الرسم العثمانييٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوٓا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسٰى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهٰرُ يَوْمَ لَا يُخْزِى اللَّهُ النَّبِىَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُۥ ۖ نُورُهُمْ يَسْعٰى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمٰنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَآ ۖ إِنَّكَ عَلٰى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
الـرسـم الإمـلائـييٰۤاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا تُوۡبُوۡۤا اِلَى اللّٰهِ تَوۡبَةً نَّصُوۡحًا ؕ عَسٰى رَبُّكُمۡ اَنۡ يُّكَفِّرَ عَنۡكُمۡ سَيِّاٰتِكُمۡ وَيُدۡخِلَـكُمۡ جَنّٰتٍ تَجۡرِىۡ مِنۡ تَحۡتِهَا الۡاَنۡهٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِى اللّٰهُ النَّبِىَّ وَالَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا مَعَهٗ ۚ نُوۡرُهُمۡ يَسۡعٰى بَيۡنَ اَيۡدِيۡهِمۡ وَبِاَيۡمَانِهِمۡ يَقُوۡلُوۡنَ رَبَّنَاۤ اَ تۡمِمۡ لَـنَا نُوۡرَنَا وَاغۡفِرۡ لَـنَا ۚ اِنَّكَ عَلٰى كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيۡرٌ
تفسير ميسر:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، ارجعوا عن ذنوبكم إلى طاعة الله رجوعا لا معصية بعده، عسى ربكم أن يمحو عنكم سيئات أعمالكم، وأن يدخلكم جنات تجري من تحت قصورها الأنهار، يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه، ولا يعذبهم، بل يُعلي شأنهم، نور هؤلاء يسير أمامهم وبأيمانهم، يقولون; ربنا أتمم لنا نورنا حتى نجوز الصراط، ونهتدي إلى الجنة، واعف عنَّا وتجاوز عن ذنوبنا واسترها علينا، إنك على كل شيء قدير.
ثم قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا" أي توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات. قال ابن جرير ثنا ابن مثنى ثنا محمد ثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير يخطب سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا" قال يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه وقال الثوري عن سماك عن النعمان عن عمر قال التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه وقال أبو الأحوص وغيره عن سماك عن النعمان سئل عمر عن التوبة النصوح فقال; أن يتوب الرجل من العمل السيء ثم لا يعود إليه أبدا. وقال الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله "توبة نصوحا" قال يتوب ثم لا يعود. وقد روي هذا مرفوعا فقال الإمام أحمد ثنا علي بن عاصم عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه" تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف والموقوف أصح والله أعلم. ولهذا قال العلماء; التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر ويندم على ما سلف منه في الماضي ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه. قال الإمام أحمد ثنا سفيان عن عبدالكريم أخبرني زياد بن أبي مريم عن عبدالله بن مغفل قال دخلت مع أبي على عبدالله بن مسعود فقال أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "الندم توبة؟" قال نعم وقال مرة نعم سمعته يقول "الندم توبة" ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن سفيان بن عيينة عن عبدالكريم وهو ابن مالك الجزري به وقال ابن أبي حاتم ثنا الحسن بن عرفة حدثني الوليد بن بكير أبو جناب عن عبدالله بن محمد العبدي عن أبي سنان البصري عن أبي قلابة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال; قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة. منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح الرجل الرجل وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحا قال زر; فقلت لأبي بن كعب فما التوبة النصوح؟ فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال "هو الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ثم لا تعود إليه أبدا". وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا عمرو بن علي ثنا عباد بن عمرو ثنا أبو عمرو بن العلاء سمعت الحسن يقول; التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه إذا ذكرته فأما إذا جزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ما قبلها من الخطيئات كما ثبت في الصحيح; "الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها". وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ذلك إلى الممات - كما تقدم في الحديث وفي الأثر- ثم لا يعود فيه أبدا. أو يكفي العزم على أن لا يعود فى تكفير الماضي بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارا في تكفير ما تقدم لعموم قوله عليه السلام; "التوبة تجب ما قبلها"؟ وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضا "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام اخذ بالأول والآخر" فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة فالتوبة بطريق الأولى والله أعلم. وقوله تعالى "عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار" وعسى من الله موجبة "يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه" أي ولا يخزيهم معه يعني يوم القيامة "نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم" كما تقدم في سورة الحديد "يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير" قال مجاهد والضحاك والحسن البصري وغيرهم هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طفئ. وقال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني حدثنا ابن المبارك عن يحيى بن حسان عن رجل من بني كنانة قال; صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فسمتعه يقول "اللهم لا تخزني يوم القيامة" وقال محمد بن نصر المروزي حدثنا محمد بن مقاتل المروزي حدثنا ابن المبارك أنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن حبيب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة وأول من يؤذن له برفع رأسه فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم" فقال رجل يا رسول الله وكيف تعرف أمتك من بين الأمم؟ قال "غر محجلون من آثار الطهور ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم فى وجوههم من أثر السجود وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم".
قوله تعالى ; ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قديرقوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا فيه مسألتان ;الأولى ; قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله أمر بالتوبة وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان . وقد تقدم بيانها والقول فيها في " النساء " وغيرها . توبة نصوحا اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ; فقيل ; هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع ; وروي عن عمر وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم . ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة ; النصوح الصادقة الناصحة . وقيل الخالصة ; يقال ; نصح أي أخلص له القول . وقال الحسن ; النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره . وقيل ; هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وجل منها . وقيل ; هي التي لا يحتاج معها إلى توبة . وقال الكلبي ; التوبة النصوح الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع عن الذنب ، والاطمئنان على أنه لا يعود . وقال سعيد بن جبير ; هي التوبة المقبولة ; ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط ; خوف ألا تقبل ، ورجاء أن تقبل ، وإدمان الطاعات . وقال سعيد بن المسيب ; توبة تنصحون بها أنفسكم . وقال [ ص; 183 ] القرظي ; يجمعها أربعة أشياء ; الاستغفار باللسان ، وإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيئ الخلان . وقال سفيان الثوري ; علامة التوبة النصوح أربعة ; القلة والعلة والذلة والغربة . وقال الفضيل بن عياض ; هو أن يكون الذنب بين عينيه ، فلا يزال كأنه ينظر إليه . ونحوه عن ابن السماك ; أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعد لمنتظرك . وقال أبو بكر الوراق ; هو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت ، وتضيق عليك نفسك ; كالثلاثة الذين خلفوا . وقال أبو بكر الواسطي ; هي توبة لا لفقد عوض ; لأن من أذنب في الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الآخرة ; فتوبته على حفظ نفسه لا لله . وقال أبو بكر الدقاق المصري ; التوبة النصوح هي رد المظالم ، واستحلال الخصوم ، وإدمان الطاعات . وقال رويم ; هو أن تكون لله وجها بلا قفا ، كما كنت له عند المعصية قفا بلا وجه . وقال ذو النون ; علامة التوبة النصوح ثلاث ; قلة الكلام ، وقلة الطعام ، وقلة المنام . وقال شقيق ; هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة ، ولا ينفك من الندامة ; لينجو من آفاتها بالسلامة . وقال سري السقطي ; لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين ; لأن من صحت توبته أحب أن يكون الناس مثله . وقال الجنيد ; التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبدا ; لأن من صحت توبته صار محبا لله ، ومن أحب الله نسي ما دون الله . وقال ذو الأذنين ; هو أن يكون لصاحبها دمع مسفوح ، وقلب عن المعاصي جموح . وقال فتح الموصلي ; علامتها ثلاث ; مخالفة الهوى ، وكثرة البكاء ، ومكابدة الجوع والظمأ . وقال سهل بن عبد الله التستري ; هي التوبة لأهل السنة والجماعة ; لأن المبتدع لا توبة له ; بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ; حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب . وعن حذيفة ; بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه . وأصل التوبة النصوح من الخلوص ; يقال ; هذا عسل ناصح إذا خلص من الشمع . وقيل ; هي مأخوذة من النصاحة وهي الخياطة . وفي أخذها منها وجهان ; أحدهما ; لأنها توبة قد أحكمت طاعته وأوثقتها كما يحكم الخياط الثوب بخياطته ويوثقه . والثاني ; لأنها قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم ; كما يجمع الخياط الثوب [ ص; 184 ] ويلصق بعضه ببعض . وقراءة العامة نصوحا بفتح النون ، على نعت التوبة ، مثل امرأة صبور ، أي توبة بالغة في النصح . وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بالضم ; وتأويله على هذه القراءة ; توبة نصح لأنفسكم . وقيل ; يجوز أن يكون نصوحا ، جمع نصح ، وأن يكون مصدرا ، يقال ; نصح نصاحة ونصوحا . وقد يتفق فعالة وفعول في المصادر ، نحو الذهاب والذهوب . وقال المبرد ; أراد توبة ذات نصح ، يقال ; نصحت نصحا ونصاحة ونصوحا .الثانية ; في الأشياء التي يتاب منها وكيف التوبة منها . قال العلماء ; الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو ، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين . فإن كان حقا لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها . وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة . وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبا به . وإن كان قذفا يوجب الحد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به . فإن عفي عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص . وكذلك إن عفي عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له ، قال الله تعالى ; فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان . وإن كان ذلك حدا من حدود الله كائنا ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه . وقد نص الله تعالى على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم . وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم ; حسب ما تقدم بيانه . وكذلك الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا وتابوا وعرف ذلك منهم ، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم . وإن رفعوا إليه فقالوا ; تبنا لم يتركوا ، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غلبوا . هذا مذهب الشافعي . فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه - عينا كان أو غيره - إن كان قادرا عليه ، فإن لم يكن قادرا فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه . وإن كان أضر بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتي ، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه ، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له ، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه . وإن أرسل من يسأل ذلك له ، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه - عرفه بعينه أو لم يعرفه - فذلك صحيح . وإن أساء رجل إلى رجل بأن فزعه بغير حق ، أو غمه أو لطمه ، أو صفعه بغير حق ، أو ضربه بسوط فآلمه ، ثم جاءه مستعفيا نادما [ ص; 185 ] على ما كان منه ، عازما على ألا يعود ، فلم يزل يتذلل له حتى طابت نفسه فعفا عنه ، سقط عنه ذلك الذنب . وهكذا إن كان شانه بشتم لا حد فيه .قوله تعالى ; عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم عسى من الله واجبة . وهو معنى قوله عليه السلام ; " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " . و " أن " في موضع رفع اسم عسى .قوله تعالى ; " ويدخلكم " معطوف على " يكفر " . وقرأ ابن أبي عبلة " ويدخلكم " مجزوما عطفا على محل عسى أن يكفر . كأنه قيل ; توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار .يوم لا يخزي الله النبي العامل في " يوم " ; يدخلكم أو فعل مضمر . ومعنى " يخزي " هنا يعذب ، أي لا يعذبه ولا يعذب الذين آمنوا معه .نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم تقدم في سورة " الحديد " .يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما ; هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين ; حسب ما تقدم بيانه في سورة " الحديد " .
يقول تعالى ذكره; يا أيها الذين صدقوا الله ( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ ) يقول; ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله، وإلى ما يرضيه عنكم ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) يقول; رجوعا لا تعودون فيها أبدا.وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله; ( نَصُوحًا ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا هناد بن السَّريّ، قال; ثنا أَبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال; سُئل عمر عن التوبة النصوح، قال; التوبة النصوح; أن يتوب الرجل من العمل السيئ، ثم لا يعود إليه أبدًا.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر، قال; التوبة النصوح; أن تتوب من الذنب ثم لا تعود فيه، أو لا تريد أن تعود.حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا محمد بن جعفر، قال; ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال; سمعت النعمان بن بشير يخطب، قال; سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول; ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال; يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال; سألت عمر عن قوله; ( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال; هو العبد يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أبدًا.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال; سمعت عمر بن الخطاب يقول; التوبة النصوح، أن يتوب من الذنب فلا يعود.حدثنا به ابن حميد مرّة أخرى، قال; أخبرني عن عمر بهذا الإسناد، فقال; التوبة النصوح; الذي يذنب ثم لا يريد أن يعود.حدثني أَبو السائب، قال; ثنا أَبو معاوية، عن الأعمش، عن أَبي إسحاق، عن أَبي الأحوص، عن عبد الله ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال; يتوب ثم لا يعود.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن أَبي إسحاق، عن أَبي الأحوص، عن عبد الله قال; التوبة النصوح; الرجل يذنب الذنب ثم لا يعود فيه.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) أن لا يعود صاحبها لذلك الذنب الذي يتوب منه، ويقال; توبته أن لا يرجع إلى ذنب تركه.حدثنا محمد بن عمرو، قال; ثنا أَبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثني الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال; يستغفرون ثم لا يعودون.حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوديّ، قال; ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله; ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال; النصوح. أن تحول عن الذنب ثم لا تعود له أبدًا.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال; هي الصادقة الناصحة.حدثنا يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله.( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال; التوبة النصوح الصادقة، يعلم أنها صدق ندامة على خطيئته، وحبّ الرجوع إلى طاعته، فهذا النصوح.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عاصم ( نَصُوحًا ) بفتح النون على أنه من نعت التوبة وصفتها، وذُكر عن عاصم أنه قرأه ( نُصْوحًا ) بضمّ النون، بمعنى المصدر من قولهم; نصح فلان لفلان نُصُوحًا.وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بفتح النون على الصفة للتوبة لإجماع الحجة على ذلك.وقوله; ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) يقول; عسى ربكم أيها المؤمنون أن يمحو سيئات أعمالكم التي سلفت منكم ( وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) يقول; وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ ) محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) يقول; يسعى نورهم أمامهم ( وَبِأَيْمَانِهِمْ ) يقول; وبأيمانهم كتابهم.كما حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) ... إلى قوله; ( وَبِأَيْمَانِهِمْ ) يأخذون كتابهم فيه البشرى ( يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لِنَا ) يقول جلّ ثناؤه مخبرًا عن قيل المؤمنين يوم القيامة; يقولون ربنا أتمم لنا نورنا، يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم، فلا يطفئه حتى يجوزوا الصراط، وذلك حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أَبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ) قال; قول المؤمنين حين يُطفأ نور المنافقين.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن الحسن، قال; ليس أحد إلا يعطى نورًا يوم القيامة، يعطى المؤمن والمنافق، فيطفأ نور المنافق، فيخشى المؤمن أن يطفأ نوره، فذلك قوله; ( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ) .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، قال; كان يذكرنا ويبكي، ويصدّق قوله فعله، يقول; يا أيها الناس إنكم مكتوبون عند الله عزّ وجلّ بأسمائكم وسيماكم، ومجالسكم ونجواكم وخلاتكم، فإذا كان يومُ القيامة قيل; يا فلانُ ابْنَ فلان هاكَ نورَك، ويا فلانُ ابْنَ فلان، لا نور لك.وقوله; ( وَاغْفِرْ لَنَا ) يقول; واستر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا بها بعقوبتك إيانا عليها( إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول; إنك على إتمام نورنا لنا، وغفران ذنوبنا، وغير ذلك من الأشياء ذو قدرة.
قد أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الآية، ووعد عليها بتكفير السيئات، ودخول الجنات، والفوز والفلاح، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور إيمانهم، ويمشون بضيائه، ويتمتعون بروحه وراحته، ويشفقون إذا طفئت الأنوار، التي لا تعطى المنافقين، ويسألون الله أن يتمم لهم نورهم فيستجيب الله دعوتهم، ويوصلهم ما معهم من النور واليقين، إلى جنات النعيم، وجوار الرب الكريم، وكل هذا من آثار التوبة النصوح. والمراد بها: التوبة العامة الشاملة للذنوب كلها، التي عقدها العبد لله، لا يريد بها إلا وجهه والقرب منه، ويستمر عليها في جميع أحواله.
(إلى اللَّه) متعلّق بـ (توبوا) ،
(أن) حرف مصدريّ ونصبـ (عنكم) متعلّق بـ (يكفّر) بتضمينه معنى ينزلـ (الواو) عاطفة في المواضع الأربعة
(يدخلكم) مضارع منصوب معطوف على
(يكفّر) ،
(من تحتها) متعلّق بـ (تجري) بحذف مضاف أي من تحت أشجارها ،
(يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (يدخلكم) ،
(لا) نافية
(الذين) موصول في محلّ نصب معطوف على النبيّ ،
(معه) ظرف منصوب متعلّق بـ (آمنوا) ،
(بين) ظرف منصوب متعلّق بـ (يسعى) ،
(بأيمانهم) متعلّق بما تعلّق به بين، فهو معطوف عليه
(لنا) متعلّق بـ (أتمم) ، والثاني متعلّق بـ (اغفر) ،
(على كلّ) متعلّق بالخبر
(قدير) .
جملة: «النداء ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .وجملة: «توبوا ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «عسى ربّكم ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «يكفّر ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
والمصدر المؤوّلـ (أن يكفّر..) في محلّ نصب خبر عسى.
وجملة: «يدخلكم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يكفّر.
وجملة: «تجري ... » في محلّ نصب نعت لجنّات.
وجملة: «لا يخزي اللَّه ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «آمنوا
(الثانية) » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثاني.
وجملة: «نورهم يسعى ... » لا محلّ لها استئنافيّة .
وجملة: «يسعى ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(نورهم) .
وجملة: «يقولون ... » في محلّ نصب حال من الضمير في أيديهم .
وجملة: «النداء ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أتمم ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «اغفر لنا ... » لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء.
وجملة: «إنّك ... قدير» لا محلّ لها تعليليّة.
- القرآن الكريم - التحريم٦٦ :٨
At-Tahrim66:8