قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعٰلَمِينَ
قُلۡ اِنَّ صَلَاتِىۡ وَنُسُكِىۡ وَ مَحۡيَاىَ وَمَمَاتِىۡ لِلّٰهِ رَبِّ الۡعٰلَمِيۡنَۙ
تفسير ميسر:
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين; إن صلاتي، ونسكي، أي; ذبحي لله وحده، لا للأصنام، ولا للأموات، ولا للجن، ولا لغير ذلك مما تذبحونه لغير الله، وعلى غير اسمه كما تفعلون، وحياتي وموتي لله تعالى رب العالمين.
وقوله تعالى "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له وهذا كقوله تعالى "فصل لربك وانحر" أي أخلص له صلاتك وذبحك فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى قال مجاهد في قوله "إن صلاتي ونسكي" النسك الذبح في الحج والعمرة. وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير "ونسكي" قال ذبحي. وكذا قال السدي والضحاك وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عوف حدثنا أحمد بن خالد الذهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال;ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد النحر بكبشين وقال حين ذبحهما وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.
قوله تعالى قل إن صلاتي ونسكي قد تقدم اشتقاق لفظ الصلاة . وقيل ; المراد بها هنا صلاة الليل . وقيل ; صلاة العيد . والنسك جمع نسيكة ، وهي الذبيحة ، وكذلك قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم . والمعنى ; ذبحي في الحج والعمرة . وقال الحسن ; نسكي ديني . وقال الزجاج ; عبادتي ; ومنه الناسك الذي يتقرب إلى الله بالعبادة . وقال قوم ; النسك في هذه الآية جميع أعمال البر والطاعات ; من قولك نسك فلان فهو ناسك ، إذا تعبد .ومحياي أي ما أعمله في حياتي ومماتي أي ما أوصي به بعد وفاتي .لله رب العالمين أي أفرده بالتقرب بها إليه . وقيل ; ومحياي ومماتي لله أي حياتي وموتي له . وقرأ الحسن ; ( نسكي ) بإسكان السين . وأهل المدينة ( ومحياي ) بسكون الياء في الإدراج . والعامة بفتحها ; لأنه لا يجتمع ساكنان . قال النحاس ; لم يجزه أحد من النحويين إلا يونس ، وإنما أجازه لأن قبله ألفا ، والألف المدة التي فيها تقوم مقام الحركة . وأجاز يونس اضربان زيدا ، وإنما منع النحويون هذا لأنه جمع بين ساكنين وليس في الثاني إدغام ، ومن قرأ بقراءة أهل المدينة وأراد أن يسلم من اللحن وقف على محياي فيكون غير لاحن عند جميع النحويين . وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري ( ومحيي ) بتشديد الياء الثانية من غير ألف ; وهي لغة عليا مضر يقولون ; قفي وعصي . وأنشد أهل اللغة ;سبقوا هوي وأعنقوا لهواهموقد تقدم .قال إلكيا الطبري ; قوله تعالى ; قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم إلى قوله ; قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين استدل به الشافعي على افتتاح الصلاة بهذا الذكر ; فإن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزله في كتابه ، ثم ذكر حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال ; وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض [ ص; 139 ] حنيفا وما أنا من المشركين . إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . إلى قوله ; وأنا من المسلمين . قلت ; روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال ; وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين . إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين . اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك . تباركت وتعاليت . أستغفرك وأتوب إليك الحديث . وأخرجه الدارقطني وقال في آخره ; بلغنا عن النضر بن شميل وكان من العلماء باللغة وغيرها قال ; معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والشر ليس إليك الشر ليس مما يتقرب به إليك . قال مالك ; ليس التوجيه في الصلاة بواجب على الناس ، والواجب عليهم التكبير ثم القراءة . قال ابن القاسم ; لم ير مالك هذا الذي يقوله الناس قبل القراءة ; سبحانك اللهم وبحمدك . وفي مختصر ما ليس في المختصر ; أن مالكا كان يقوله في خاصة نفسه ; لصحة الحديث به ، وكان لا يراه للناس مخافة أن يعتقدوا وجوبه . قال أبو الفرج الجوزي ; وكنت أصلي وراء شيخنا أبي بكر الدينوري الفقيه في زمان الصبا ، فرآني مرة أفعل هذا فقال ; يا بني ، إن الفقهاء قد اختلفوا في وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام ، ولم يختلفوا أن الافتتاح سنة ، فاشتغل بالواجب ودع السنن . والحجة لمالك قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي علمه الصلاة ; إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ولم يقل له سبح كما يقول أبو حنيفة ، ولا قل وجهت وجهي ، كما يقول الشافعي . وقال لأبي ; كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال ; قلت الله أكبر ، الحمد لله رب العالمين فلم يذكر توجيها ولا تسبيحا . فإن قيل ; فإن عليا قد أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله . قلنا ; يحتمل أن يكون [ ص; 140 ] قاله قبل التكبير ثم كبر ، وذلك حسن عندنا . فإن قيل ; فقد روى النسائي والدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم يقول ; إن صلاتي ونسكي الحديث قلنا ; هذا نحمله على النافلة في صلاة الليل ; كما جاء في كتاب النسائي عن أبي سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة بالليل قال ; سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك . أو في النافلة مطلقا ; فإن النافلة أخف من الفرض ; لأنه يجوز أن يصليها قائما وقاعدا وراكبا ، وإلى القبلة وغيرها في السفر ، فأمرها أيسر .
القول في تأويل قوله ; قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; (قل)، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام, الذين يسألونك أن تتبع أهواءهم على الباطل من عبادة الآلهة والأوثان =(إن صلاتي ونسكي)، يقول; وذبحي (77) =(ومحياي)، يقول; وحياتي =(ومماتي) يقول; ووفاتي =(لله رب العالمين)، يعني; أن ذلك كله له خالصًا دون ما أشركتم به، أيها المشركون، من الأوثان =(لا شريك له) في شيء من ذلك من خلقه, ولا لشيء منهم فيه نصيب, لأنه لا ينبغي أن يكون ذلك إلا له خالصًا =(وبذلك أمرت)، يقول; وبذلك أمرني ربي =(وأنا أول المسلمين)، يقول; وأنا أوّل من أقرَّ وأذْعن وخضع من هذه الأمة لربه بأن ذلك كذلك . (78)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .* ذكر من قال; " النسك "، في هذا الموضع، الذبح.14296- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد; (إن صلاتي ونسكي)، قال; " النسك "، الذبائح في الحج والعمرة .14297- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله; (ونسكي) ، ذبحي في الحج والعمرة . (79)14298- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد; (ونسكي)، ذبيحتي في الحج والعمرة .14299- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن إسماعيل, وليس بابن أبي خالد, عن سعيد بن جبير, في قوله; (صلاتي ونسكي)، قال; ذبحي .14300- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن إسماعيل, عن سعيد بن جبير في قوله; (صلاتي ونسكي)، قال; ذبحي . (80)14301- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن سفيان, عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير= قال ابن مهدي; لا أدري من " إسماعيل " هذا !=(صلاتي ونسكي)، قال; صلاتي وذبيحتي .14302- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، حدثنا الثوري, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن سعيد بن جبير, في قوله; (صلاتي ونسكي)، قال; وذبيحتي . (81)14303- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة; (ونسكي)، قال; ذبحي .14304- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله; (ونسكي)، قال; ذبيحتي .14305- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك; (صلاتي ونسكي)، قال; " الصلاة "، الصلاة, و " النسك "، الذبح .--------------------الهوامش ;(77) انظر تفسير (( النسك )) فيما سلف 3 ; 77 - 80 / 4 ; 86 ، 195 .(78) انظر تفسير (( الإسلام )) فيما سلف من فهارس اللغة ( سلم ) .(79) في المطبوعة ; (( ذبيحتي )) ، وأثبت ما في المخطوطة .(80) في المطبوعة ; (( ذبيحتي )) ، غير ما في المخطوطة .(81) الآثار ; 14299 - 14302 - (( إسماعيل )) ، الذي روى عنه (( سفيان الثوري )) ، وروى هو (( سعيد بن جبير )) ، والذي جاء في الخبر الأول أنه (( ليس بابن أبي خالد )) ، وفي رقم ; 14302 (( إسماعيل بن أبي خالد )) مصرحًا به ، والذي جهله (( ابن مهدي )) في رقم ; 14301 ، لم أجد من أشار إليه ، إلا أني وجدت في أسماء الرواة عن (( سعيد بن جبير )) ;(( إسماعيل بن مسلم )) ، مولى بني مخزوم ، سمع منه وكيع ، وابن المبارك وعمرو العنقزي ، مترجم في الكبير 1 / 1 / 372 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 197 ، فلا أدري أهو هو ، أم هو غيره .
{ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي } أي: ذبحي، وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما، ودلالتهما على محبة الله تعالى، وإخلاص الدين له، والتقرب إليه بالقلب واللسان، والجوارح وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس من المال، لما هو أحب إليها وهو الله تعالى. ومن أخلص في صلاته ونسكه، استلزم ذلك إخلاصه لله في سائر أعماله. وقوله: { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي } أي: ما آتيه في حياتي، وما يجريه الله عليَّ، وما يقدر عليَّ في مماتي، الجميع { لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
(قل إن) مثل الأولى ،
(صلاة) اسم إن منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة على ما قبل الياء و (الياء) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة في المواضع الثلاثة
(نسكي، محياي، مماتي) أسماء مضافة معطوفة على صلاتي منصوبة مثله، و (الياء) فيها مضاف إليه
(لله) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إنّ
(رب) بدل من لفظ الجلالة مجرور أو نعت له
(العالمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء.
جملة «قل....» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «إن صلاتي.... لله» في محلّ نصب مقول القول.
(163)
(لا) نافية للجنس
(شريك) اسم لا مبني على الفتح في محلّ نصبـ (اللام) حرف جر و (الهاء) ضمير في محلّ جر متعلّق بخبر لا
(الواو) استئنافية
(الباء) حرف جر
(ذا) اسم إشارة مبني في محلّ جر متعلق بـ (أمرت) ، و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (أمرت) فعل ماض مبني للمجهول ... و (التاء) ضمير نائب الفاعلـ (الواو) عاطفة
(أنا) ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ
(أول) خبر مرفوع
(المسلمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء.
وجملة «لا شريك له» في محلّ نصب حال مؤكدة، أكدت معنى قوله رب العالمين .
وجملة «أمرت» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «أنا أول المسلمين» لا محلّ لها معطوفة على جملة أمرت.