي فوقها لا بالمماسة والتحيز لكن بالقهر والتدبير . وقيل ; معناه أمنتم من على السماء ; كقوله تعالى ; ولأصلبنكم في جذوع النخل أي عليها . ومعناه أنه مديرها ومالكها ; كما يقال ; فلان على العراق والحجاز ; أي واليها وأميرها . والأخبار في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة ، مشيرة إلى العلو ; [ ص; 200 ] لا يدفعها إلا ملحد أو جاهل معاند . والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت . ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام . وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي ، ومنزل القطر ، ومحل القدس ، ومعدن المطهرين من الملائكة ، وإليها ترفع أعمال العباد ، وفوقها عرشه وجنته ; كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة ، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها ، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان . ولا مكان له ولا زمان . وهو الآن على ما عليه كان . وقرأ قنبل عن ابن كثير " النشور وامنتم " بقلب الهمزة الأولى واوا وتخفيف الثانية . وقرأ الكوفيون والبصريون وأهل الشام سوى أبي عمرو وهشام بالتخفيف في الهمزتين ، وخفف الباقون . وقد تقدم جميعه .
وقوله; (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا )يقول تعالى ذكره; الله الذي جعل لكم الأرض ذَلُولا سَهْلا سَهَّلها لكم (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ).اختلف أهل العلم في معنى (مَنَاكِبِهَا ) فقال بعضهم; مناكبها; جبالها.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; (فِي مَنَاكِبِهَا ) يقول; جبالها.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الأعلى، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، عن بشير بن كعب أنه قرأ هذه الآية (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ) فقال لجارية له; إن دَريْت ما مناكبها، فأنت حرة لوجه الله ؛ قالت; فإن مناكبها; جبالها، فكأنما سُفِع في وجهه، ورغب في جاريته، فسأل، منهم من أمره، ومنهم من نهاه، فسأل أبا الدرداء، فقال; الخير في طمأنينة، والشرّ في ريبة، فَذرْ ما يريبك إلى ما لا يريبك.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا معاذ بن هشام، قال; ثني أبي، عن قتادة، عن بشير بن كعب، بمثله سواء.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ) ; جبالها.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله; (فِي مَنَاكِبِهَا ) قال; في جبالها.وقال آخرون; (مَنَاكِبِهَا ) ; أطرافها ونواحيها.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ) يقول; امشوا في أطرافها.حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال; ثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة، أن بشير بن كعب العدويّ، قرأ هذه الآية (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ) فقال لجاريته; إن أخبرتني ما مناكبها، فأنت حرّة، فقالت; نواحيها ؛ فأراد أن يتزوّجها، فسأل أبا الدرداء، فقال; إن الخير في طمأنينة، وإن الشرّ في ريبة، فدع ما يَريبك إلى ما لا يريبك.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ) قال; طرقها وفجاجها.وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال; معنى ذلك; فامشوا في نواحيها وجوانبها، وذلك أن نواحيها نظير مناكب الإنسان التي هي من أطرافه.وقوله; (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ) يقول; وكلوا من رزق الله الذي أخرجه لكم من مناكب الأرض، (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) يقول تعالى ذكره; وإلى الله نشركم من قبوركم.القول في تأويل قوله تعالى ; أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)
هذا تهديد ووعيد، لمن استمر في طغيانه وتعديه، وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة، فقال: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } وهو الله تعالى، العالي على خلقه. { أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } بكم وتضطرب، حتى تتلفكم وتهلككم
(الهمزة) للاستفهام التهديديّ
(في السماء) متعلّق بمحذوف صلة من(أن) حرف مصدريّ ونصبـ (بكم) متعلّق بـ (يخسف) ،
(الفاء) عاطفة ،
(إذا) حرف فجاءة..
والمصدر المؤوّلـ (أن يخسف ... ) في محلّ نصب بدل اشتمال من الموصولـ (من) .
وجملة: «أمنتم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يخسف ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «هي تمور ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «هي تمور» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «تمور ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ هي.
17-
(أم) هي المنقطعة بمعنى بل والهمزة
(من في السماء أن يرسل ... ) مثل من في السماء أن يخسف
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(كيف) اسم استفهام في محلّ رفع خبر مقدّم للمبتدأ
(نذيري) ... وهو مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل الياء المحذوفة لمناسبة فاصلة الآية.
وجملة: «أمنتم
(الثانية) » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يرسل ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
والمصدر المؤوّلـ (أن يرسل) في محلّ نصب بدل اشتمال من الموصول الثاني
(من) .
وجملة: «ستعلمون ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: إن جاءكم العذاب فستعلمون حالة إنذاري به.
وجملة: «كيف نذير ... » في محلّ نصب مفعول به لفعل العلم المعلّق بالاستفهام كيف.18-