إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
اِنَّ رَبَّكَ هُوَ اَعۡلَمُ مَنۡ يَّضِلُّ عَنۡ سَبِيۡلِهٖۚ وَهُوَ اَعۡلَمُ بِالۡمُهۡتَدِيۡنَ
تفسير ميسر:
إن ربك هو أعلم بالضالين عن سبيل الرشاد، وهو أعلم منكم ومنهم بمن كان على استقامة وسداد، لا يخفى عليه منهم أحد.
"هو أعلم من يضل عن سبيله" فييسره لذلك "هو أعلم بالمهتدين" فييسرهم لذلك وكل ميسر لما خلق له.
من يضل عن سبيله " من " بمعنى أي ; فهو في محل رفع والرافع له يضل . وقيل ; في محل نصب بأعلم ، أي إن ربك أعلم أي الناس يضل عن سبيله . وقيل ; في محل نصب بنزع الخافض ; أي ب " من يضل " . قاله بعض البصريين ، وهو حسن .وهو أعلم بالمهتدين وقوله في آخر النحل ; إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين . [ ص; 66 ] وقرئ " يضل " وهذا على حذف المفعول ، والأول أحسن ; لأنه قال ; وهو أعلم بالمهتدين . فلو كان من الإضلال لقال وهو أعلم بالهادين .إن ربك هو أعلم قال بعض الناس ; إن أعلم هنا بمعنى يعلم ; وأنشد قول حاتم الطائي ;تحالفت طيئ من دوننا حلفا والله أعلم ما كنا لهم خذلاوقول الخنساء ;الله أعلم أن جفنته تغدو غداة الريح أو تسريوهذا لا حجة فيه ; لأنه لا يطابق هو أعلم بالمهتدين . ولأنه يحتمل أن يكون على أصله .
القول في تأويل قوله تعالى ; إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; يا محمد، إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الأوثانَ, لئلا يُضِلوك عن سبيله, هو أعلم منك ومن جميع خلقه أيُّ خلقه يَضلّ عن سبيله بزخرف القول الذي يوحِي الشياطين بعضُهم إلى بعض, فيصدُّوا عن طاعته واتباع ما أمر به =(وهو أعلم بالمهتدين)، يقول; وهو أعلم أيضًا منك ومنهم بمن كان على استقامة وسدادٍ, لا يخفى عليه منهم أحد . يقول; واتبع، يا محمد، ما أمرتك به, وانته عما نهيتك عنه من طاعة مَنْ نهيتك عن طاعته, فإني أعلم بالهادي والمضلِّ من خلقي، منك .* * *واختلف أهل العربية في موضع; " مَن " في قوله; (إن ربك هو أعلم من يضل) .فقال بعض نحويي البصرة; موضعه خفض بنيّة " الباء ". قال; ومعنى الكلام; إن ربك هو أعلم بمن يضِلُّ . (28)* * *وقال بعض نحويي الكوفة; موضعه رفع, لأنه بمعنى " أيّ"، والرافع له " يضلّ" . (29)* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك أنه رفع بـ" يضل "، وهو في معنى " أيّ". وغير معلوم في كلام العرب اسم مخفوض بغير خافض، فيكون هذا له نظيرا.* * *وقد زعم بعضهم أن قوله; (أعلم)، في هذا الموضع بمعنى " يعلم ", واستشهد لقيله ببيت حاتم الطائي;فَحَــالَفَتْ طَيّـئٌ مِـنْ دُونِنَـا حِلِفًـاوَاللــهُ أَعْلَـمُ مـا كُنَّـا لَهُـمْ خُـذْلا (30)وبقول الخنساء;القَــــوْمُ أَعْلَـــمُ أَنَّ جَفْنَتَـــهُتَعْــدُو غَــدَاةَ الــرِّيحِ أَوْ تَسـري (31)وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل، وإن كان جائزًا في كلام العرب, فليس قولُ الله تعالى ذكره; (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله)، منه. وذلك أنه عطف عليه بقوله; (وهو أعلم بالمهتدين)، فأبان بدخول " الباء " في" المهتدين " أن " أعلم " ليس بمعنى " يعلم ", لأن ذلك إذ كان بمعنى " يفعل "، لم يوصل بالباء, كما لا يقال; " هو يعلم بزيد ", بمعنى; يعلم زيدًا .------------------الهوامش ;(28) انظر ما سلف 11 ; 560 ، تعليق ; 1 ، وأن قائله هو الأخفش .(29) انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1 ; 352 ، وهذا قول الفراء .(30) البيت ليس في ديوان حاتم ، وهو في تفسير القرطبي 7 ; 72 ، عن هذا الموضع من تفسير أبي جعفر ; وقوله ; (( حلف )) هو بكسر الحاء واللام ، ألحق اللام كسرة الحاء لضرورة الشعر . ولو قال (( حلفا )) ( بفتح وكسر اللام ) وهو مصدر (( حلف يحلف )) مثل (( الحلف )) ( بكسر فسكون ) ، لكان صوابًا ، لأن (( الحلف )) الذي هو العهد ، إنما سمى (( حلفًا )) بمصدر (( حلف )) بمعنى أقسم ، لأن العهد يوثق باليمين والقسم .(31) ديوانها ; 104 ، في رثاء أخيها صخر ، وبعده ;فَــإِذَا أَضَــاءَ وَجَــاشَ مِرْجَلُـهُفَلَنِعْـــمَ رَبُّ النَّـــارِ والقِـــدْرِوقولها ; (( تغدو )) ، أي تغدو على قومه وضيوفه . و (( غداة الريح )) ، أي غدوة في زمن الشتاء ، في زمان القحط وقلة الألبان ، (( و تسرى )) . يعني في الليل . وقولها ; (( أضاء )) ، أي أوقد ناره لتوضع عليها القدور ، ويراها الضيفان .
والله تعالى أصدق قيلا، وأصدق حديثا، و { هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ } وأعلم بمن يهتدي. ويهدي. فيجب عليكم -أيها المؤمنون- أن تتبعوا نصائحه وأوامره ونواهيه لأنه أعلم بمصالحكم، وأرحم بكم من أنفسكم. ودلت هذه الآية، على أنه لا يستدل على الحق، بكثرة أهله، ولا يدل قلة السالكين لأمر من الأمور أن يكون غير حق، بل الواقع بخلاف ذلك، فإن أهل الحق هم الأقلون عددا، الأعظمون -عند الله- قدرا وأجرا، بل الواجب أن يستدل على الحق والباطل، بالطرق الموصلة إليه.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة