يٰٓأَهْلَ الْكِتٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتٰبِ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتٰبٌ مُّبِينٌ
يٰۤـاَهۡلَ الۡكِتٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُوۡلُـنَا يُبَيِّنُ لَـكُمۡ كَثِيۡرًا مِّمَّا كُنۡتُمۡ تُخۡفُوۡنَ مِنَ الۡكِتٰبِ وَيَعۡفُوۡا عَنۡ كَثِيۡرٍ ؕ قَدۡ جَآءَكُمۡ مِّنَ اللّٰهِ نُوۡرٌ وَّكِتٰبٌ مُّبِيۡنٌ
تفسير ميسر:
يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يبيِّن لكم كثيرًا مما كنتم تُخْفونه عن الناس مما في التوراة والإنجيل، ويترك بيان ما لا تقتضيه الحكمة. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين; وهو القرآن الكريم.
يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة أنه قد أرسل رسوله محمدا بالهدى ودين الحق إلى جميع أهل الأرض عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم وأنه بعثه بالبينات والفرق بين الحق والباطل فقال " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير " أي يبين ما بدلوه وحرفوه وأولوه وافتروا على الله فيه ويسكت عن كثير مما غيروه ولا فائدة في بيانه وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال; من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب قوله " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب " فكان الرجم مما أخفوه ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ثم أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله على نبيه الكريم فقال " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ".
قوله تعالى ; يا أهل الكتاب الكتاب اسم جنس بمعنى الكتب ; فجميعهم مخاطبون . [ ص; 78 ] قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم . يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب أي ; من كتبكم ; من الإيمان به ، ومن آية الرجم ، ومن قصة أصحاب السبت الذين مسخوا قردة ; فإنهم كانوا يخفونها . ويعفو عن كثير أي ; يتركه ولا يبينه ، وإنما يبين ما فيه حجة على نبوته ، ودلالة على صدقه وشهادة برسالته ، ويترك ما لم يكن به حاجة إلى تبيينه ، وقيل ويعفو عن كثير يعني يتجاوز عن كثير فلا يخبركم به ، وذكر أن رجلا من أحبارهم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال ; يا هذا عفوت عنا ؟ فأعرض عنه رسول الله عليه وسلم ولم يبين ; وإنما أراد اليهودي أن يظهر مناقضة كلامه ، فلما لم يبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من عنده فذهب وقال لأصحابه ; أرى أنه صادق فيما يقول ; لأنه كان وجد في كتابه أنه لا يبين له ما سأله عنه . قد جاءكم من الله نور أي ; ضياء ; قيل ; الإسلام ، وقيل ; محمد عليه السلام ; عن الزجاج . وكتاب مبين أي القرآن ; فإنه يبين الأحكام ، وقد تقدم .
القول في تأويل قوله عز ذكره ; يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍقال أبو جعفر; يقول عز ذكره لجماعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم; " يا أهل الكتاب " من اليهود والنصارى=" قد جاءكم رسولنا "، يعني محمّدا صلى الله عليه وسلم، كما;-11608 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا "، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.* * *وقوله; " يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب "، يقول; يبين لكم محمّد رسولنا، كثيرًا مما كنتم تكتمونه الناسَ ولا تُبينونه لهم ممّا في كتابكم. وكان مما يخفونه من كتابهم فبيَّنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للناس; رَجْمُ الزَّانيين المحصنين.* * *وقيل; إن هذه الآية نـزلت في تبيين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك للناس، من إخفائهم ذلك من كتابهم.ذكر من قال ذلك;11609 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال، من كفر بالرجم، فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب. قوله; " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسوُلنا يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب "، فكان الرجمُ مما أخفوا. (7) .11610 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبَّويه، أخبرنا علي بن الحسن قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله. (8) .11611 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن عكرمة في قوله; " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم "، إلى قوله; صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، قال; إنّ نبيّ الله أتاه اليهود يسألونه عن الرجم، واجتمعوا في بيتٍ، قال; أيُّكم أعلم؟ فأشاروا إلى ابن صُوريا، فقال; أنت أعلمهم؟ قال، سل عما شئت، قال،" أنت أعلمهم؟" قال; إنهم ليزعمون ذلك! قال; فناشده بالذي أنـزل التوراة على موسى، والذي رفع الطُّور، وناشده بالمواثيق التي أُخذت عليهم، حتى أخذه أفْكَل، (9) فقال; إن نساءنا نساء حسان، فكثر فينا القتل، فاختصرنا أُخصورةً، (10) فجلدنا مئة، وحلقنا الرءوس، وخالفنا بين الرءوس إلى الدواب (11) = أحسبه قال; الإبل= قال; فحكم عليهم بالرجم، فأنـزل الله فيهم; " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيين لكم "، الآية= وهذه الآية; وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ [سورة البقرة; 76]. (12)* * *وقوله; " ويعفو عن كثير " يعني بقوله; " ويعفو "، ويترك أخذكم بكثير مما كنتم تخفون من كتابكم الذي أنـزله الله إليكم، وهو التوراة، فلا تعملون به حتى يأمره الله بأخذكم به. (13) .* * *القول في تأويل قوله عز ذكره ; قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)قال أبو جعفر; يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب; " قد جاءكم "، يا أهل التوراة والإنجيل=" من الله نور "، يعني بالنور، محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيِّن الحق. ومن إنارته الحق، تبيينُه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من الكتاب. (14)* * *وقوله; " وكتاب مبين "، يقول; جل ثناؤه; قد جاءكم من الله تعالى النور الذي أنار لكم به معالم الحقِّ،=" وكتاب مبين "، يعني كتابًا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم; من توحيد الله، وحلاله وحرامه، وشرائع دينه، وهو القرآن الذي أنـزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يبين للناس جميع ما بهم الحاجةُ إليه من أمر دينهم، ويوضحه لهم، حتى يعرفوا حقَّه من باطله. (15)---------------------الهوامش ;(7) الأثر; 11609-"يحيى بن واضح" ، أبو تميلة ، مضى مرارا ، منها; 392.و"الحسين بن واقد المروزي" ، ثقة. مضى برقم; 481 ، 6311.و"يزيد النحوي" ، هو"يزيد بن أبي سعيد النحوي المروزي" ، ثقة ، مضى برقم; 6311. وهذا إسناد صحيح ، وسيأتي تخريجه في الأثر التالي.(8) الأثر; 11610-"عبد الله بن أحمد بن شبويه الخزاعي" ، ثقة مضى برقم; 1909 ، 4612 ، 4923.و"علي بن الحسن بن شقيق بن دينار" ، ثقة ، من شيوخ أحمد ، مضى برقم; 1591 ، 1909 ، 9951 ، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا; "علي بن الحسين" ، وهو خطأ محض.وهذا إسناد صحيح أيضا ، مكرر الذي قبله. وهذا الخبر أخرجه الحاكم في المستدرك 4; 359 من طريق علي بن الحسن بن شقيق ، بمثله ، وقال; "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2; 269 ، وزاد نسبته إلى ابن الضريس ، والنسائي ، وابن أبي حاتم.فائدة; راجع أحاديث الرجم فيما سيأتي برقم 11921-11924.(9) "أفكل" (علي وزن أفعل); رعدة تعلو الإنسان من برد أو خوف أو غيرهما ، وليس له فعل ، وأنشد ابن بري;بِعَيْشِـــكِ هَــاتِي فَغَنِّــي لَنَــافَـــإِنَّ نَدَامَـــاكِ لَــمْ يَنْهَلُــوافَبَــــاتَتْ تُغَنِّـــي بِغِرْبَالِهَـــاغِنَـــاء رُوَيْـــدًا لَــهُ أفْكَــلُ(10) قوله; "فاختصرنا أخصورة" ، هكذا جاءت في المخطوطة أيضا. وفي تفسير أبي حيان 3; 447"فاختصرنا فجلدنا مئة مئة" ، وحذف"أخصورة". ولم أجد لها في اللغة ذكرًا ، بمعنى; شيئًا من الاختصار. والذي في الكتب"الخصيري" (بضم الخاء وفتح الصاد وسكون الياء بعدها راء مفتوحة) ، وهي; حذف الفضول من كل شيء ، مثل"الاختصار". فلعل صواب العبارة; "فاختصرنا خصيري" ، أي اختصارا من حكم الرجم. وتركت ما في المطبوعة والمخطوطة ، مخافة أن يكون في الكلمة تحريف لم أهتد إليه.(11) في تفسير أبي حيان"وخالفنا بين الرءوس على الدبرات" ، وكأنه خطأ.(12) الأثر; 11611- في هذا الأثر ، ذكر سبب نزول آية"سورة البقرة"; 76 ، ولم يذكره أبو جعفر في تفسير الآية هناك (2; 250-254) ، مع أنه يصلح أن يكون وجهًا آخر في تفسير الآية ، وأن يكون مرادًا بها"الرجم". فهذا دليل آخر على اختصار أبي جعفر تفسيره ، وهو أيضا وجه من وجوه منهجه في اختصاره.(13) انظر تفسير"العفو" فيما سلف من فهارس اللغة.(14) انظر تفسير"نور" فيما سلف 9; 428.(15) انظر تفسير"مبين" فيما سلف من فهارس اللغة.
لما ذكر تعالى ما أخذه الله على أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وأنهم نقضوا ذلك إلا قليلا منهم، أمرهم جميعا أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، واحتج عليهم بآية قاطعة دالة على صحة نبوته، وهي: أنه بين لهم كثيرا مما يُخْفُون عن الناس، حتى عن العوام من أهل ملتهم، فإذا كانوا هم المشار إليهم في العلم ولا علم عند أحد في ذلك الوقت إلا ما عندهم، فالحريص على العلم لا سبيل له إلى إدراكه إلا منهم، فإتيان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم الذي بيَّن به ما كانوا يتكاتمونه بينهم، وهو أُمِّيّ لا يقرأ ولا يكتب - من أدل الدلائل على القطع برسالته، وذلك مثل صفة محمد في كتبهم، ووجود البشائر به في كتبهم، وبيان آية الرجم ونحو ذلك. { وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ْ} أي: يترك بيان ما لا تقتضيه الحكمة. { قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ ْ} وهو القرآن، يستضاء به في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة. { وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ْ} لكل ما يحتاج الخلق إليه من أمور دينهم ودنياهم. من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن العلم بأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية.
(يا) أداة نداء
(أهل) منادى مضاف منصوبـ (الكتاب) مضاف إليه مجرور
(قد) حرف تحقيق
(جاء) فعل ماض و (كم) ضميرمفعول به
(رسول) فاعل مرفوع و (نا) ضمير مضاف إليه
(يبيّن) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يبيّن) ،
(كثيرا) مفعول به منصوبـ (من) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بنعت لـ (كثيرا) ،
(كنتم) فعل ماض ناقص. و (تم) ضمير اسم كان
(تخفون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (من الكتاب) جارّ ومجرور متعلّق بحال من الضمير المحذوف في فعل تخفون أي:
تخفونه من الكتابـ (الواو) عاطفة
(يعفو) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الواو، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عن كثير) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يعفو) ،
(قد جاءكم) مثل الأولـ (من الله) جارّ ومجرور متعلّق بـ (جاء) ،
(نور) فاعل مرفوع
(الواو) عاطفة
(كتاب) معطوف على نور مرفوع مثله
(مبين) نعت لكتاب مرفوع.
جملة النداء «يا أهل ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «قد جاءكم رسولنا» : لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة «يبيّن ... » : في محلّ نصب حال من رسول.
وجملة «كنتم تخفون» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة «تخفون ... » : في محلّ نصب خبر كنتم.
وجملة «ويعفو ... » : في محلّ نصب معطوفة على جملة يبيّن .
وجملة «قد جاءكم ... نور» : لا محلّ لها استئنافيّة.(يهدي) مثل يعفو، و (الباء) حرف جرّ و (الهاء) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ (يهدي) ،
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(من) اسم موصول مبني في محلّ نصب مفعول به أوّلـ (اتّبع) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (رضوان) مفعول به منصوب و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(سبل) مفعول به ثان عامله يهدي منصوب ،
(السلام) مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(يخرج) مثل يعفو و (هم) ضمير مفعول به
(من الظلمات) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يخرج) ،
(إلى النور) مثل من الظلمات
(بإذن) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يخرج) والباء سببيّة و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(يهدي) مثل الأول و (هم) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (إلى صراط) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يهديهم) ،
(مستقيم) نعت لصراط مجرور.
وجملة «يهدي به الله» : في محلّ رفع نعت ثان لكتاب .
وجملة «اتّبع رضوانه» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة «يخرجهم ... » : لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة، وجاء الضمير العائد جمعا لمعنى
(من) .وجملة «يهديهم ... » : لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة