أَفَرَءَيْتَ الَّذِى تَوَلّٰى
اَفَرَءَيۡتَ الَّذِىۡ تَوَلّٰىۙ
تفسير ميسر:
أفرأيت -أيها الرسول- الذي أعرض عن طاعة الله وأعطى قليلا مِن ماله، ثم توقف عن العطاء وقطع معروفه؟
يقول تعالى ذاما لمن تولى عن طاعة الله "فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى".
قوله تعالى ; أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى الآيات . لما بين جهل المشركين في عبادة الأصنام ذكر واحدا منهم معينا بسوء فعله . قال مجاهد وابن زيد ومقاتل ; [ ص; 103 ] نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بعض المشركين ، وقال ; لم تركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار ؟ قال ; إني خشيت عذاب الله ; فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل ومنعه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مقاتل ; كان الوليد مدح القرآن ثم أمسك عنه فنزل ; وأعطى قليلا أي من الخير بلسانه وأكدى أي قطع ذلك وأمسك عنه . وعنه أنه أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد الإيمان ثم تولى فنزلت ; أفرأيت الذي تولى الآية . وقال ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك ; نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يتصدق وينفق في الخير ، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح ; ما هذا الذي تصنع ؟ يوشك ألا يبقى لك شيء . فقال عثمان ; إن لي ذنوبا وخطايا ، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه ! فقال له عبد الله ; أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها . فأعطاه وأشهد عليه ، وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة فأنزل الله تعالى ; أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله ؛ ذكر ذلك الواحدي والثعلبي . وقال السدي أيضا ; نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وذلك أنه كان ربما يوافق النبي صلى الله عليه وسلم . وقال محمد بن كعب القرظي ; نزلت في أبي جهل بن هشام ، قال ; والله ما يأمر محمد إلا بمكارم الأخلاق ; فذلك قوله تعالى ; وأعطى قليلا وأكدى . وقال الضحاك ; هو النضر بن الحارث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد عن دينه ، وضمن له أن يتحمل عنه مأثم رجوعه . وأصل " أكدى " من الكدية ، يقال لمن حفر بئرا ثم بلغ إلى حجر لا يتهيأ له فيه حفر ; قد أكدى ، ثم استعملته العرب لمن أعطى ولم يتمم ، ولمن طلب شيئا ولم يبلغ آخره . وقال الحطيئة ;فأعطى قليلا ثم أكدى عطاءه ومن يبذل المعروف في الناس يحمدقال الكسائي وغيره ; أكدى الحافر وأجبل إذا بلغ في حفره كدية أو جبلا فلا يمكنه أن يحفر . وحفر فأكدى إذا بلغ إلى الصلب . ويقال ; كديت أصابعه إذا كلت من الحفر . وكديت يده إذا كلت فلم تعمل شيئا . وأكدى النبت إذا قل ريعه ، وكدت الأرض تكدو كدوا وكدوا فهي [ ص; 104 ] كادية إذا أبطأ نباتها ، عن أبى زيد . وأكديت الرجل عن الشيء رددته عنه . وأكدى الرجل إذا قل خيره . وقوله ; وأعطى قليلا وأكدى أي قطع القليل .
القول في تأويل قوله تعالى ; إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ رَبَّكَ ) يا محمد ( وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) ; واسع عفوه للمذنبين الذين لم تبلغ ذنوبهم الفواحش وكبائر الإثم. وإنما أعلم جلّ ثناؤه بقوله هذا عباده أنه يغفر اللمم بما وصفنا من الذنوب لمن اجتنب كبائر الإثم والفواحش.كما حدثنا يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) قد غفر ذلك لهم.وقوله ( هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ ) يقول تعالى ذكره; ربكم أعلم بالمؤمن منكم من الكافر, والمحسن منكم من المسيء, والمطيع من العاصي, حين ابتدعكم من الأرض, فأحدثكم منها بخلق أبيكم آدم منها, وحين أنتم أجنة في بطون أمهاتكم, يقول; وحين أنتم حمل لم تولدوا منكم, وأنفسكم بعدما (4) صرتم رجالا ونساء.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأول.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ ) قال; كنحو قوله وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .وحدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, فى قوله ( إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ ) قال; حين خلق آدم من الأرض ثم خلقكم من آدم, وقرأ ( وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ) .وقد بيَّنا فيما مضى قبل معنى الجنين, ولِمَ قيل له جنين, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.وقوله ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) يقول جل ثناؤه; فلا تشهدوا لأنفسكم بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي.كما حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, قال; سمعت زيد بن أسلم يقول ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) يقول; فلا تبرئوها.وقوله ( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) يقول جلّ ثناؤه; ربك يا محمد أعلم بمن خاف عقوبة الله فاجتنب معاصيه من عباده.--------------------الهوامش ;(4) كذا وردت هذه العبارة الأخيرة في الأصل ، وهي غامضة من أول قوله " منكم وأنفسكم ... إلخ " ولعل صوابها ; فلا تزكوا أنفسكم بعد ما صرتم رجالا ونساء .
إلى آخر السورة يقول تعالى: { أَفَرَأَيْتَ } قبح حالة من أمر بعبادة ربه وتوحيده، فتولى عن ذلك وأعرض عنه؟
(الهمزة) للاستفهام
(الفاء) استئنافيّة
(قليلا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته
(الهمزة) للإنكار
(عنده) ظرف منصوب متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ
(علم) ،
(الفاء) عاطفة ...جملة: «رأيت ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «تولّى ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) وجملة: «أعطى ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة تولّى وجملة: «أكدى ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة تولّىوجملة: «عنده علم الغيب ... » في محلّ نصب مفعول به ثان عامله رأيت أي أخبرني وجملة: «هو يرى ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة عنده علم ...وجملة: «يرى ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(هو)