لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنٰهُ حُطٰمًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ
لَوۡ نَشَآءُ لَجَـعَلۡنٰهُ حُطَامًا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُوۡنَ
تفسير ميسر:
أفرأيتم الحرث الذي تحرثونه هل أنتم تُنبتونه في الأرض؟ بل نحن نُقِرُّ قراره وننبته في الأرض. لو نشاء لجعلنا ذلك الزرع هشيمًا، لا يُنتفع به في مطعم، فأصبحتم تتعجبون مما نزل بزرعكم، وتقولون; إنا لخاسرون معذَّبون، بل نحن محرومون من الرزق.
وقوله تعالى "لو نشاء لجعلناه حطاما " أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا وأبقيناه لكم رحمة بكم ولو نشاء لجعلناه حطاما أي لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده "فظلتم تفكهون".
ثم قال ; لو نشاء لجعلناه حطاما أي ; متكسرا ، يعني الزرع . والحطام ; الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء ، فنبه بذلك أيضا على أمرين ؛ أحدهما ; ما أولاهم به من النعم في زرعهم إذ لم يجعله حطاما ليشكروه . الثاني ; ليعتبروا بذلك في أنفسهم ، كما أنه يجعل الزرع حطاما إذا شاء وكذلك يهلكهم إذا شاء ليتعظوا فينزجروا .فظلتم تفكهون أي ; تعجبون بذهابها وتندمون مما حل بكم ؛ قاله الحسن وقتادة وغيرهما . وفي الصحاح ; وتفكه أي ; تعجب ، ويقال ; تندم ، قال الله تعالى ; فظلتم تفكهون أي ; تندمون . وتفكهت بالشيء تمتعت به . وقال يمان ; تندمون على نفقاتكم ، دليله ; فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وقال عكرمة ; تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجبت عقوبتكم حتى نالتكم في زرعكم . ابن كيسان ; تحزنون ، والمعنى متقارب . وفيه لغتان ; تفكهون وتفكنون ; قال الفراء ; والنون لغة عكل . وفي الصحاح ; التفكن ; التندم على ما فات . وقيل ; التفكه ; التكلم فيما لا يعنيك ، ومنه قيل للمزاح فكاهة ، بالضم ، فأما الفكاهة بالفتح فمصدر فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاحا . وقراءة العامة فظلتم بفتح الظاء . وقرأ عبد الله " فظلتم " بكسر الظاء ورواها هارون عن حسين عن أبي بكر . فمن فتح فعلى الأصل ، والأصل ظللتم فحذف اللام الأولى تخفيفا ، ومن كسر نقل كسرة اللام الأولى إلى الظاء ثم حذفها .
القول في تأويل قوله تعالى ; لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)يقول تعالى ذكره; لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حُطامًا، يعني هشيما لا يُنْتفع به في مطعم وغذاء.وقوله; ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم; معنى ذلك; فظلتم تتعجبون مما نـزل بكم في زرعكم من المصيبة باحتراقه وهلاكه.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال; تعجبون.حدثنا ابن حُمَيد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال; تعجبون.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال; تعجبون.وقال آخرون; معنى ذلك; فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم جلّ ثناؤه، حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا يحيى بن واضح، قال; ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله; ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) يقول; تلاومون.قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب البكري، عن عكرِمة ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال; تلاومون.وقال آخرون; بل معنى ذلك; فظلتم تندمون على ما سلف منكم في معصية الله التي أوجب لكم عقوبته، حتى نالكم في زرعكم ما نالكم.* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال; ثني ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال; تندمون.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال تندمون.وقال آخرون; بل معنى ذلك; فظلتم تعجبون.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله; ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال; تعجبون حين صنع بحرثكم ما صنع به، وقرأ قول الله عزّ وجلّ( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) وقرأ قول الله وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ قال; هؤلاء ناعمين، وقرأ قول الله جل ثناؤه فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . . . إلى قوله; كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ .وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال; معنى ( فَظَلْتُمْ ) ; فأقمتم تعجبون مما نـزل بزرعكم وأصله من التفكه بالحديث إذا حدّث الرجلُ الرجلَ بالحديث يعجب منه، ويلهى به، فكذلك ذلك. وكأن معنى الكلام; فأقمتم تتعجبون يُعََجِّب بعضكم بعضا مما نـزل بكم.
{ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ } أي: الزرع المحروث وما فيه من الثمار { حُطَامًا } أي: فتاتا متحطما، لا نفع فيه ولا رزق، { فَظَلْتُمْ } أي: فصرتم بسبب جعله حطاما، بعد أن تعبتم فيه وأنفقتم النفقات الكثيرة { تَفَكَّهُونَ } أي: تندمون وتحسرون على ما أصابكم، ويزول بذلك فرحكم وسروركم وتفكهكم
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة