إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ
اِذۡ يَتَلَقَّى الۡمُتَلَقِّيٰنِ عَنِ الۡيَمِيۡنِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيۡدٌ
تفسير ميسر:
حين يكتب المَلَكان المترصدان عن يمينه وعن شماله أعماله. فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات.
يعنى الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان "عن اليمين وعن الشمال" أي مترصد.
قوله تعالى ; إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد أي ; نحن أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى المتلقيان ، وهما الملكان الموكلان به ، أي ; نحن أعلم بأحواله فلا نحتاج إلى ملك يخبر ولكنهما وكلا به إلزاما للحجة ، وتوكيدا للأمر عليه . وقال الحسن ومجاهد وقتادة ; المتلقيان ملكان يتلقيان عملك ، أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك ، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك . قالالحسن ; حتى إذا مت طويت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة ; اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك . وقال مجاهد ; وكل الله بالإنسان مع علمه بأحواله ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله ، ويكتبان أثره إلزاما للحجة ; أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات ، والآخر عن شماله يكتب السيئات ، فذلك قوله تعالى ; عن اليمين وعن الشمال قعيد . وقال سفيان ; بلغني أن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا أذنب العبد قال لا تعجل لعله يستغفر الله . وروي معناه من حديث أبي أمامة ; قال ; قال النبي صلى الله عليه وسلم ; كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يساره وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع [ ص; 11 ] ساعات لعله يسبح أو يستغفر . وروي من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; إن مقعد ملكيك على ثنيتك ؛ لسانك قلمهما ، وريقك مدادهما ، وأنت تجري فيما لا يعنيك فلا تستحي من الله ولا منهما . وقال الضحاك ; مجلسهما تحت الثغر . على الحنك . ورواه عوف عن الحسن قال ; وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته . وإنما قال ; قعيد ولم يقل قعيدان وهما اثنان ; لأن المراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ؛ قاله سيبويه ; ومنه قول الشاعر ; نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف وقال الفرزدق ; إني ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبى فكان وكنت غير غدور ولم يقل راضيان ولا غدورين . ومذهب المبرد أن الذي في التلاوة أول أخر اتساعا ، وحذف الثاني لدلالة الأول عليه . ومذهب الأخفش والفراء ; أن الذي في التلاوة يؤدي عن الاثنين والجمع ولا حذف في الكلام . و " قعيد " بمعنى قاعد كالسميع والعليم والقدير والشهيد . وقيل ; قعيد بمعنى مقاعد مثل أكيل ونديم بمعنى مؤاكل ومنادم . وقال الجوهري ; فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع ; كقوله تعالى ; إنا رسول رب العالمين وقوله ; والملائكة بعد ذلك ظهير . وقال الشاعر في الجمع ، أنشده الثعلبي ; ألكني إليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر والمراد بالقعيد هاهنا الملازم الثابت لا ضد القائم .
القول في تأويل قوله تعالى ; إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)يقول تعالى ذكره; ونحن أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه, حين يتلقى الملَكان, وهما المتلقيان ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) وقيل; عنى بالقعيد; الرصد.* ذكر من قال ذلك ;حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( قَعِيدٌ ) قال; رَصَد.واختلف أهل العربية في وجه توحيد قعيد, وقد ذُكر من قبل متلقيان, فقال بعض نحويي البصرة; قيل ; ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) ولم يقل; عن اليمين قعيد, وعن الشمال قعيد, أي أحدهما, ثم استغنى, كما قال ; نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثم استغنى بالواحد عن الجمع, كما قال ; فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا . وقال بعض نحويي الكوفة ( قَعِيدٌ ) يريد; قعودا عن اليمين وعن الشمال, فجعل فعيل جمعا, كما يجعل الرسول للقوم وللاثنين, قال الله عزّ وجل ; إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لموسى وأخيه, وقال الشاعر;أَلِكْــنِي إلَيْهــا وَخَــيْرُ الرَّســول أعْلَمُهُـــمْ بِنَوَاحـــي الخَــبَرْ (1)فجعل الرسول للجمع, فهذا وجه وإن شئت جعلت القعيد واحدا اكتفاء به من صاحبه, كما قال الشاعر;نَحْــنُ بِمَــا عِنْدَنَــا وأنْـتَ بِمَـاعِنْــدَك رَاضٍ والــرَّأيُ مُخْــتَلِفُ (2)ومنه قول الفَرَزدق;إنّـي ضَمِنْـتُ لِمَـنْ أتـانِي مـا جَنىوأَبـي فَكـانَ وكُـنْتُ غَـيرَ غَـدُورِ (3)ولم يقل; غَدُورَيْن.----------------------الهوامش ;(1) البيت لأبي ذؤيب ( اللسان ; رسل ) وروايته فيه كرواية المؤلف هنا ، وقد نقلها المؤلف عن معاني القرآن للفراء ( الورقة 309 ) وفي ( اللسان ; ألك ) ; بخبر الرسول . وأعلمهم بهمزة المتكلم في المضارع . وقال في رسل ; وفي التنزيل العزيز " إنا رسول رب العالمين " ولم يقل رسل لأن فعولا وفعيلا يستوي فيهما المذكر والمؤنث ، والواحد والجمع مثل عدو وصديق . وقول أبي ذؤيب " ألكني إليها .... البيت " أراد بالرسول ; الرسل ، فوضع الواحد موضع الجمع ، وقولهم ; كثر الدينار والدرهم لا يريدون به الدينار بعينه ، إنما يريدون كثرة الدنانير والدراهم . وفي ( اللسان ; ألك ) ; ألكني ; أي أبلغ رسالتي ، من الألوك والمألكة ، وهي الرسالة . وقال الفراء في معاني القرآن عند قوله تعالى " عن اليمين وعن الشمال قعيد " ; لم يقل قعيدان ; وروي عن ابن عباس قال ; قعيدان ، عن اليمين عن الشمال ، يريد قعود ( بضم القاف ) وجعل القعيد جمعا ، كما تجعل الرسول للقوم وللاثنين ، كما قال الله ; " إنا رسولا رب العالمين " لموسى وأخيه ، وقال الشاعر ; " ألكني إليها .... البيت " . أ هـ .(2) البيت لقيس ابن الخطيم ، وقد تقدم الاستشهاد به ( 10 ; 122 ) من هذه الطبعة شرحناه هناك شرحًا مفسرًا فارجع إليه ثمة . ( وانظر الكتاب لسيبويه 1 ; 38 ) .(3) البيت للفرزدق ( الكتاب لسيبويه طبعة مصر 1 ; 38 ) وهو من شواهد النحويين في باب التنازع ، فإن قوله كان وكنت يطلب الخبر وهو قوله " غير غدور " . والأصل ; وكنت غير غدور . والعرب تحذف في مثل هذا خبر أحد العاملين ، اكتفاء بدلالة خبره على المحذوف . وعند البصريين أن الخبر الموجود هو خبر الثاني لا الأول فقد حذف خبره ، وهو ظاهر في الشاهد الذي قبل هذا ، " نحن بما عندنا ... " إلخ ( وقال الفراء في معاني القرآن الورقة 309 ومثله ) أي مثل الشاهد الذي قبله ، قول الفرزدق ; " إني ضمنت ... البيت " ، ولم يقل غدورين . وقد نقل المؤلف كلامه .
{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ } أي: يتلقيان عن العبد أعماله كلها، واحد { عَنِ الْيَمِينِ } يكتب الحسنات { و } الآخر { عن الشِّمَالِ } يكتب السيئات، وكل منهما { قَعِيدٌ } بذلك متهيئ لعمله الذي أعد له، ملازم له
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة