وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنٰهَآ إِبْرٰهِيمَ عَلٰى قَوْمِهِۦ ۚ نَرْفَعُ دَرَجٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
وَتِلۡكَ حُجَّتُنَاۤ اٰتَيۡنٰهَاۤ اِبۡرٰهِيۡمَ عَلٰى قَوۡمِهٖؕ نَرۡفَعُ دَرَجٰتٍ مَّنۡ نَّشَآءُ ؕ اِنَّ رَبَّكَ حَكِيۡمٌ عَلِيۡمٌ
تفسير ميسر:
وتلك الحجة التي حاجَّ بها إبراهيم عليه السلام قومه هي حجتنا التي وفقناه إليها حتى انقطعت حجتهم. نرفع مَن نشاء من عبادنا مراتب في الدنيا والآخرة. إن ربك حكيم في تدبير خلقه، عليم بهم.
ثم قال بعد ذلك كله "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء" قرئ بالإضافة وبلا إضافة كما في سورة يوسف وكلاهما قريب في المعنى وقوله "إن ربك حكيم عليم" أي حكيم في أقواله وأفعاله عليم أي بمن يهديه ومن يضله وإن قامت عليه الحجج والبراهين كما قال "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" ولهذا قال ههنا "إن ربك حكيم عليم".
قوله تعالى وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم قوله تعالى وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم " تلك " إشارة إلى جميع احتجاجاته حتى خاصمهم وغلبهم بالحجة . وقال مجاهد ; هي قوله ; الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم . وقيل ; حجته عليهم أنهم لما قالوا له ; أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبك إياها ؟ قال لهم ; أفلا تخافون أنتم منها إذ سويتم بين الصغير والكبير في العبادة والتعظيم ; فيغضب الكبير فيخبلكم ؟ .نرفع درجات من نشاء أي بالعلم والفهم والإمامة والملك . وقرأ الكوفيون " درجات " بالتنوين . ومثله في " يوسف " أوقعوا الفعل على " من " لأنه المرفوع في الحقيقة ، [ ص; 29 ] التقدير ; ونرفع من نشاء إلى درجات . ثم حذفت إلى . وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو بغير تنوين على الإضافة ، والفعل واقع على الدرجات ، وإذا رفعت فقد رفع صاحبها . يقوي هذه القراءة قوله تعالى ; رفيع الدرجات وقوله عليه السلام ; اللهم ارفع درجته . فأضاف الرفع إلى الدرجات . وهو لا إله إلا هو الرفيع المتعالي في شرفه وفضله . فالقراءتان متقاربتان ; لأن من رفعت درجاته فقد رفع ، ومن رفع فقد رفعت درجاته ، فاعلم . إن ربك حكيم عليم يضع كل شيء موضعه .
القول في تأويل قوله ; وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)قال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره بقوله; " وتلك حجتنا "، قولَ إبراهيم لمخاصميه من قومه المشركين; " أي الفريقين أحق بالأمن ", أمن يعبد ربًّا واحدًا مخلصًا له الدين والعبادة، أم من يعبد أربابًا كثيرة؟ وإجابتهم إياه بقولهم; " بل من يعبد ربًّا واحدًا أحق بالأمن "، وقضاؤهم له على أنفسهم, فكان في ذلك قطع عذرهم وانقطاع حجتهم، واستعلاء حجة إبراهيم عليهم. (29) فهي الحجة التي آتاها الله إبراهيم على قومه، كالذي;-13513 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري, عن رجل, عن مجاهد; " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه "، قال; هي" الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " .13514- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يحيى بن زكريا, عن ابن جريج, عن مجاهد قال ; قال إبراهيم حين سأل; " أي الفريقين أحق بالأمن "، قال; هي حجة إبراهيم = وقوله; " آتيناها إبراهيم على قومه "، يقول; لقناها إبراهيم وبَصَّرناه إياها وعرفّناه =" على قومه نرفع درجات من نشاء ".* * *واختلفت القرأة في قراءة ذلك.فقرأته عامة قرأة الحجاز والبصرة; " نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ"، بإضافة " الدرجات " إلى " من ", بمعنى; نرفع الدرجات لمن نشاء.* * *وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ بتنوين " الدرجات ", بمعنى; نرفع من نشاء درجات.* * *و " الدرجات " جمع " درجة "، وهي المرتبة. وأصل ذلك مراقي السلم ودرَجه, ثم تستعمل في ارتفاع المنازل والمراتب. (30)* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال; هما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القرأة، متقارب معناهما. وذلك أن من رفعت درجته، فقد رفع في الدرج = ومن رفع في الدرج، فقد رفعت درجته. فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك.* * *فمعنى الكلام إذًا; " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه "، فرفعنا بها درجته عليهم، وشرّفناه بها عليهم في الدنيا والآخرة. فأما في الدنيا، فآتيناه فيها أجره = وأما في الآخرة، فهو من الصالحين =" نرفع درجات من نشاء "، أي بما فعل من ذلك وغيره.* * *وأما قوله; " إن ربك حكيم عليم "، فإنه يعني; إن ربك، يا محمد،" حكيم "، في سياسته خلقَه، وتلقينه أنبياءه الحجج على أممهم المكذّبة لهم، الجاحدة توحيد ربهم, وفي غير ذلك من تدبيره =" عليم "، بما يؤول إليه أمر رسله والمرسل إليهم، من ثبات الأمم على تكذيبهم إياهم، وهلاكهم على ذلك، أوإنابتهم وتوبتهم منه بتوحيد الله تعالى ذكره وتصديق رسله، والرجوع إلى طاعته. (31)* * *يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم; فأتَسِ، (32) يا محمد، في نفسك وقومك المكذبيك، والمشركين، بأبيك خليلي إبراهيم صلى الله عليه وسلم, واصبر على ما ينوبك منهم صبرَه, فإني بالذي يؤول إليه أمرك وأمرهم عالم، وبالتدبير فيك وفيهم حكيم. (33)----------------------الهوامش ;(29) الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق ، ولو كان من عند غير الله لوجد الناس فيه اختلافًا كثيرًا. ورحم الله أبا جعفر وغفر له ما أخطأ ، وأبو جعفر على جلالة قدره ، وحفظه وضبطه وعنايته ، قد تناقض وأوقع في كلامه اختلافًا كبيرًا. فإنه في ص; 494 ، قد رجح أن الصواب في قوله تعالى ذكره; "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، أنه خبر من الله تعالى ذكره عن أول الفريقين بالأمن ، وفصل قضاء منه بين إبراهيم وقومه. ثم قال; "وذلك أن ذلك لو كان من قول قوم إبراهيم الذين كانوا يعبدون الأوثان ويشركونها في عبادة الله ، لكانوا قد أقروا بالتوحيد ، واتبعوا إبراهيم على ما كانوا يخالفونه فيه من التوحيد ، ولكنه كما ذكرت من تأويله بديًّا". ثم عاد هنا بعد بضع صفحات ، ففسر هذه الآية ، وزعم أن ذلك من إجابة قوم إبراهيم لإبراهيم ، وهو القول الذي نقضه!! وهذا تناقض بين ، ولكنه يأتي في كتب العلماء ، حجة من الله على خلقه أنهم لا عصمة لهم في شيء ، وأن العصمة لله وحده سبحانه.(30) انظر تفسير"الدرجة" فيما سلف 4; 523 - 536/7 ; 368/9 ; 95 ، وتفسيره هنا أوضح مما سبق.(31) انظر تفسير; "حكيم" و"عليم" فيما سلف من فهارس اللغة.(32) "ائتسى به" ، جعله أسوة له في نفسه وسيرته. وكان في المطبوعة"تأس" ، وهي بمعناها ، وأثبت ما في المخطوطة.(33) في المطبوعة والمخطوطة; "بالتدبير" بغير واو العطف ، والصواب إثباتها.
ولما حكم لإبراهيم عليه السلام، بما بين به من البراهين القاطعة قال: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ } أي: علا بها عليهم، وفلجهم بها. { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } كما رفعنا درجات إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة، فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات. خصوصا العالم العامل المعلم، فإنه يجعله الله إماما للناس، بحسب حاله ترمق أفعاله، وتقتفى آثاره، ويستضاء بنوره، ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره. قال تعالى { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فلا يضع العلم والحكمة، إلا في المحل اللائق بها، وهو أعلم بذلك المحل، وبما ينبغي له.
(الواو) استئنافيّة
(تي) اسم إشارة مبنيّ على السكون الظاهر على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ رفع مبتدأ و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (حجّة) خبر المبتدأ مرفوع ، و (نا) ضمير مضاف إليه
(آتينا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و (نا) ضمير فاعل و (ها) ضمير مفعول به أوّلـ (إبراهيم) مفعول به ثان منصوب وهو ممتنع من التنوين للعلميّة والعجمة
(على قوم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال أي حجّة على قومه و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(نرفع) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم
(درجات) ظرف مكان منصوب متعلّق بـ (نرفع) ،
(من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(نشاء) مثل نرفع
(إنّ) حرف مشبّه بالفعلـ (ربّ) اسم إنّ منصوب و (الكاف) مضاف إليه
(حكيم) خبر مرفوع
(عليم) خبر ثان مرفوع.
جملة «تلك حجّتنا ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة «آتيناها ... » : في محلّ رفع خبر ثان للمبتدأ
(تلك) .
وجملة «نرفع ... » : لا محلّ لها استئنافيّة .
وجملة «نشاء» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة «إنّ ربّك حكيم ... » : لا محلّ لها تعليليّة.