قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتٰىكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صٰدِقِينَ
قُلۡ اَرَءَيۡتَكُمۡ اِنۡ اَتٰٮكُمۡ عَذَابُ اللّٰهِ اَوۡ اَ تَتۡكُمُ السَّاعَةُ اَغَيۡرَ اللّٰهِ تَدۡعُوۡنَۚ اِنۡ كُنۡتُمۡ صٰدِقِيۡنَ
تفسير ميسر:
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين; أخبروني إن جاءكم عذاب الله في الدنيا أو جاءتكم الساعة التي تبعثون فيها; أغير الله تدعون هناك لكشف ما نزل بكم من البلاء، إن كتم محقين في زعمكم أن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله تنفع أو تضر؟
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد المتصرف في خلقه بما يشاء وأنه لا معقب لحكمه ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه بل هو وحده لا شريك له الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء ولهذا قال "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة" أي أتاكم هذا أو هذا "أغير الله تدعون إن كنتم صادقين" أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه ولهذا قال "إن كنتم صادقين" أي في اتخاذكم آلهة معه.
قوله تعالى ; قل أرأيتكم وقرأ نافع بتخفيف الهمزتين ، يلقي حركة الأولى على ما قبلها ، ويأتي بالثانية بين بين . وحكى أبو عبيد عنه أنه يسقط الهمزة ويعوض منها ألفا . قال النحاس ; وهذا عند أهل العربية غلط عليه ; لأن الياء ساكنة والألف ساكنة ولا يجتمع ساكنان . قال مكي ; وقد روي عن ورش أنه أبدل من الهمزة ألفا ; لأن الرواية عنه أنه يمد الثانية ، والمد لا يتمكن إلا مع البدل ، والبدل فرع من الأصول ، والأصل أن تجعل الهمزة بين الهمزة المفتوحة والألف ; وعليه كل من خفف الثانية غير ورش ; وحسن جواز البدل في الهمزة وبعدها ساكن لأن الأول حرف مد ولين ، فالمد الذي يحدث مع الساكن يقوم مقام حركة يوصل بها إلى النطق بالساكن الثاني .وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة ( أرأيتكم ) بتحقيق الهمزتين وأتوا بالكلمة على أصلها ، والأصل الهمز ; لأن همزة الاستفهام دخلت على ( رأيت ) فالهمزة عين الفعل ، والياء ساكنة لاتصال المضمر المرفوع بها .وقرأ عيسى بن عمر والكسائي ( أريتكم ) بحذف الهمزة الثانية . قال النحاس ; وهذا بعيد في العربية ، وإنما يجوز في الشعر ; والعرب تقول ; أرأيتك زيدا ما شأنه . ومذهب البصريين أن الكاف والميم للخطاب ، لا حظ لهما في الإعراب ; وهو اختيار الزجاج . ومذهب الكسائي والفراء وغيرهما أن الكاف والميم نصب بوقوع الرؤية عليهما ، والمعنى أرأيتم أنفسكم ; فإذا [ ص; 331 ] كانت للخطاب - زائدة للتأكيد - كان ( إن ) من قوله إن أتاكم في موضع نصب على المفعول لرأيت ، وإذا كان اسما في موضع نصب ف إن في موضع المفعول الثاني ; فالأول من رؤية العين لتعديها لمفعول واحد ، وبمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين . وقوله ; أو أتتكم الساعة المعنى ; أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها . ثم قال ; أغير الله تدعون إن كنتم صادقين والآية في محاجة المشركين ممن اعترف أن له صانعا ; أي ; أنتم عند الشدائد ترجعون إلى الله ، وسترجعون إليه يوم القيامة أيضا فلم تصرون على الشرك في حال الرفاهية ؟ ! وكانوا يعبدون الأصنام ويدعون الله في صرف العذاب .
القول في تأويل قوله ; قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)قال أبو جعفر; اختلف أهل العربية في معنى قوله; " أرأيتكم " .فقال بعض نحويي البصرة; " الكاف " التي بعد " التاء " من قوله; " أرأيتكم " إنما جاءت للمخاطبة, وتركت " التاء " مفتوحة = كما كانت للواحد. قال; وهي مثل " كاف "" رويدك زيدًا ", إذا قلت; أرود زيدًا = هذه " الكاف " ليس لها موضع مسمى بحرف، لا رفع ولا نصب, وإنما هي في المخاطبة مثل كاف " ذاك ". ومثل ذلك قول العرب; " أبصرَك زيدًا ", (23) يدخلون " الكاف " للمخاطبة.* * *وقال آخرون منهم; معنى; " أرأيتكم إن أتاكم " ، أرأيتم. قال; وهذه " الكاف " تدخل للمخاطبة مع التوكيد, و " التاء " وحدها هي الاسم, كما أدخلت " الكاف " التي تفرق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة، كقولهم; " هذا, وذاك, وتلك, وأولئك "، فتدخل " الكاف " للمخاطبة، وليست باسم, و " التاء " هو الاسم للواحد والجميع, تركت على حال واحدة, ومثل ذلك قولهم; " ليسك ثَمَّ إلا زيد ", يراد; ليس = و " لا سِيَّك زيد ", فيراد; ولا سيما زيد = و " بلاك " فيراد،" بلى " في معنى; " نعم " = و " لبئسك رجلا ولنعمك رجلا ". وقالوا ; " انظرك زيدًا ما أصنع به " = و " أبصرك ما أصنع به "، بمعنى; أبصره. وحكى بعضهم; " أبصركُم ما أصنع به ", يراد; أبصروا = و " انظركم زيدًا "، أي انظروا. وحكي عن بعض بني كلاب; " أتعلمك كان أحد أشعرَ من ذي الرمة؟" فأدخل " الكاف ".وقال بعض نحويي الكوفة; " أرأيتك عمرًا " أكثر الكلام فيه ترك الهمز. قال; و " الكاف " من " أرأيتك " في موضع نصب, كأن الأصل; أرأيت نفسك على غير هذه الحال؟ قال; فهذا يثني ويجمع ويؤنث, فيقال; " أرأيتما كما " و " أرأيتموكم ". و " وَأَرَأَيْتُنَّكُنَّ"، (24) أوقع فعله على نفسه, وسأله عنها, ثم كثر به الكلام حتى تركوا " التاء " موحدة للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع, فقالوا; " أرأيتكم زيدًا ما صنع ", و " أرأيتكنّ ما صنع ", فوحدوا التاء وثنوا الكاف وجمعوها، فجعلوها بدلا من " التاء "، (25) كما قال; هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [سورة الحاقة; 19]، و " هاء يا رجل ", و " هاؤما ", ثم قالوا; " هاكم ", اكتفى بالكاف والميم مما كان يثنى ويجمع. فكأن " الكاف " في موضع رفع، إذ كانت بدلا من " التاء ". وربما وحدت للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث, وهي كقول القائل; " عليك زيدًا "," الكاف " في موضع خفض, والتأويل رفع. فأما ما يُجْلب فأكثر ما يقع على الأسماء, ثم تأتي بالاستفهام فيقال; " أرأيتك زيدًا هل قام ", لأنها صارت بمعنى; أخبرني عن زيد, ثم بيَّن عما يستخبر. فهذا أكثر الكلام. ولم يأت الاستفهام يليها. (26) لم يقل; " أرأيتك هل قمت ", لأنهم أرادوا أن يبيِّنوا عمن يسأل, ثم تُبيّن الحالة التي يسأل عنها. وربما جاء بالجزاء ولم يأت بالاسم, (27) فقالوا; " أرأيت إن أتيت زيدًا هل يأتينا " (28) = و " أرأيتك " أيضًا = و " أرأيتُ زيدًا إن أتيته هل يأتينا "، إذا كانت بمعنى; " أخبرني", فيقال باللغات الثلاث.* * *قال أبو جعفر; وتأويل الكلام; قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بالله الأوثانَ والأصنامَ; أخبروني، إن جاءكم، أيها القوم، عذاب الله, كالذي جاء من قبلكم من الأمم الذين هلك بعضهم بالرجفة, وبعضهم بالصاعقة = أو جاءتكم الساعة التي تنشرون فيها من قبوركم، وتبعثون لموقف القيامة, أغير الله هناك تدعون لكشف ما نـزل بكم من البلاء، أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نـزل بكم من عظيم البلاء؟ =" إن كنتم صادقين " ، يقول; إن كنتم محقّين في دعواكم وزعمكم أنّ آلهتكم التي تدعونها من دون الله تنفع أو تضر.-------------------الهوامش ;(23) في المطبوعة; "انصرك زيدًا" بالنون ، والصواب بالباء كما سيأتي.(24) في المطبوعة فصل وكتب"أرأيتن كن" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو المطابق لما في معاني القرآن للفراء.(25) انظر معاني القرآن للفراء 1; 333 ، 334.(26) في المطبوعة ، مكان"يليها""ثنيها" وهو خطأ ، صوابه في المخطوطة.(27) في المطبوعة; "وربما جاء بالخبر" وهو خطأ ، صوابه في المخطوطة ، وإن كانت غير منقوطة ولا مهموزة. ومن أجل هذا التصرف ، تصرف في عبارة أبي جعفر كما سترى في التعليق التالي.(28) في المطبوعة; "فقالوا; أرأيت زيدًا هل يأتينا" ، حذف"إن أتيت" لسوء تصرفه كما في التعليق السابق.
يقول تعالى لرسوله: { قُلْ } للمشركين بالله، العادلين به غيره: { أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي: إذا حصلت هذه المشقات، وهذه الكروب، التي يضطر إلى دفعها، هل تدعون آلهتكم وأصنامكم، أم تدعون ربكم الملك الحق المبين.
(قل) فعل أمر، والفاعل أنت
(الهمزة) للاستفهام
(رأيت) فعل وفاعل و (كم) حرف خطاب لا محلّ له ... والفعل بمعنى أخبروني، ومفعول رأيت ضمير مستتر تقديره إيّاه يعود على العذابالآتي، وفي الكلام تنازع بين الفعلين: رأيت- أتى.
(إن) حرف شرط جازم
(أتى) فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف في محلّ جزم فعل الشرط و (كم) ضمير مفعول به
(عذاب) فاعل أتى مرفوع ،
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(أو) حرف عطف
(أتتكم الساعة) مثل أتاكم عذاب ... والتاء الثانية للتأنيث
(الهمزة) للاستفهام التوبيخي
(غير) مفعول به مقدم منصوبـ (الله) مثل الأولـ (تدعون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (إن) مثل الأولـ (كنتم) فعل ماض ناقص مبني على السكون في محلّ جزم فعل الشرط ... و (تم) ضمير اسم كان
(صادقين) خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.
جملة «قل ... » لا محلّ لها استئنافية.
وجملة «أرأيتكم....» في محلّ نصب مقول القول.
وجملة «إن أتاكم عذاب ... » لا محلّ لها اعتراضية تقرر معنى الرؤية ... وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي: إن أتاكم عذاب الله فأخبروني عنه أتدعون غير الله لكشفه .
وجملة «أتتكم الساعة....» لا محلّ لها معطوفة على جملة أتاكم عذاب ...وجملة «تدعون» في محلّ نصب مفعول به ثان لفعل أرأيتكم.
وجملة «كنتم صادقين» لا محلّ لها استئنافية ... وجواب الشرط محذوف تقديره فادعوا غير الله.