إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ
اِنَّاۤ اَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيۡحًا صَرۡصَرًا فِىۡ يَوۡمِ نَحۡسٍ مُّسۡتَمِرٍّۙ
تفسير ميسر:
إنَّا أرسلنا عليهم ريحًا شديدة البرد، في يوم شؤم مستمر عليهم بالعذاب والهلاك، تقتلع الناس من مواضعهم على الأرض فترمي بهم على رؤوسهم، فتدق أعناقهم، ويفصل رؤوسهم عن أجسادهم، فتتركهم كالنخل المنقلع من أصله.
وأنه تعالى أرسل "عليهم ريحا صرصرا " وهي الباردة الشديدة البرد "فى يوم نحس" أي عليهم قاله الضحاك وقتادة والسدي "مستمر" عليهم نحسه ودماره لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي.
إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا أي شديدة البرد ; قاله قتادة والضحاك . وقيل ; شديدة الصوت . وقد مضى في ( حم السجدة ) .في يوم نحس مستمر أي في يوم كان مشئوما عليهم . وقال ابن عباس ; أي في يوم كانوا يتشاءمون به . الزجاج ; قيل في يوم أربعاء . ابن عباس ; كان آخر أربعاء في الشهر أفنى صغيرهم وكبيرهم . وقرأ هارون الأعور " نحس " بكسر الحاء وقد مضى القول فيه في فصلت في أيام نحسات . و في يوم نحس مستمر أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه ، واستمر عليهم فيه العذاب إلى الهلاك . وقيل ; استمر بهم إلى نار جهنم . وقال الضحاك ; كان مرا عليهم . وكذا حكى الكسائي أن قوما قالوا هو من المرارة ; يقال ; مر الشيء وأمر أي كان كالشيء المر تكرهه النفوس . وقد قال ; فذوقوا والذي يذاق قد يكون مرا . وقد قيل ; هو من المرة بمعنى القوة . أي في يوم نحس مستمر مستحكم الشؤم كالشيء المحكم الفتل الذي لا يطاق نقضه . فإن قيل ; فإذا كان يوم الأربعاء يوم نحس مستمر فكيف يستجاب فيه الدعاء ؟ وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم استجيب له فيه فيما بين الظهر والعصر . وقد مضى في ( البقرة ) حديث جابر بذلك . فالجواب - والله أعلم - ما جاء في خبر يرويه مسروق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ; أتاني جبريل فقال ; إن الله يأمرك أن تقضي باليمين مع الشاهد وقال ; يوم الأربعاء يوم نحس مستمر ومعلوم أنه لم يرد بذلك أنه نحس على الصالحين ، بل أراد أنه نحس على الفجار والمفسدين ; كما كانت الأيام النحسات المذكورة في القرآن نحسات على الكفار من قوم عاد لا على نبيهم والمؤمنين به منهم ، وإذا كان كذلك لم يبعد أن يمهل [ ص; 125 ] الظالم من أول يوم الأربعاء إلى أن تزول الشمس ، فإذا أدبر النهار ولم يحدث رجعة استجيب دعاء المظلوم عليه ، فكان اليوم نحسا على الظالم ; ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان على الكفار ، وقول جابر في حديثه ; " لم ينزل بي أمر غليظ " إشارة إلى هذا . والله أعلم .
وقوله ( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا ) يقول تعالى ذكره; إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحا صرصرا, وهي الشديدة العصوف في برد, التي لصوتها صرير, وهي مأخوذة من شدة صوت هبوبها إذا سمع فيها كهيئة قول القائل; صرّ, فقيل منه; صرصر, كما قيل; فكبكبوا فيها, من فكبوا, ونَهْنَهْتَ من نَهَهْتَ.وبنحو الذي قلتا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( رِيحًا صَرْصَرًا ) قال; ريحا باردة.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا ) والصَّرصر; الباردة.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال; الصَّرصر; الباردة.حُدثت عن الحسين, قال; سمعت أبا مُعاذ يقول; ثنا عبيد, قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( رِيحًا صَرْصَرًا ) باردة.حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان ( رِيحًا صَرْصَرًا ) قال; شديدة, والصرصر; الباردة.حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( رِيحًا صَرْصَرًا ) قال; الصرصر; الشديدة.وقوله ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) يقول; في يوم شرّ وشؤم لهم.وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال; النَّحْس; الشؤم.حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ ) قال النحس; الشرّ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ ) في يوم شرّ.وقد تأوّل ذلك آخرون بمعنى شديد, ومن تأوّل ذلك كذلك فإنه يجعله من صفة اليوم, ومن جعله من صفة اليوم, فإنه ينبغي أن يكون قراءته بتنوين اليوم, وكسر الحاء من النحْس, فيكون ( فِي يَوْمٍ نَحِسٍ ) كما قال جلّ ثناؤه فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ ولا أعلم أحدا قرأ ذلك كذلك في هذا الموضع, غير أن الرواية التي ذكرت في تأويل ذلك عمن ذكرت عنه على ما وصفنا تدلّ على أن ذلك كان قراءة.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ ) قال; أيام شداد.وحُدثت عن الحسين, قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد, قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ ) يوم شديد.وقوله ( مُسَتَمِرٍّ ) يقول; في يوم شرّ وشؤم, استمرّ بهم البلاء والعذاب فيه إلى أن وافي بهم جهنم.كما حدثنا بشر, قال;. ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) يستمرّ بهم إلى نار جهنم.
فأرسل الله عليهم { رِيحًا صَرْصَرًا } أي: شديدة جدا، { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } أي: شديد العذاب والشقاء عليهم، { مُسْتَمِرٍّ } عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة