وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلٰلًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِىٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤْمِنُونَ
وَكُلُوۡا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّٰهُ حَلٰلًا طَيِّبًا ۖ وَّ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِىۡۤ اَنۡـتُمۡ بِهٖ مُؤۡمِنُوۡنَ
تفسير ميسر:
وتمتعوا -أيها المؤمنون- بالحلال الطيب مما أعطاكم الله ومنحكم إياه، واتقوا الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه؛ فإن إيمانكم بالله يوجب عليكم تقواه ومراقبته.
ثم قال" وكلوا مما رزقكم الله حلالا طييا" أي في حال كونه حلالا طيبا واتقوا الله أي في جميع أموركم واتبعوا طاعته ورضوانه واتركوا مخالفته وعصيانه واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون.
قوله تعالى ; وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنونقوله تعالى ; وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا فيه مسألة واحدة ; الأكل في هذه الآية عبارة عن التمتع بالأكل والشرب واللباس والركوب ونحو ذلك ، وخص الأكل بالذكر ; لأنه أعظم المقصود وأخص الانتفاعات بالإنسان ، وسيأتي بيان حكم الأكل والشرب واللباس في " الأعراف " إن شاء الله تعالى ، وأما شهوة الأشياء الملذة ، ومنازعة النفس إلى طلب الأنواع الشهية ، فمذاهب الناس في تمكين النفس منها مختلفة ; فمنهم من يرى صرف النفس عنها وقهرها عن اتباع شهواتها أحرى ليذل له قيادها ، ويهون عليه عنادها ; فإنه إذا أعطاها المراد يصير أسير شهواتها ، ومنقادا بانقيادها . حكي أن أبا حازم كان يمر على الفاكهة فيشتهيها فيقول ; موعدك الجنة ، وقال آخرون ; تمكين النفس من لذاتها أولى لما فيه من ارتياحها [ ص; 197 ] ونشاطها بإدراك إرادتها ، وقال آخرون ; بل التوسط في ذلك أولى ; لأن في إعطائها ذلك مرة ومنعها أخرى جمع بين الأمرين ; وذلك النصف من غير شين . وتقدم معنى الاعتداء والرزق في " البقرة " والحمد لله .
القول في تأويل قوله ; وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره، لهؤلاء المؤمنين الذين نهَاهم أن يحرِّموا طيبات ما أحلّ الله لهم; كُلوا، أيها المؤمنون، من رزق الله الذي رَزقكم وأحله لكم، حلالا طيِّبًا، (33) كما;-12355 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة; " وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبًا " يعني; ما أحل الله لهم من الطعام.* * *وأما قوله; " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون "، فإنه يقول; وخافوا، أيها المؤمنون، أن تعتدوا في حدوده، فتُحلُّوا ما حُرِّم عليكم، وتُحرِّموا ما أحِلَّ لكم، واحذروه في ذلك أن تخالفوه، فينـزل بكم سَخَطُه، أو تستوجبوا به عقوبته (34) =" الذي أنتم به مؤمنون "، يقول; الذي أنتم بوحدانيّته مقرُّون، وبربُوبيته مصدِّقون.-----------------الهوامش ;(33) انظر تفسير"حلال طيب" فيما سلف 3; 300 ، 301(34) انظر تفسير"اتقى" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى).
ثم أمر بضد ما عليه المشركون، الذين يحرمون ما أحل الله فقال: { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا } أي: كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم، بما يسره من الأسباب، إذا كان حلَالًا لا سرقة ولا غصبا ولا غير ذلك من أنواع الأموال التي تؤخذ بغير حق، وكان أيضا طيبا، وهو الذي لا خبث فيه، فخرج بذلك الخبيث من السباع والخبائث. { وَاتَّقُوا اللَّهَ } في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه. { الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } فإن إيمانكم بالله يوجب عليكم تقواه ومراعاة حقه، فإنه لا يتم إلا بذلك. ودلت الآية الكريمة على أنه إذا حرم حلالا عليه من طعام وشراب، وسرية وأمة، ونحو ذلك، فإنه لا يكون حراما بتحريمه، لكن لو فعله فعليه كفارة يمين، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } الآية. إلا أن تحريم الزوجة فيه كفارة ظهار، ويدخل في هذه الآية أنه لا ينبغي للإنسان أن يتجنب الطيبات ويحرمها على نفسه، بل يتناولها مستعينا بها على طاعة ربه.
(الواو) عاطفة
(كلوا) فعل أمر مبني على حذف النون ... والواو فاعلـ (من) حرف جر
(ما) اسم موصول مبني في محلّ جر متعلق بـ (كلوا) ،
(رزق) فعل ماض و (كم) ضمير مفعول به
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(حلالا) حال منصوبة من المفعول المحذوف أي رزقكم إياه الله ،
(طيبا) نعت منصوبـ (الواو) عاطفة
(اتقوا) مثل كلوا
(الله) لفظ الجلالة مفعول به منصوبـ (الذي) موصول في محلّ نصب نعت للفظ الجلالة
(أنتم) ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ
(الباء) حرف جر و (الهاء) ضمير في محلّ جر متعلق بـ (مؤمنون) وهو خبر المبتدأ. وجملة «كلوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء. وجملة «رزقكم الله» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) . وجملة «اتقوا الله» لا محلّ لها معطوفة على جملة كلوا ... وجملة «أنتم به مؤمنون» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .