وَذَرُوا ظٰهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُۥٓ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ
وَذَرُوۡا ظَاهِرَ الۡاِثۡمِ وَبَاطِنَهٗؕ اِنَّ الَّذِيۡنَ یَکْسِبُوۡنَ الۡاِثۡمَ سَيُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُوۡا يَقۡتَرِفُوۡنَ
تفسير ميسر:
واتركوا -أيها الناس- جميع المعاصي، ما كان منها علانية وما كان سرًّا. إن الذين يفعلون المعاصي سيعاقبهم ربهم؛ بسبب ما كانوا يعملونه من السيئات.
قال مجاهد "وذروا ظاهر الإثم وباطنه" معصيته في السر والعلانية وفي رواية عنه هو ما ينوى مما هو عامل وقال قتادة "وذروا ظاهر الإثم وباطنه" أي سره وعلانيته قليله وكثيره وقال السدي; ظاهره الزنا مع البغايا ذوات الرايات وباطنه الزنا مع الخليلة والصدائق والأخدان وقال عكرمة ظاهره نكاح ذوات المحارم والصحيح أن الآية عامة في ذلك كله وهي كقوله تعالى "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن" الآية ولهذا قال تعالى "إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون" أي سواء كان ظاهرا أو خفيا فإن الله سيجزيهم عليه قال ابن أبي حاتم; حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النواس بن سمعان قال; سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإثم فقال "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه".
للعلماء فيه أقوال كثيرة وحاصلها راجع إلى أن الظاهر ما كان عملا بالبدن مما نهى الله عنه , وباطنه ما عقد بالقلب من مخالفة أمر الله فيما أمر ونهى ; وهذه المرتبة لا يبلغها إلا من اتقى وأحسن ; كما قال ; " ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا " [ المائدة ; 93 ] .وهي المرتبة الثالثة حسب ما تقدم بيانه في " المائدة " .وقيل ; هو ما كان عليه الجاهلية من الزنا الظاهر واتخاذ الحلائل في الباطن .وما قدمنا جامع لكل إثم وموجب لكل أمر .
القول في تأويل قوله ; وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُقال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; ودعوا، أيها الناس، (9) علانية الإثم، وذلك ظاهره= وسرّه، وذلك باطنه، . كذلك;-13794- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة; (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، أي; قليله وكثيره، وسرّه وعلانيته .13795- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة; (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، قال; سره وعلانيته .13796- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس في قوله; (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، يقول; سره وعلانيته= وقوله; مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، [سورة الأعراف; 33]، قال; سره وعلانيته .13797- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس في قوله; (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، قال; نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه، أن يعمل به سرًّا أو علانية, وذلك ظاهره وباطنه .13798- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد; (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، معصية الله في السر والعلانية .13799- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد; (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، قال; هو ما ينوي مما هو عامل .* * *ثم اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بالظاهر من الإثم والباطن منه، في هذا الموضع.فقال بعضهم; " الظاهر منه "، ما حرم جل ثناؤه بقوله; وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ، [سورة النساء; 22 ]، وقوله; حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ الآية, و " الباطن منه "، الزنى .* ذكر من قال ذلك;13800- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير في قوله; (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، قال; الظاهر منه; وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ والأمهات والبنات والأخوات =" والباطن ". الزنى .* * *وقال آخرون; " الظاهر "، أولات الرايات من الزواني ، (10) والباطن; ذوات الأخدان .* ذكر من قال ذلك;13801- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي; (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) أما " ظاهره "، فالزواني في الحوانيت ، وأما " باطنه "، فالصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرًّا .13802- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله; وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، [سورة الأنعام; 151]. كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى, ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا, فحرّم الله السر منه والعلانية =" ما ظهر منها "، يعني العلانية =" وما بطن "، يعني; السر .13803- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبي مكين وأبيه, عن خصيف, عن مجاهد; وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، قال; " ما ظهر منها "، الجمع بين الأختين, وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده =" وما بطن "، الزنى .* * *وقال آخرون; " الظاهر "، التعرّي والتجرد من الثياب، وما يستر العورة في الطواف =" والباطن "، الزنى .* ذكر من قال ذلك;13804- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، قال; ظاهره العُرْيَة التي كانوا يعملون بها حين يطوفون بالبيت ، (11) وباطنه; الزنى .* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال; إن الله تعالى ذكره تقدم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه، وذلك سره وعلانيته. و " الإثم " كل ما عُصِي الله به من محارمه, (12) وقد يدخل في ذلك سرُّ الزنى وعلانيته, ومعاهرة أهل الرايات وأولات الأخدان منهن, ونكاحُ حلائل الآباء والأمهات والبنات, والطواف بالبيت عريانًا, وكل معصية لله ظهرت أو بطنت . وإذ كان ذلك كذلك, وكان جميعُ ذلك " إثمًا ", وكان الله عمّ بقوله; (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، جميع ما ظهر من الإثم وجميع ما بطن= لم يكن لأحد أن يخصّ من ذلك شيئًا دون شيء، إلا بحجة للعذر قاطعة .غير أنه لو جاز أن يوجَّه ذلك إلى الخصوص بغير برهان, كان توجيهه إلى أنه عنى بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع، ما حرم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم, وما بيَّن الله تحريمه في قوله; حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ إلى آخر الآية, أولى, إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى، وهذه في سياقها. ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك, وأدخل فيها الأمر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله, فخرج الأمر عامًا بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم .* * *القول في تأويل قوله ; إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; إن الذين يعملون بما نَهاهم الله عنه، ويركبون معاصيَ الله ويأتون ما حرَّم الله=(سيجزون)، يقول; سيثيبهم الله يوم القيامة بما كانوا في الدنيا يعملون من معاصيه . (13)---------------------الهوامش ;(9) انظر تفسير (( ذر )) فيما سلف ص ; 57 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .(10) (( أولات الرايات )) ، البغايا في الجاهلية ، كن ينصبن رايات عند خيامهن أو عند بيوتهن ، يعرفن بها .(11) (( العرية )) ( بضم العين وسكون الراء ) ، مصدر (( عرى من ثوبه يعرى عريًا وعرية )) ، يقال ; (( جارية حسنة العرية ، وحسنة المعرى والمعراة )) ، أي حسنة عند تجريدها من ثيابها .(12) انظر تفسير (( الإثم )) فيما سلف من فهارس اللغة ( أثم ) .(13) انظر تفسير (( كسب )) فيما سلف من فهارس اللغة ( كسب )= وتفسير (( الجزاء )) فيما سلف من فهارس اللغة ( جزا )= وتفسير (( اقترف )) فيما سلف ص ; 59 ، 60
المراد بالإثم: جميع المعاصي، التي تؤثم العبد، أي: توقعه في الإثم، والحرج، من الأشياء المتعلقة بحقوق الله، وحقوق عباده. فنهى الله عباده، عن اقتراف الإثم الظاهر والباطن، أي: السر والعلانية، المتعلقة بالبدن والجوارح، والمتعلقة بالقلب، ولا يتم للعبد، ترك المعاصي الظاهرة والباطنة، إلا بعد معرفتها، والبحث عنها، فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن، والعلمُ بذلك واجبا متعينا على المكلف. وكثير من الناس، تخفى عليه كثير من المعاصي، خصوصا معاصي القلب، كالكبر والعجب والرياء، ونحو ذلك، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم، وعدم البصيرة. ثم أخبر تعالى، أن الذين يكسبون الإثم الظاهر والباطن، سيجزون على حسب كسبهم، وعلى قدر ذنوبهم، قلَّت أو كثرت، وهذا الجزاء يكون في الآخرة، وقد يكون في الدنيا، يعاقب العبد، فيخفف عنه بذلك من سيئاته.
(الواو) استئنافية
(ذروا) فعل أمر مبني على حذف النون ... والواو فاعلـ (ظاهر) مفعول به منصوبـ (الإثم) مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(باطن) معطوف على ظاهر منصوب و (الهاء) مضاف إليه
(إن) حرف مشبه بالفعل- ناسخ-
(الذين) اسم موصول مبني في محلّ نصب اسم إن
(يكسبون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (الإثم) مفعول به منصوبـ (السين) حرف استقبالـ (يجزون) مضارع مبني للمجهول مرفوع ... والواو نائب الفاعلـ (الباء) حرف جر
(ما) اسم موصول مبني في محلّ جر متعلق بـ (يجزون) ،
(كانوا) فعل ماض ناقص مبني على الضم ... والواو اسم كان
(يقترفون) مثل يكسبون.
جملة «ذروا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «إن الذين ... » لا محلّ لها تعليلية.
وجملة «يكسبون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «سيجزون ... » في محلّ رفع خبر إن.
وجملة «كانوا يقترفون» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة «يقترفون» في محلّ نصب خبر كانوا.
(الواو) عاطفة
(لا) ناهية جازمة
(تأكلوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون ... والواو فاعلـ (مما لم يذكر اسم الله عليه) مرّ إعراب نظيرها ،
(الواو) استئنافية
(إن) مثل الأول و (الهاء) ضمير في محلّ نصب اسم إن
(اللام) للتوكيد
(فسق) خبر مرفوع
(الواو) استئنافية
(إن) مثل الأولـ (الشياطين) اسم إن منصوبـ (اللام) مثل الأولـ (يوحون) مثل يكسبون
(إلى أولياء) جار ومجرور متعلق بـ (يوحون) ، و (هم) ضمير مضاف إليه
(اللام) لام التعليلـ (يجادلوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة النصب حذف النون ... والواو فاعل و (كم) ضمير مفعول به.
والمصدر المؤولـ (أن يجادلوا) في محلّ جر باللام متعلق بـ (يوحون) .(الواو) عاطفة
(إن) حرف شرط جازم
(أطعتم) فعل ماض مبني على السكون في محلّ جزم فعل الشرط ...
(وتم) ضمير فاعل و (الواو) زائدة إشباع حركة الميم و (هم) ضمير مفعول به
(إنّكم لمشركون) مثل إنه لفسق، وعلامة رفع الخبر الواو.
وجملة «لا تأكلوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ذروا.
وجملة «يذكر اسم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة «إنه لفسق» لا محلّ لها استئنافية .
وجملة «إن الشياطين.» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «يوحون» في محلّ رفع خبر إن.
وجملة «يجادلوكم» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي(أن) .
وجملة «إن أطعتموهم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة إن الشياطين ...وجملة «إنكم لمشركون» لا محلّ لها جواب قسم مقدر ... وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم.