الرسم العثمانيسَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ
الـرسـم الإمـلائـيسَنَفۡرُغُ لَـكُمۡ اَيُّهَ الثَّقَلٰنِۚ
تفسير ميسر:
سنفرُغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكما التي عملتموهما في الدنيا، أيها الثقلان- الإنس والجن-، فنعاقب أهل المعاصي، ونُثيب أهل الطاعة.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالي "سنفرغ لكم أيها الثقلان" قال وعيد من الله تعالى للعباد وليس بالله شغل وهو فارغ وكذا قال الضحاك هذا وعيد وقال قتادة قد دنا من الله فراغ لخلقه وقال ابن جريج "سنفرغ لكم" أي سنقضي لكم وقال البخاري سنحاسبكم لا يشغله شيء عن شيء وهو معروف في كلام العرب يقال لأتفرغن لك وما به شغل يقول لآخذنك على غرتك. وقوله تعالى "أيها الثقلان" الثقلان; الإنس والجن كما جاء في الصحيح "يسمعه كل شيء إلا الثقلين" وفي رواية "إلا الإنس والجن" وفي حديث الصور "الثقلان الإنس والجن".
قوله تعالى ; سنفرغ لكم أيها الثقلان يقال ; فرغت من الشغل أفرغ فروغا وفراغا وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته . والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه ، إنما المعنى سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم ، وهذا وعيد وتهديد لهم كما يقول القائل لمن يريد تهديده ; إذا أتفرغ لك أي أقصدك . وفرغ بمعنى قصد ، وأنشد ابن الأنباري في مثل هذا لجرير ;الآن وقد فرغت إلى نمير فهذا حين كنت لها عذابايريد وقد قصدت . وقال أيضا وأنشده النحاس ;فرغت إلى العبد المقيد في الحجل[ ص; 154 ] وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع الأنصار ليلة العقبة ، صاح الشيطان ; يا أهل الجباجب ! هذا مذمم يبايع بني قيلة على حربكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ; هذا إزب العقبة أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك أي أقصد إلى إبطال أمرك . وهذا اختيار القتبي والكسائي وغيرهما . وقيل ; إن الله تعالى وعد على التقوى وأوعد على الفجور ، ثم قال ; سنفرغ لكم مما وعدناكم ونوصل كلا إلى ما وعدناه ، أي أقسم ذلك وأتفرغ منه ؛ قاله الحسن ومقاتل وابن زيد . وقرأ عبد الله وأبي " سنفرغ إليكم " وقرأ الأعمش وإبراهيم " سيفرغ لكم " بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله . وقرأ ابن شهاب والأعرج " سنفرغ لكم " بفتح النون والراء ، قال الكسائي ; هي لغة تميم يقولون ; فرغ يفرغ ، وحكى أيضا فرغ يفرغ ورواهما هبيرة عن حفص عن عاصم . وروى الجعفي عن أبي عمرو " سيفرغ " بفتح الياء والراء ، ورويت عن ابن هرمز . وروي عن عيسى الثقفي " سنفرغ لكم " بكسر النون وفتح الراء ، وقرأ حمزة والكسائي " سيفرغ لكم " بالياء . الباقون بالنون وهي لغة تهامة . . والثقلان الجن والإنس ، سميا بذلك لعظم شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من غيرهما بسبب التكليف - وقيل ; سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا ، قال الله تعالى ; وأخرجت الأرض أثقالها ومنه قولهم ; أعطه ثقله أي وزنه . وقال بعض أهل المعاني ; كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل . ومنه قيل لبيض النعام ثقل ، لأن واجده وصائده يفرح به إذا ظفر به . وقال جعفر الصادق ; سميا ثقلين ، لأنهما مثقلان بالذنوب . وقال ; سنفرغ لكم فجمع ، ثم قال ; أيه الثقلان لأنهما فريقان وكل فريق جمع ، وكذا قوله تعالى ; يا معشر الجن والإنس إن استطعتم ولم يقل إن استطعتما ، لأنهما فريقان في حال الجمع ، كقوله تعالى ; فإذا هم فريقان يختصمون و هذان خصمان اختصموا في ربهم ولو قال ; سنفرغ لكما ، وقال ; إن استطعتما لجاز . وقرأ أهل الشام " أيه الثقلان " بضم الهاء . الباقون بفتحها وقد تقدم .مسألة ; هذه السورة و " الأحقاف " و " قل أوحي " دليل على أن الجن مخاطبون [ ص; 155 ] مكلفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء ، مؤمنهم كمؤمنهم ، وكافرهم ككافرهم ، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى ; سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ (31)اختلفت القرّاء في قراءة قوله; ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين (سَنَفَرغُ لَكُمْ ) بالنون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ( سَيَفرغ لَكُمْ ) بالياء، وفتحها ردّا على قوله; يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، ولم يقل ; يسألنا من في السموات، فأتبعوا الخبر الخبر.والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.وأما تأويله ; فإنه وعيد من الله لعباده وتهدد، كقول القائل الذي يتهدّد غيره ويتوعده، ولا شغل له يشغله عن عقابه، لأتفرغنّ لك، وسأتفرّغ لك، بمعنى; سأجدّ في أمرك وأعاقبك، وقد يقول القائل للذي لا شغل له; قد فرغت لي، وقد فرغت لشتمي; أي أخذت فيه، وأقبلت عليه، وكذلك قوله جلّ ثناؤه; (سَنَفْرغُ لَكُمْ ); سنحاسبكم، ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجنّ، فنعاقب أهل المعاصي، ونثيب أهل الطاعة.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ )، قال; وَعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه تلا( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ) قال; دنا من الله فراغ لخلقه.حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن جُويبر، عن الضحاك ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ )، قال; وعيد، وقد يحتمل أن يوجه معنى ذلك إلى; سنفرغ لكم من وعدناكم ما وعدناكم من الثواب والعقاب.
{ سَنَفْرُغُ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي: سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم التي عملتموها في دار الدنيا.
(لكم) متعلّق بـ (سنفرغ) ،
(أيّها) منادى نكرة مقصودة مبنيّ في محلّ نصبـ (فبأي ... ) مثل الأولى جملة: «سنفرغ لكم ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «أيّها الثقلان ... » لا محلّ لها استئنافيّة
- القرآن الكريم - الرحمن٥٥ :٣١
Ar-Rahman55:31