وَلِتَصْغٰىٓ إِلَيْهِ أَفْـِٔدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْءَاخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ
وَلِتَصۡغٰٓى اِلَيۡهِ اَفۡـِٕدَةُ الَّذِيۡنَ لَا يُؤۡمِنُوۡنَ بِالۡاٰخِرَةِ وَلِيَرۡضَوۡهُ وَلِيَقۡتَرِفُوۡا مَا هُمۡ مُّقۡتَرِفُوۡنَ
تفسير ميسر:
ولِتميل إليه قلوب الكفار الذين لا يصدقون بالحياة الآخرة ولا يعملون لها، ولتحبَّه أنفسهم، وليكتسبوا من الأعمال السيئة ما هم مكتسبون. وفي هذا تهديد عظيم لهم.
وقوله تعالى "ولتصغى إليه" ولتميل إليه قاله ابن عباس "أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة" أي قلوبهم وعقولهم وأسماعهم وقال السدي; قلوب الكافرين "وليرضوه" أي يحبوه ويريدوه وإنما يستجيب لذلك من لا يؤمن بالآخرة كما قال تعالى "فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم" وقال تعالى "إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك" وقوله "وليقترفوا ما هم مقترفون" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وليكتسبوا ما هم مكتسبون وقال السدي وابن زيد وليعملوا ما هم عاملون.
قوله تعالى ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون قوله تعالى ولتصغى إليه أفئدة تصغى تميل ; يقال ; صغوت أصغو صغوا وصغوا ، وصغيت أصغى ، وصغيت بالكسر أيضا . يقال منه ; صغي يصغى صغى وصغيا ، وأصغيت إليه إصغاء بمعنى .قال الشاعر ;ترى السفيه به عن كل محكمة زيغ وفيه إلى التشبيه إصغاءويقال ; أصغيت الإناء إذا أملته ليجتمع ما فيه . وأصله الميل إلى الشيء لغرض من الأغراض . ومنه صغت النجوم ; مالت للغروب . وفي التنزيل ; فقد صغت قلوبكما . قال أبو زيد ; يقال صغوه معك وصغوه ، وصغاه معك ، أي ميله . وفي الحديث ; فأصغى لها الإناء يعني للهرة . وأكرموا فلانا في صاغيته ، أي في قرابته الذين يميلون إليه ويطلبون ما عنده . وأصغت الناقة إذا أمالت رأسها إلى الرجل كأنها تستمع شيئا حين يشد عليها الرحل . قال ذو الرمة ;تصغي إذا شدها بالكور جانحة حتى إذا ما استوى في غرزها تثبواللام في ولتصغى لام كي ، والعامل فيها " يوحي " تقديره ; يوحي بعضهم إلى بعض ليغروهم ولتصغى . وزعم بعضهم أنها لام الأمر ، وهو غلط ; لأنه كان يجب " ولتصغ إليه " بحذف الألف ، وإنما هي لام كي .وكذلك وليرضوه وليقترفوا إلا أن الحسن قرأ " وليرضوه وليقترفوا " بإسكان اللام ، جعلها لام أمر فيه معنى التهديد ; كما يقال ; افعل ما [ ص; 64 ] شئت .ومعنى وليقترفوا ما هم مقترفون أي وليكتسبوا ; عن ابن عباس والسدي وابن زيد . يقال ; خرج يقترف أهله أي يكتسب لهم . وقارف فلان هذا الأمر إذا واقعه وعمله . وقرفتني بما ادعيت علي ، أي رميتني بالريبة . وقرف القرحة إذا قشر منها . واقترف كذبا . قال رؤبة ;أعيا اقتراف الكذب المقروف تقوى التقي وعفة العفيفوأصله اقتطاع قطعة من الشيء .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُقال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا =(ولتصغى إليه)، يقول جل ثناؤه; يوحي بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المزيَّن من القول بالباطل, ليغرّوا به المؤمنين من أتباع الأنبياء فيفتنوهم عن دينهم=(ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، يقول; ولتميل إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة .* * *= وهو من " صغَوْت تَصْغَى وتصغُو "= والتنـزيل جاء بـ " تصغَى " =" صَغْوًا، وصُغُوًّا "، وبعض العرب يقول; " صغيت "، بالياء، حكي عن بعض بني أسد; " صَغيت إلى حديثه, فأنا أصغَى صُغِيًّا " بالياء, وذلك إذا ملت. يقال; " صَغْوِي معك "، إذا كان هواك معه وميلك, مثل قولهم; " ضِلَعِي معك ". ويقال; " أصغيت الإناء " إذا أملته ليجتمع ما فيه، ومنه قول الشاعر; (14)تَـرَى السَّـفِيهَ بِـهِ عَـنْ كُـلِّ مُحْكَمَةٍزَيْـغٌ, وفيـهِ إلَـى التَّشْـبِيهِ إصْغَـاءُ (15)ويقال للقمر إذا مال للغيوب; " صغا " و " أصغى " .* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .* ذكر من قال ذلك;13781- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن على بن أبي طلحة, عن ابن عباس; (ولتصغى إليه أفئدة)، يقول; تزيغ إليه أفئدة .13782- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس في قوله; (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، قال; لتميل .13783- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي; (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، يقول; تميل إليه قلوبُ الكفار، ويحبونه، ويرضون به .13784- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة )، قال; " ولتصغى "، وليهووا ذلك وليرضوه. قال; يقول الرجل للمرأة; " صَغَيْت إليها "، هويتها .* * *القول في تأويل قوله ; وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; وليكتسبوا من الأعمال ما هم مكتسبون .* * *حكي عن العرب سماعًا منها; " خرج يقترف لأهله ", بمعنى يكسب لهم. ومنه قيل; " قارف فلان هذا الأمر "، إذا واقعه وعمله .وكان بعضهم يقول; هو التهمة والادعاء. يقال للرجل; " أنت قَرَفْتَنِي"، أي اتهمتني. ويقال; " بئسما اقترفتَ لنفسك " ، وقال رؤبة;أَعْيَــا اقْـتِرَافُ الكَـذِبِ المَقْـرُوفِتَقْــوَى التَّقِــي وعِفَّــةَ العَفِيـفِ (16)* * *وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله; (وليقترفوا)، قال أهل التأويل .* ذكر من قال ذلك;13785- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس; (وليقترفوا ما هم مقترفون)، وليكتسبوا ما هم مكتسبون .13786- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي; (وليقترفوا ما هم مقترفون)، قال; ليعملوا ما هم عاملون .13787- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; (وليقترفوا ما هم مقترفون)، قال; ليعملوا ما هم عاملون .---------------------------الهوامش ;(14) لم أعرف قائله .(15) اللسان ( صغا ) ، وأيضًا في تفسير أبي حيان 4 ; 205 ، والقرطبي 7 ; 69 ، وفي اللسان والقرطبي ; (( عن كل مكرمة )) ، وكأن الصواب ما تفسير ابن جرير ، وأبي حيان ، وكأن الشاعر يريد الذين يتبعون ما تشابه من آيات كتاب الله ، ويعرضون عن المحكم من آياته .(16) ليسا في ديوانه ، وهما في مجاو القرآن 1 ; 205 .
{ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ } أي: ولتميل إلى ذلك الكلام المزخرف { أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } لأن عدم إيمانهم باليوم الآخر وعدم عقولهم النافعة، يحملهم على ذلك، { وَلِيَرْضَوْهُ } بعد أن يصغوا إليه، فيصغون إليه أولا، فإذا مالوا إليه ورأوا تلك العبارات المستحسنة، رضوه، وزين في قلوبهم، وصار عقيدة راسخة، وصفة لازمة، ثم ينتج من ذلك، أن يقترفوا من الأعمال والأقوال ما هم مقترفون، أي: يأتون من الكذب بالقول والفعل، ما هو من لوازم تلك العقائد القبيحة، فهذه حال المغترين بشياطين الإنس والجن، المستجيبين لدعوتهم، وأما أهل الإيمان بالآخرة، وأولو العقول الوافية والألباب الرزينة، فإنهم لا يغترون بتلك العبارات، ولا تخلبهم تلك التمويهات، بل همتهم مصروفة إلى معرفة الحقائق، فينظرون إلى المعاني التي يدعو إليها الدعاة، فإن كانت حقا قبلوها، وانقادوا لها، ولو كسيت عبارات ردية، وألفاظا غير وافية، وإن كانت باطلا ردوها على من قالها، كائنا من كان، ولو ألبست من العبارات المستحسنة، ما هو أرق من الحرير. ومن حكمة الله تعالى، في جعله للأنبياء أعداء، وللباطل أنصارا قائمين بالدعوة إليه، أن يحصل لعباده الابتلاء والامتحان، ليتميز الصادق من الكاذب، والعاقل من الجاهل، والبصير من الأعمى. ومن حكمته أن في ذلك بيانا للحق، وتوضيحا له، فإن الحق يستنير ويتضح إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه. فإنه -حينئذ- يتبين من أدلة الحق، وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته، ومن فساد الباطل وبطلانه، ما هو من أكبر المطالب، التي يتنافس فيها المتنافسون.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة