وَالذّٰرِيٰتِ ذَرْوًا
وَالذّٰرِيٰتِ ذَرۡوًا ۙ
تفسير ميسر:
أقسم الله تعالى بالرياح المثيرات للتراب، فالسحب الحاملات ثقلا عظيمًا من الماء، فالسفن التي تجري في البحار جريًا ذا يسر وسهولة، فالملائكة التي تُقَسِّم أمر الله في خلقه. إن الذي توعدون به- أيها الناس- من البعث والحساب لكائن حق يقين، وإن الحساب والثواب على الأعمال لكائن لا محالة.
قال شعبة بن الحجاج عن سماك عن خالد بن عرعرة أنه سمع علي رضي الله عنه وشعبة أيضا عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل أنه سمع عليا رضي الله عنه وثبت أيضا من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صعد منبر الكوفة فقال; لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك فقام إليه ابن الكواء فقال يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى "والذاريات ذروا" قال علي رضي الله عنه; الريح.
سورة " والذاريات " مكية في قول الجميع ، وهي ستون آية .بسم الله الرحمن الرحيموالذاريات ذرواقوله تعالى ; والذاريات ذروا قال أبو بكر الأنباري ; حدثنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد أن رجلا قال لعمر رضي الله عنه ; إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن ، فقال عمر ; اللهم أمكني منه ; فدخل الرجل على عمر يوما وهو لابس ثيابا وعمامة وعمر يقرأ القرآن ، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال ; يا أمير المؤمنين ما والذاريات ذروا ؟ فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ، ثم قال ; ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب وأبلغوا به حيه ، ثم ليقم خطيبا فليقل ; إن صبيغا طلب العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم . وعن عامر بن واثلة أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه ، فقال ; يا أمير المومنين ما والذاريات ذروا ؟ قال ; ويلك ، سل تفقها ولا تسأل تعنتا والذاريات ذروا الرياح فالحاملات وقرا السحاب فالجاريات يسرا السفن فالمقسمات أمرا [ ص; 30 ] الملائكة . وروى الحارث عن علي رضي الله عنه والذاريات ذروا قال ; الرياح فالحاملات وقرا قال ; السحاب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر فالجاريات يسرا قال ; السفن موقرة فالمقسمات أمرا قال ; الملائكة تأتي بأمر مختلف ; جبريل بالغلظة ، وميكائيل صاحب الرحمة ، وملك الموت يأتي بالموت . وقال الفراء ; وقيل تأتي بأمر مختلف من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث . ويقال ; ذرت الريح التراب تذروه ذروا وتذريه ذريا . ثم قيل ; " والذاريات " وما بعده أقسام ، وإذا أقسم الرب بشيء أثبت له شرفا . وقيل ; المعنى ورب الذاريات ، والجواب إنما توعدون ، أي ; الذي توعدونه من الخير والشر والثواب والعقاب لصادق لا كذب فيه ; ومعنى لصادق لصدق ; وقع الاسم موقع المصدر .وإن الدين لواقع يعني الجزاء نازل بكم . ثم ابتدأ قسما آخر فقال ; والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف وقيل ; إن الذاريات النساء الولودات لأن في ذرايتهن ذرو الخلق ; لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات ; وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده الصالحين . وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذاريا لأمرين ، أحدهما ; لأنهن أوعية دون الرجال ، فلاجتماع الذروين فيهن خصصن بالذكر . الثاني ; أن الذرو فيهن أطول زمانا ، وهن بالمباشرة أقرب عهدا . فالحاملات وقرا السحاب . وقيل ; الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل . و " الوقر " بكسر الواو ثقل الحمل على ظهر أو في بطن ، يقال ; جاء يحمل وقره وقد أوقر بعيره . وأكثر ما يستعمل الوقر في حمل البغل والحمار ، والوسق في حمل البعير . وهذه امرأة موقرة بفتح القاف إذا حملت حملا ثقيلا . وأوقرت النخلة كثر حملها ; يقال ; نخلة موقرة وموقر وموقرة ، وحكي موقر وهو على غير القياس ، لأن الفعل للنخلة . وإنما قيل ; موقر بكسر القاف على قياس قولك ; امرأة حامل ، لأن حمل الشجر مشبه بحمل النساء ; فأما موقر بالفتح فشاذ ، وقد روي في قول لبيد يصف نخيلا ;عصب كوارع في خليج محلم حملت فمنها موقر مكموموالجمع مواقر . فأما الوقر بالفتح فهو ثقل الأذن ، وقد وقرت أذنه توقر وقرا أي صمت ، [ ص; 31 ] وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وقد تقدم في " الأنعام " القول فيه .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)يقول تعالى ذكره ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ) يقول; والرياح التي تذرو التراب ذروا, يقال; ذرت الريح التراب وأذرت.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا هنَّاد بن السَّريّ, قال; ثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن خالد بن عُرعرة, قال; قام رجل إلى عليّ رضي الله عنه , فقال; ما الذاريات ذروا, فقال; هي الريح.حدثنا ابن المثنى, قال; ثنا محمد بن جعفر, قال; ثنا شعبة, عن سِماك, قال; سمعت خالد بن عرعرة, قال; سمعت عليا رضي الله عنه وقد خرج إلى الرحبة, وعليه بُرْدان, فقالوا; لو أن رجلا سأل وسمع القوم, قال; فقام ابن الكواء, فقال; ما الذاريات ذَرْوا؟ فقال; هي الرياح.حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد الهلالي ومحمد بن بشار, قالا ثنا محمد بن خالد بن عثمة, قال; ثنا موسى بن يعقوب الزمعي, قال; ثنا أبو الحويرث, عن محمد بن جُبَير بن مطعم, أخبره, قال; سمعت عليا رضي الله عنه يخطب الناس, فقام عبد الله بن الكوّاء, فقال; يا أمير المؤمنين, أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى; ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ) قال; هي الرياح.حدثنا ابن بشار, قال; ثنا يحيى, عن سفيان, عن حبيب بن أبي ثابت, عن أبي الطفيل, قال; سُئل عليّ بن أبي طالب, رضي الله عنه , عن الذاريات ذَرْوا, فقال; الريح.حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن حبيب بن أبي ثابت, عن أبي الطُّفيل, عن علي ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ) قال; الريح.قال مهران; حُدِّثنا عن سماك, عن خالد بن عرعرة, قال; سألت عليا رضي الله عنه عن ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ) فقال; الريح.حدثنا ابن المثنى, قال; ثنا محمد بن جعفر, قال; ثنا شعبة, عن القاسم بن أبي بَزّة, قال; سمعت أبا الطفيل, قال; سمعت عليا رضي الله عنه يقول; لا يسألوني عن كتاب ناطق, ولا سنة ماضية, إلا حدّثتكم, فسأله ابن الكوّاء عن الذاريات, فقال; هي الرياح.حدثنا أبو كُرَيب, قال; ثنا طلق, عن زائدة, عن عاصم, عن عليّ بن ربيعة, قال; سأل ابن الكوّاء عليا رضي الله عنه , فقال; ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ) قال; هي الريح.حدثنا ابن حُمَيد, قال; ثنا جرير, عن عبد الله بن رفيع, عن أبي الطفيل, قال; قال ابن الكوّاء لعلي رضي الله عنه; ما الذاريات ذَرْوا؟ قال; الريح.حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; ثني يحيى بن أيوب, عن أبي صخرة, عن أبي معاوية البجليّ, عن أبي الصهباء البكريّ, عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه , قال وهو على المنبر; لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته, فقام ابن الكوّاء, وأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغٌ عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فقال; ما الذاريات ذروا؟ قال عليّ; الرياح.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, أن رجلا سأل عليا عن الذاريات, فقال; هي الرياح.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن وهب بن عبد الله, عن أبي الطفيل, قال سأل ابن الكوّاء عليا, فقال; ما الذاريات ذروا؟ قال; الرياح.حدثنا يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ) قال; كان ابن عباس يقول; هي الرياح.حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( وَالذَّارِيَاتِ ) قال; الرياح.
هذا قسم من الله الصادق في قيله، بهذه المخلوقات العظيمة التي جعل الله فيها من المصالح والمنافع، ما جعل على أن وعده صدق، وأن الدين الذي هو يوم الجزاء والمحاسبة على الأعمال، لواقع لا محالة، ما له من دافع، فإذا أخبر به الصادق العظيم وأقسم عليه، وأقام الأدلة والبراهين عليه، فلم يكذب به المكذبون، ويعرض عن العمل له العاملون. والمراد بالذاريات: هي الرياح التي تذروا، في هبوبها { ذَرْوًا } بلينها، ولطفها، ولطفها وقوتها، وإزعاجها.
(الواو) واو القسم
(الذاريات) مجرور بالواو متعلّق بفعل محذوف تقديره أقسم
(ذروا) مفعول مطلق منصوب عامله الذاريات
(الفاء) عاطفة في المواضع الثلاثة
(وقرا) مفعول به لاسم الفاعل الحاملات
(يسرا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته ،
(أمرا) مفعول به لاسم الفاعل المقسّمات
(إنّ) حرف مشبّه بالفعلـ (ما) اسم موصول في محلّ نصب اسم انّ ، والعائد محذوف، و (الواو) في(توعدون) نائب الفاعلـ (اللام) لام القسم عوض من المزحلقة تفيد التوكيد، في الموضعين.
جملة: «
(أقسم) بالذاريات ... » لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: «توعدون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .وجملة: «إنّ ما توعدون ... » لا محلّ لها جواب القسم.
وجملة: «إنّ الدين لواقع ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب القسم.