تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ
تَنۡزِعُ النَّاسَۙ كَاَنَّهُمۡ اَعۡجَازُ نَخۡلٍ مُّنۡقَعِرٍ
تفسير ميسر:
إنَّا أرسلنا عليهم ريحًا شديدة البرد، في يوم شؤم مستمر عليهم بالعذاب والهلاك، تقتلع الناس من مواضعهم على الأرض فترمي بهم على رؤوسهم، فتدق أعناقهم، ويفصل رؤوسهم عن أجسادهم، فتتركهم كالنخل المنقلع من أصله.
وذلك أن الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه على أم رأسه فيسقط إلى الأرض فتثلغ رأسه فيبقى جثة بلا رأس ولهذا قال " كأنهم أعجاز نخل فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".
تنزع الناس في موضع الصفة للريح أي تقلعهم من مواضعهم . قيل ; قلعتهم من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها . وقال مجاهد ; كانت تقلعهم من الأرض ، فترمي بهم على رءوسهم فتندق أعناقهم وتبين رءوسهم عن أجسادهم . وقيل ; تنزع الناس من البيوت . وقال محمد بن كعب عن أبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم ; انتزعت الريح الناس من قبورهم . وقيل ; حفروا حفرا ودخلوها فكانت الريح تنزعهم منها وتكسرهم ، وتبقي تلك الحفر كأنها أصول نخل قد هلك ما كان فيها فتبقى مواضعها منقعرة . يروى أن سبعة منهم حفروا حفرا وقاموا فيها ليردوا الريح . قال ابن إسحاق ; لما هاجت الريح قام نفر سبعة من عاد سمي لنا منهم ستة من أشد عاد وأجسمها ، منهم ; عمرو بن الحلي والحارث بن شداد والهلقام وابنا تقن وخلجان بن سعد فأولجوا العيال في شعب بين جبلين ، ثم اصطفوا على باب الشعب ليردوا الريح عمن في الشعب من العيال ، فجعلت الريح تجعفهم رجلا رجلا ، فقالت امرأة من عاد ; ذهب الدهر بعمرو ب ن حلي والهنيات ثم بالحرث والهلقام طلاع الثنيات والذي سد مهب الريح أيام البليات الطبري ; في الكلام حذف ، والمعنى تنزع الناس فتتركهم كأنهم أعجاز نخل منقعر ; فالكاف في موضع نصب بالمحذوف . الزجاج ; الكاف في موضع نصب على الحال ، والمعنى تنزع الناس والمعنى تنزع الناس مشبهين بأعجاز نخل . والتشبيه قيل إنه للحفر التي كانوا فيها . والأعجاز جمع عجز وهو مؤخر الشيء ، وكانت عاد موصوفين بطول القامة ، فشبهوا بالنخل انكبت لوجوهها .وقال ; أعجاز نخل منقعر للفظ النخل وهو من الجمع الذي يذكر ويؤنث . والمنقعر ; المنقلع من أصله ; قعرت الشجرة قعرا قلعتها من أصلها فانقعرت . الكسائي ; [ ص; 126 ] قعرت البئر أي نزلت حتى انتهيت إلى قعرها ، وكذلك الإناء إذا شربت ما فيه حتى انتهيت إلى قعره . وأقعرت البئر جعلت لها قعرا . وقال أبو بكر بن الأنباري ; سئل المبرد بحضرة إسماعيل القاضي عن ألف مسألة هذه من جملتها ، فقيل له ; ما الفرق بين قوله تعالى ; ولسليمان الريح عاصفة و جاءتها ريح عاصف ، وقوله ; كأنهم أعجاز نخل خاوية و أعجاز نخل منقعر ؟ فقال ; كل ما ورد عليك من هذا الباب فإن شئت رددته إلى اللفظ تذكيرا ، أو إلى المعنى تأنيثا . وقيل ; إن النخل والنخيل بمعنى ، يذكر ويؤنث ، كما ذكرنا .
وقوله ( تَنزعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ) يقول; تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رءوسهم, فتندقّ رقابهم, وتبين من أجسامهم.كما حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال; لما هاجت الريح قام نفر من عاد سبعة شَماليَّا, منهم ستة من أشدّ عاد وأجسمها, منهم عمرو بن الحُلَيِّ والحارث بن شداد والهلقام وابنا تيقن وخَلَجان بن أسعد, فأدلجوا العيال في شعب بين جبلين, ثم اصطفوا على باب الشعب ليردّوا الريح عمن بالشِّعب من العِيال, فجعلت الريح تخفقُهم رجلا رجلا فقالت امرأة من عاد;ذَهَـــبَ الدَّهْـــرُ بعَمْـــرِو بْنِ حُــــــلَيٍّ والهَنيَّــــــاتِثُــــمَّ بالحــــارِثِ والهِـــلْقــــامِ طَــــلاعِ الثَّنيَّـــاتِوَالَّـــذِي سَـــدَّ عَلَيْنــا الــرّيـــــحَ أيَّــــامَ البَلِيَّــــاتِ (4)حدثنا العباس بن الوليد البيروتي, قال; أخبرني أبي, قال; ثني إسماعيل بن عياش, عن محمد بن إسحاق قال; لما هبَّت الريح قام سبعة من عاد, فقالوا; نردّ الريح, فأتوا فم الشعب الذي يأتي منه الريح, فوقفوا عليه, فجعلت الريح تهبّ, فتدخل تحت واحد واحد, فتقتلعه من الأرض فترمي به على رأسه, فتندقّ رقبته, ففعلت ذلك بستة منهم, وتركتهم كما قال الله ( أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ) وبقي الخلجان فأتى هودا فقال; يا هود ما هذا الذي أرى في السحاب كهيئة البخاتيّ؟ قال; تلك ملائكة ربي, قال; ما لي إن أسلمت ؟ قال; تَسْلَم, قال; أيُقيدني ربك إن أسلمت من هؤلاء؟ فقال; ويلك أرأيت ملكا يقيد جنوده؟ فقال; وعزّته لو فعل ما رضيت. قال; ثم مال إلى جانب الجبل, فأخذ بركن منه فهزّه, فاهتز في يده, ثم جعل يقول;لَــمْ يَبْــقَ إلا الخَلَجــانُ نَفْسُــهُيــا لَــكَ مِــنْ دَهــانِي أمْسُـهُبِثــابِتِ الــوَطْءِ شَــدِيدٍ وَطْسُـهُلَــوْ لَــمْ يَجِــئْني جِئْتُـهُ أحُسُّـهُ (5)قال; ثم هبت الريح فألحقته بأصحابه.حدثني محمد بن إبراهيم, قال; ثنا مسلم بن إبراهيم, قال; ثنا نوح بن قيس, قال; ثنا محمد بن سيف, عن الحسن, قال; لما أقبلت الريح قام إليها قوم عاد, فأخذ بعضهم بأيدي بعض كما تفعل الأعاجم, وغمزوا أقدامهم في الأرض وقالوا; يا هود من يزيل أقدامنا عن الأرض إن كنت صادقا, فأرسل الله عليهم الريح فصيرتهم كأنهم أعجاز نخل مُنْقَعر.حدثني محمد بن إبراهيم, قال; ثنا مسلم, قال; ثنا نوح بن قيس, قال; ثنا أشعث بن جابر, عن شهر بن حوشب, عن أبي هريرة, قال; إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراعين من حجارة, لو اجتمع عليها خمس مئة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يحملوها, وإن كان الرجل منهم ليغمز قدمه في الأرض, فتدخل في الأرض, وقال; " كأنهم أعجاز نخل " ; ومعنى الكلام; فيتركهم كأنهم أعجاز نخل منقعر, فترك ذكر فيتركهم استغناء بدلالة الكلام عليه. وقيل; إنما شبههم بأعجاز نخل منقعر, لأن رءوسهم كانت تبين من أجسامهم, فتذهب لذلك رِقابهم, وتبقى أجسادهم.* ذكر من قال ذلك;حدثنا الحسن بن عرفة, قال; ثنا خلف بن خليفة, عن هلال بن خباب عن مجاهد, في قوله ( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ) قال; سقطت رءوسهم كأمثال الأخبية, وتفرّدت, أو وتَفَرّقت أعناقهم وقال " أبو جعفر; أنا أشك ", فشبهها بأعجاز نخل منقعر.حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( تَنزعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ) قال; هم قوم عاد حين صرعتهم الريح, فكأنهم فلق نخل منقعر .---------------------الهوامش ;(4) هذه الأبيات لامرأة من عاد قوم هود عليه السلام ( هامش القرطبي 17 ; 136 ) . وقد ذكر المؤلف الأبيات في قصة عاد حينما سلط الله عليهم الريح . والله أعلم بمن قالها وبمن رواها . وقوله ( علينا ) . زيادة لإصلاح الوزن ، وهي ساقطة من الأصل .(5) وهذان البيتان من الأشعار التي رواها أهل القصص في قصة هلاك عاد قوم هود بالريح . وقد أوردها الثعلبي المفسر في كتابه قصص الأنبياء المشهور بعرائس المجالس ص 64 من طبعة الحلبي أ . هـ.
{ تَنْزِعُ النَّاسَ } من شدتها، فترفعهم إلى جو السماء، ثم تدفعهم بالأرض فتهلكهم، فيصبحون { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } أي: كأن جثثهم بعد هلاكهم مثل جذوع النخل الخاوي الذي أصابته الريح فسقط على الأرض، فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة