بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ
بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٌ لَّا يَبۡغِيٰنِۚ
تفسير ميسر:
خلط الله ماء البحرين - العذب والملح- يلتقيان. بينهما حاجز، فلا يطغى أحدهما على الآخر، ويذهب بخصائصه، بل يبقى العذب عذبًا، والملح ملحًا مع تلاقيهما.
أي وجعل بينهما برزخا وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا وهذا على هذا فيفسد كل واحد منهما الآخر ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخا وحجرا محجورا.
بينهما برزخ أي حاجز ، فعلى القول الأول ما بين السماء والأرض ؛ قاله الضحاك . وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما وهي الحجاز ؛ قاله الحسن وقتادة . وعلى غيرهما من الأقوال ; القدرة الإلهية على ما تقدم في ( الفرقان ) . وفي الخبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى كلم الناحية الغربية فقال ; إني جاعل فيك عبادا لي يسبحونني ويكبرونني ويهللونني ويمجدونني فكيف أنت لهم ؟ فقالت ; أغرقهم يا رب . قال ; إني أحملهم على يدي ، وأجعل بأسك في نواحيك . ثم كلم الناحية الشرقية فقال ; إني جاعل فيك عبادا لي يسبحونني ويكبرونني ويهللونني ويمجدونني فكيف أنت لهم ؟ قالت ; أسبحك معهم إذا سبحوك ، وأكبرك معهم إذا كبروك ، وأهللك معهم إذا هللوك ، وأمجدك معهم إذا مجدوك ، فأثابها الله الحلية وجعل بينهما برزخا ، وتحول أحدهما ملحا أجاجا ، وبقي الآخر على حالته عذبا فراتا ذكر هذا الخبر الترمذي الحكيم أبو عبد الله قال ; حدثنا صالح بن محمد ، حدثنا القاسم العمري عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة .لا يبغيان قال قتادة ; لا يبغيان على الناس فيغرقانهم ، جعل بينهما وبين الناس يبسا . وعنه أيضا ومجاهد ; لا يبغي أحدهما على صاحبه فيغلبه . ابن زيد ; المعنى لا يبغيان أن يلتقيا ، وتقدير الكلام ; مرج البحرين يلتقيان ، لولا البرزخ الذي بينهما لا يبغيان أن يلتقيا . وقيل ; البرزخ ما بين الدنيا والآخرة ، أي بينهما مدة قدرها الله وهي مدة الدنيا فهما لا يبغيان ، فإذا أذن الله في انقضاء الدنيا صار البحران شيئا واحدا ، وهو كقوله تعالى ; وإذا البحار فجرت . وقال سهل بن عبد الله ; البحران طريق الخير والشر ، والبرزخ الذي بينهما التوفيق والعصمة .
وقوله; ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ )، يقول تعالى ذكره; بينهما حاجز وبعدٌ، لا يُفسد أحدهما صاحبه فيبغي بذلك عليه، وكل شيء كان بين شيئين فهو برزخ عند العرب، وما بين الدنيا والآخرة برزخ.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ); لا يبغي أحدهما على صاحبه.قال; ثنا يحيى بن واضح، قال; ثنا فطر، عن مجاهد، قوله; ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ) قال; بينهما حاجز من الله، لا يبغي أحدهما على الآخر.حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ) يقول; حاجز.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ )، والبرزخ ; هذه الجزيرة، هذا اليبَس.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال; البرزخ الذي بينهما; الأرض التي بينهما.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا محمد بن مروان، قال; ثنا أبو العوّام، عن قتادة ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ) قال; حُجِز المالح عن العذب، والعذب عن المالح، والماء عن اليبس، واليبس عن الماء، فلا يبغي بعضه على بعض بقوتّه ولطفه وقُدرته.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ) قال; منعهما أن يلتقيا بالبرزخ الذي جعل بينهما من الأرض. قال; والبرزخ بعد الأرض الذي جعل بينهما.واختلف أهل التأويل في معنى قوله; ( لا يَبْغِيانِ ) فقال بعضهم; معنى ذلك; لا يبغي أحدهما على صاحبه.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا يعقوب، عَن جعفر، عن ابن أبزى ( لا يَبْغِيانِ ) ; لا يبغي أحدهما على صاحبه.قال; ثنا يحيى بن واضح، قال; ثنا فطر، عن مجاهد، مثله.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا محمد بن مروان، قال; ثنا أبو العوّام، عن قتادة مثله.وقال آخرون ; بل معنى ذلك; أنهما لا يختلطان.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعا، عن ابن &; 23-32 &; أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( لا يَبْغِيانِ ) قال; لا يختلطان.وقال آخرون ; بل معنى ذلك; لا يبغيان على اليَبَس.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( لا يَبْغِيانِ ); على اليبس، وما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي، فحجز أحدهما عن صاحبه بقدرته ولطفه وجلاله تبارك وتعالى.وقال آخرون ; بل معناه; لا يبغيان أن يلتقيا.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله; ( لا يَبْغِيانِ ) قال; لا يبغي أحدهما أن يلتقي مع صاحبه.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال; إن الله وصف البحرين اللذين ذكرهما في هذه الآية أنهما لا يبغيان، ولم يخصص وصفهما في شيء دون شيء، بل عمّ الخبر عنهما بذلك، فالصواب أن يُعَمَّ كما عمّ جلّ ثناؤه، فيقال; إنهما لا يبغيان على شيء، ولا يبغي أحدهما على صاحبه، ولا يتجاوزان حدّ الله الذي حدّه لهما.
ولكن الله تعالى جعل بينهما برزخا من الأرض، حتى لا يبغي أحدهما على الآخر، ويحصل النفع بكل منهما، فالعذب منه يشربون وتشرب أشجارهم وزروعهم، والملح به يطيب الهواء ويتولد الحوت والسمك، واللؤلؤ والمرجان، ويكون مستقرا مسخرا للسفن والمراكب.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة