خُشَّعًا أَبْصٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ
خُشَّعًا اَبۡصَارُهُمۡ يَخۡرُجُوۡنَ مِنَ الۡاَجۡدَاثِ كَاَنَّهُمۡ جَرَادٌ مُّنۡتَشِرٌۙ
تفسير ميسر:
ذليلة أبصارهم يخرجون من القبور كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم للحساب جرادٌ منتشر في الآفاق، مسرعين إلى ما دُعُوا إليه، يقول الكافرون; هذا يوم عسر شديد الهول.
"خشعا أبصارهم" أى ذليلة أبصارهم "يخرجون من الأجداث" وهي القبور "كأنهم جراد منتشر" أي كأنهم فى انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب إجابة للداعي جراد منتشر في الآفاق.
خشعا أبصارهم الخشوع في البصر الخضوع والذلة ، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن أثر العز والذل يتبين في ناظر الإنسان ; قال الله تعالى ; أبصارها خاشعة وقال تعالى ; خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي . ويقال ; خشع واختشع إذا ذل . وخشع ببصره أي غضه . وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو " خاشعا " بالألف ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد ، نحو ; " خاشعا أبصارهم " والتأنيث نحو ; خاشعة أبصارهم ويجوز الجمع نحو ; خشعا أبصارهم ، قال الحارث بن دوس الإيادي ;وشباب حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد[ ص; 120 ] و " خشعا " جمع خاشع والنصب فيه على الحال من الهاء والميم في " عنهم " فيقبح الوقف على هذا التقدير على " عنهم " . ويجوز أن يكون حالا من المضمر في " يخرجون " فيوقف على عنهم . وقرئ " خشع أبصارهم " على الابتداء والخبر ، ومحل الجملة النصب على الحال ، كقوله ;وجدته حاضراه الجود والكرميخرجون من الأجداث أي ; القبور واحدها جدث .كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي وقال في موضع آخر ; يوم يكون الناس كالفراش المبثوث فهما صفتان في وقتين مختلفين ; أحدهما ; عند الخروج من القبور ، يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون ، فيدخل بعضهم في بعض ; فهم حينئذ كالفراش المبثوث بعضه في بعض لا جهة له يقصدها ، الثاني ; فإذا سمعوا المنادي قصدوه فصاروا كالجراد المنتشر ; لأن الجراد له جهة يقصدها .
القول في تأويل قوله تعالى ; خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)( خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ ) يقول; ذليلة أبصارهم خاشعة, لا ضرر بها( يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ ) وهي جمع جدث, وهي القبور, وإنما وصف جلّ ثناؤه بالخشوع الأبصار دون سائر أجسامهم, والمراد به جميع أجسامهم, لأن أثر ذلة كل ذليل, وعزّة كل عزيز, تتبين في ناظريه دون سائر جسده, فلذلك خصّ الأبصار بوصفها بالخشوع.وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله; ( خَاشِعًا أَبْصَارُهُمْ ); أي ذليلة أبصارهم.واختلفت القرّاء في قراءة قوله; ( خَاشِعًا أَبْصَارُهُمْ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض المكيين الكوفيين ( خُشَّعًا ) بضم الخاء وتشديد الشين, بمعنى خاشع; وقرأه عامة قرّاء الكوفة وبعض البصريين ( خَاشِعًا أَبْصَارُهُمْ ) بالألف على التوحيد اعتبارا بقراءة عبد الله, وذلك أن ذلك في قراءة عبد الله ( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ ), وألحقوه وهو بلفظ الاسم في التوحيد, إذ كان صفة بحكم فَعَلَ ويَفْعَل في التوحيد إذا تقدّم الأسماء, كما قال الشاعر;وشَـــبابٍ حَسَـــنٍ أوْجُـــهُهمْمِــنْ إيــادِ بـنِ نـزارِ بْـنِ مَعَـد (1)فوحد حَسَنا وهو صفة للأوجه, وهي جمع; وكما قال الآخر;يَـرْمي الفِجـاجَ بِهـا الرُّكبانَ مُعْترِضًاأعْنـاقَ بُزَّلِهـا مُرْخَـى لَهـا الجُـدُلُ (2)فوحد معترضا, وهي من صفة الأعناق, والجمع والتأنيث فيه جائزان على ما بيَّنا.وقوله ( كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ) يقول تعالى ذكره; يخرجون من قبورهم كأنهم في انتشارهم وسعيهم إلى موقف الحساب جراد منتَشر.----------------------الهوامش ;(1) البيت للحارس بن دوس الإيادي ، ويروى لأبي داود الإيادي ، ( هامش القرطبي 17 ; 129 ) والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 317 ) قال ; إذا تقدم الفعل قبل اسم مؤنث ، وهو له ، أو قبل جمع مؤنث مثل الأنصار والأعمار وما أشبهها جاز تأنيث الفعل وتذكيره وجمعه ، وقد أتى بذلك في هذا الحرف ، فقرأه ابن عباس ; " خاشعا أبصارهم " حدثني بذلك هشيم وأبو معاوية ، عن وائل بن داود ، عن مسلم بن يسار ، عن ابن عباس ، أنه قراه " خاشعا " . قال ; وحدثني هشيم ، عن عوف الأعرابي ، عن الحسن وأبي رجاء العطاردي ; أن أحدهما قال ; " خاشعا " والآخر ; " خشعا " قال الفراء ; وهي في قراءة عبد الله ( ابن مسعود ) ; " خاشعة أبصارهم " . وقرأ الناس بعد ; " خشعا أبصارهم " ، وقد قال الشاعر ; " وشباب حسن ... " البيت .(2) وهذا الشاهد كذلك من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 317 ) على أنه إذا تقدم الفعل وشبهه قبل اسم مؤنث ( جمع تكسير ) مثل الأنصار والأعمار وما أشبهها جاز تأنيث الفعل وتذكيره وجمعه . وقال الفراء تعليقًا على هذا البيت ; الجدل ; جمع الجديل ; وهو الزمام . فلو قال معترضات أو معترضة ، لكان صوابا ، ومرخاة ومرخيات أ . هـ .
{ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ } أي: من الهول والفزع الذي وصل إلى قلوبهم، فخضعت وذلت، وخشعت لذلك أبصارهم.{ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ } وهي القبور، { كَأَنَّهُمْ } من كثرتهم، وروجان بعضهم ببعض { جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } أي: مبثوث في الأرض، متكاثر جدا،
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة