الرسم العثمانيوَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلٰى
الـرسـم الإمـلائـيوَهُوَ بِالۡاُفُقِ الۡاَعۡلٰى
تفسير ميسر:
علَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم مَلَك شديد القوة، ذو منظر حسن، وهو جبريل عليه السلام، الذي ظهر واستوى على صورته الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم في الأفق الأعلى، وهو أفق الشمس عند مطلعها، ثم دنا جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم، فزاد في القرب، فكان دنوُّه مقدار قوسين أو أقرب من ذلك. فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى بواسطة جبريل عليه السلام. ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره.
يعني جبريل استوى في الأفق الأعلى. قاله عكرمة وغير واحد. قال عكرمة; والأفق الأعلى الذي يأتي منه الصبح وقال مجاهد هو مطلع الشمس وقال قتادة هو الذي يأتي منه النهار وكذا قال ابن زيد وغيرهم وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا مصرف بن عمرو اليامي أبو القاسم حدثنا عبدالرحمن بن محمد بن طلحة بن مصرف حدثني أبي عن الوليد هو ابن قيس عن إسحق بن أبي الكهتلة أظنه ذكره عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل في صورته إلا مرتين أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد فذلك قوله "وهو بالأفق الأعلى" وقد قال ابن جرير ههنا قولا لم أره لغيره ولا حكاه هو عن أحد وحاصله; أنه ذهب إلى أن المعنى فاستوى أي هذا الشديد القوى ذو المرة هو ومحمد صلى الله عليه وسلم بالأفق الأعلى أي استويا جميعا بالأفق الأعلى وذلك ليلة الإسراء كذا قال ولم يوافقه أحد على ذلك ثم شرع يوجه ما قاله من حيث العربية فقال وهو كقوله "أئذا كنا ترابا وآباؤنا" فعطف بالآباء على المكنى في كنا من غير إظهار نحن فكذلك قوله فاستوى وهو قال وذكر الفراء عن بعض العرب أنه أنشده; ألم تر أن النبع يصلب عوده ولايستوي والخروع المتقصف وهذا الذي قاله من جهة العربية متجه ولكن لا يساعده المعنى على ذلك فإن هذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة الإسراء بل قبلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض.
قوله تعالى ; وهو بالأفق الأعلى جملة في موضع الحال ، والمعنى فاستوى عاليا ، أي ; استوى جبريل عاليا على صورته ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يراه عليها حتى سأله إياها على ما ذكرنا . والأفق ناحية السماء وجمعه آفاق . وقال قتادة ; هو الموضع الذي تأتي منه الشمس . وكذا قال سفيان ; هو الموضع الذي تطلع منه الشمس . ونحوه عن مجاهد . ويقال ; أفق وأفق مثل عسر وعسر . وقد مضى في " حم السجدة " . وفرس أفق بالضم أي رائع وكذلك الأنثى ; قال الشاعر [ عمرو بن قنعاس المرادي ] ;أرجل لمتي وأجر ذيلي وتحمل شكتي أفق كميتوقيل ; وهو أي ; النبي صلى الله عليه وسلم بالأفق الأعلى يعني ليلة الإسراء وهذا ضعيف ; لأنه يقال ; استوى هو وفلان ، ولا يقال استوى وفلان إلا في ضرورة الشعر . والصحيح استوى جبريل عليه السلام وجبريل بالأفق الأعلى على صورته الأصلية ; لأنه كان يتمثل للنبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بالوحي في صورة رجل ، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يراه على صورته الحقيقية ، فاستوى في أفق المشرق فملأ الأفق .
وقوله ( فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ) يقول; فاستوى هذا الشديد القويّ وصاحبكم محمد بالأفق الأعلى, وذلك لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم استوى هو وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الأعلى, وهو الأفق الأعلى, وعطف بقوله; " وَهُوَ" على ما في قوله; " فاسْتَوَى " من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم , والأكثر من كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه, فيقولوا; استوى هو وفلان, وقلَّما يقولون استوى وفلان، وذكر الفرّاء عن بعض العرب أنه أنشده;ألَــمْ تَـرَ أنَّ النَّبْـعَ يَصْلُـبُ عـودُهُوَلا يَسْــتَوي والخِـرْوَعُ المُتَقَصِّـفُ (3)فرد الخروع على " ما " في يستوي من ذكر النبع, ومنه قوله الله أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا فعطف بالآباء على المكنّى في كُنَّا من غير إظهار نحن, فكذلك قوله ( فَاسْتَوَى وَهُوَ ) , وقد قيل; إن المستوي; هو جبريل, فإن كان ذلك كذلك, فلا مُؤْنة في ذلك, لأن قوله ( وَهُوَ ) من ذكر اسم جبريل, وكأن قائل ذلك وجَّه معنى قوله ( فَاسْتَوَى ) ; أي ارتفع واعتدل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) جبريل عليه السلام وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;-------------------الهوامش ;(3) هذا البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 314 ) وفي روايته " يخلق " في مكان " يصلب " . والخروع ; شجرة لينة الأغصان ، تتقصف أفنانها للينها ، ومن ثمرها يستخرج زيت الخروع الذي يستعمل في أغراض طبية وصناعية . والنبع شجر صلب ينبت في أعالي الجبال ، تتخذ من خشبه القسي والسهام . وبينه وبين الخروع بون بعيد في صلابة العود . واستشهد الفراء بالبيت عند قوله تعالى " فاستوى وهو بالأفق الأعلى " أي استوى ( هو ) أي جبريل ، وهو أي محمد صلى الله عليه وسلم بالأفق الأعلى ، وعطف هو البارز على هو المستتر ، فأضمر الاسم في استوى ، ورد عليه هو ، قال ; وأكثر كلام العرب أن يقولوا ; استوى هو وأبوه ؛ ولا يكادون يقولون ; استوى وأبوه ، وهو جائز لأن في الفعل مضمرا ؛ أنشدني بعضهم ; " ألم تر أن النبع ... البيت " . وقال الله وهو أصدق قيلا ; (أئذا كنا ترابا وآباؤنا ) فرد الآباء على المضمر في كنا ، إلا أنه حسن لما حيل بينهما بالتراب ، والكلام ; أئذا كنا ترابا نحن وآباؤنا أ . هـ .
{ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى } أي: أفق السماء الذي هو أعلى من الأرض، فهو من الأرواح العلوية، التي لا تنالها الشياطين ولا يتمكنون من الوصول إليها.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - النجم٥٣ :٧
An-Najm53:7