ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرٰى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غٰفِلُونَ
إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب، لئلا يؤاخَذَ أحد بظلمه، وهو لم تبلغه دعوة، ولكن أعذرنا إلى الأمم، وما عذَّبنا أحدًا إلا بعد إرسال الرسل إليهم.
وَلِكُلٍّ دَرَجٰتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
ولكل عامل في طاعة الله تعالى أو معصيته مراتب من عمله، يبلِّغه الله إياها، ويجازيه عليها. وما ربك -أيها الرسول- بغافل عما يعمل عباده.
وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنۢ بَعْدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ ءَاخَرِينَ
وربك -أيها الرسول- الذي أمر الناس بعبادته، هو الغني وحده، وكل خلقه محتاجون إليه، وهو سبحانه ذو الرحمة الواسعة، لو أراد لأهلككم، وأوجد قومًا غيركم يخلفونكم من بعد فنائكم، ويعملون بطاعته تعالى، كما أوجدكم من نسل قوم آخرين كانوا قبلكم.
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَءَاتٍ ۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ
إن الذي يوعدكم به ربكم - أيها المشركون - من العقاب على كفركم واقع بكم، ولن تُعجِزوا ربكم هربًا، فهو قادر على إعادتكم، وإن صرتم ترابًا وعظامًا.
قُلْ يٰقَوْمِ اعْمَلُوا عَلٰى مَكَانَتِكُمْ إِنِّى عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عٰقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ الظّٰلِمُونَ
قل -أيها الرسول-; يا قوم اعملوا على طريقتكم فإني عامل على طريقتي التي شرعها لي ربي جل وعلا فسوف تعلمون -عند حلول النقمة بكم- مَنِ الذي تكون له العاقبة الحسنة؟ إنه لا يفوز برضوان الله تعالى والجنة مَن تجاوز حده وظلم، فأشرك مع الله غيره.
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعٰمِ نَصِيبًا فَقَالُوا هٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهٰذَا لِشُرَكَآئِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلٰى شُرَكَآئِهِمْ ۗ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
وجعل المشركون لله -جلَّ وعلا- جزءًا مما خلق من الزروع والثمار والأنعام يقدمونه للضيوف والمساكين، وجعلوا قسمًا آخر من هذه الأشياء لشركائهم من الأوثان والأنصاب، فما كان مخصصًا لشركائهم فإنه يصل إليها وحدها، ولا يصل إلى الله، وما كان مخصصا لله تعالى فإنه يصل إلى شركائهم. بئس حكم القوم وقسمتهم.
وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
وكما زيَّن الشيطان للمشركين أن يجعلوا لله تعالى من الحرث والأنعام نصيبًا، ولشركائهم نصيبًا، زيَّنت الشياطين لكثير من المشركين قَتْلَ أولادهم خشية الفقر؛ ليوقعوا هؤلاء الآباء في الهلاك بقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس، فيضلوا ويهلكوا، ولو شاء الله ألا يفعلوا ذلك ما فعلوه، ولكنه قدَّر ذلك لعلمه بسوء حالهم ومآلهم، فاتركهم -أيها الرسول- وشأنهم فيما يفترون من كذب، فسيحكم الله بينك وبينهم.
وَقَالُوا هٰذِهِۦٓ أَنْعٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَآ إِلَّا مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعٰمٌ لَّا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَآءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
وقال المشركون; هذه إبل وزرع حرام، لا يأكلها إلا مَن يأذنون له -حسب ادعائهم- مِن سدنة الأوثان وغيرهم. وهذه إبل حُرِّمت ظهورها، فلا يحل ركوبها والحملُ عليها بحال من الأحوال. وهذه إبل لا يَذكرون اسم الله تعالى عليها في أي شأن من شئونها. فعلوا ذلك كذبًا منهم على الله، سيجزيهم الله بسبب ما كانوا يفترون من كذبٍ عليه سبحانه.
وَقَالُوا مَا فِى بُطُونِ هٰذِهِ الْأَنْعٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلٰىٓ أَزْوٰجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
وقال المشركون; ما في بطون الأنعام من أجنَّة مباح لرجالنا، ومحرم على نسائنا، إذا ولد حيًّا، ويشتركون فيه إذا ولد ميتًا. سيعاقبهم الله إذ شرَّعوا لأنفسهم من التحليل والتحريم ما لم يأذن به الله. إنه تعالى حكيم في تدبير أمور خلقه، عليم بهم.
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوٓا أَوْلٰدَهُمْ سَفَهًۢا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَآءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
قد خسر وهلك الذين قتلوا أولادهم لضعف عقولهم وجهلهم، وحرموا ما رزقهم الله كذبًا على الله. قد بَعُدوا عن الحق، وما كانوا من أهل الهدى والرشاد. فالتحليل والتحريم من خصائص الألوهية في التشريع، والحلال ما أحله الله، والحرام ما حرَّمه الله، وليس لأحد من خَلْقه فردًا كان أو جماعة أن يشرع لعباده ما لم يأذن به الله.