وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلٰى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ۚ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَهْتَدُونَ
وَاِذَا قِيۡلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡا اِلٰى مَاۤ اَنۡزَلَ اللّٰهُ وَاِلَى الرَّسُوۡلِ قَالُوۡا حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ اٰبَآءَنَا ؕ اَوَلَوۡ كَانَ اٰبَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُوۡنَ شَيۡــًٔـا وَّلَا يَهۡتَدُوۡنَ
تفسير ميسر:
وإذا قيل لهؤلاء الكفار المحرِّمين ما أحل الله; تعالوا إلى تنزيل الله وإلى رسوله ليتبين لكم الحلال والحرام، قالوا; يكفينا ما ورثناه عن آبائنا من قول وعمل، أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا أي; لا يفهمون حقًّا ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه؟ فكيف يتبعونهم، والحالة هذه؟ فإنه لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلا.
"وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا" أي إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه وترك ما حرمه قالوا يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد من الطرائق والمسالك قال الله تعالى" أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا" أي لا يفهمون حقا ولا يعرفونه ولا يهتدون إليه فكيف يتبعونهم والحالة هذه لا يتبع إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلا.
قوله تعالى ; وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون[ ص; 262 ] قوله تعالى ; وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا الآية . تقدم معناها والكلام عليها في " البقرة " فلا معنى لإعادتها .قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملونفيه أربع مسائل ;الأولى ; قال علماؤنا ; وجه اتصال هذه الآية بما قبلها التحذير مما يجب أن يحذر منه ، وهو حال من تقدمت صفته ممن ركن في دينه إلى تقليد آبائه وأسلافه ، وظاهر هذه الآية يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس القيام به بواجب إذا استقام الإنسان ، وأنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ، لولا ما ورد من تفسيرها في السنة وأقاول الصحابة والتابعين على ما نذكره بحول الله تعالى .الثانية ; قوله تعالى ; عليكم أنفسكم معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي ; تقول عليك زيدا بمعنى الزم زيدا ; ولا يجوز عليه زيدا ، بل إنما يجري هذا في المخاطبة في ثلاثة ألفاظ ; عليك زيدا أي ; خذ زيدا ، وعندك عمرا أي ; حضرك ، ودونك زيدا أي ; قرب منك ; وأنشد ;يا أيها المائح دلوي دونكا إني رأيت الناس يحمدونكاوأما قوله ; عليه رجلا ليسني ، فشاذ .الثالثة ; روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن قيس قال ; خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال ; إنكم تقرءون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ; إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده . قال أبو عيسى ; هذا حديث حسن صحيح ; قال إسحاق بن إبراهيم سمعت عمرو بن علي يقول ; [ ص; 263 ] سمعت وكيعا يقول ; لا يصح عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حديث واحد ، قلت ; ولا إسماعيل عن قيس ، قال ; إن إسماعيل روى عن قيس موقوفا . قال النقاش ; وهذا إفراط من وكيع ; رواه شعبة عن سفيان وإسحاق عن إسماعيل مرفوعا ; وروى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي أمية الشعباني قال ; أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له ; كيف تصنع بهذه الآية ؟ فقال ; أية آية ؟ قلت ; قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم قال ; أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ; بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة فإن من ورائكم أياما ، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم ، وفي رواية قيل ; يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال ; بل أجر خمسين منكم . قال أبو عيسى ; هذا حديث حسن غريب . قال ابن عبد البر قوله ; ( بل منكم ) هذه اللفظة قد سكت عنها بعض الرواة فلم يذكرها ، وقد تقدم ، وروى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا قال ; هذا حديث غريب ، وروي عن ابن مسعود أنه قال ; ليس هذا بزمان هذه الآية ; قولوا الحق ما قبل منكم ، فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم ، وقيل لابن عمر في بعض أوقات الفتن ; لو تركت القول في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ; ليبلغ الشاهد الغائب ونحن شهدنا فيلزمنا أن نبلغكم ، وسيأتي زمان إذا قيل فيه الحق لم يقبل . في رواية عن ابن عمر بعد قوله ; ليبلغ الشاهد الغائب فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم ، وقالابن المبارك قوله تعالى ; عليكم أنفسكم خطاب لجميع المؤمنين ، أي ; عليكم أهل دينكم ; كقوله تعالى ; ولا تقتلوا أنفسكم فكأنه قال ; ليأمر بعضكم بعضا ; ولينه بعضكم بعضا ، فهو دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يضركم ضلال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب ; وهذا لأن الأمر بالمعروف يجري مع المسلمين من أهل العصيان كما تقدم ; وروي معنى هذا عن سعيد بن جبير وقال سعيد بن المسيب ; معنى الآية لا يضركم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقال ابن خويز منداد ; تضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه ، وتركه التعرض لمعائب الناس ، والبحث عن أحوالهم فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم وهذا [ ص; 264 ] كقوله تعالى ; كل نفس بما كسبت رهينة ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ; كن جليس بيتك وعليك بخاصة نفسك ، ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; فينكر بقلبه ، ويشتغل بإصلاح نفسه .قلت ; قد جاء حديث غريب رواه ابن لهيعة ; قال حدثنا بكر بن سوادة الجذامي عن عقبة بن عامر قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إذا كان رأس مائتين فلا تأمر بمعروف ولا تنه عن منكر وعليك بخاصة نفسك . قال علماؤنا ; إنما قال عليه السلام ذلك لتغير الزمان ، وفساد الأحوال ، وقلة المعينين ، وقال جابر بن زيد ; معنى الآية ; يا أيها الذين آمنوا من أبناء أولئك الذين بحروا البحيرة وسيبوا السوائب ; عليكم أنفسكم في الاستقامة على الدين ، لا يضركم ضلال الأسلاف إذا اهتديتم ; قال ; وكان الرجل إذا أسلم قال له الكفار سفهت آباءك وضللتهم وفعلت وفعلت ; فأنزل الله الآية بسبب ذلك وقيل ; الآية في أهل الأهواء الذين لا ينفعهم الوعظ ; فإذا علمت من قوم أنهم لا يقبلون ، بل يستخفون ويظهرون فاسكت عنهم ، وقيل ; نزلت في الأسارى الذين عذبهم المشركون حتى ارتد بعضهم ، فقيل لمن بقي على الإسلام ; عليكم أنفسكم لا يضركم ارتداد أصحابكم ، وقال سعيد بن جبير ; هي في أهل الكتاب - وقال مجاهد ; في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم ; يذهبان إلى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية ، وقيل ; هي منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; قاله المهدوي . قال ابن عطية ; وهذا ضعيف ولا يعلم قائله .قلت ; قد جاء عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال ; ليس في كتاب الله تعالى آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه الآية . قال غيره ; الناسخ منها قوله ; إذا اهتديتم والهدى هنا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والله أعلم .الرابعة ; الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين متى رجي القبول ، أو رجي رد الظالم ولو بعنف ، ما لم يخف الآمر ضررا يلحقه في خاصته ، أو فتنة يدخلها على المسلمين ; إما بشق عصا ، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس ; فإذا خيف هذا ف عليكم أنفسكم محكم واجب أن يوقف عنده ، ولا يشترط في الناهي أن يكون عدلا كما تقدم ; وعلى هذا جماعة أهل العلم فاعلمه .
القول في تأويل قوله ; وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (104)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; وإذا قيل لهؤلاء الذين يبحرون البحائر ويسيِّبون السوائب؟ الذين لا يعقلون أنهم بإضافتهم تحريم ذلك إلى الله تعالى ذكره يفترون على الله الكذب; تعالوا إلى تنـزيل الله وآي كتابه وإلى رسوله, ليتبين لكم كذبُ قيلكم فيم تضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريمكم ما تحرِّمون من هذه الأشياء (1) = أجابوا من دعاهم إلى ذلك بأن يقولوا; حسبنا ما وجدنا عليه من قبلنا آباءَنا يعملون به, ويقولون; " نحن لهم تبع وهم لنا أئمة وقادة, وقد اكتفينا بما أخذنا عنهم، ورضينا بما كانوا عليه من تحريم وتحليل ". (2) قال الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; أوَ لو كان آباء هؤلاء القائلين هذه المقالة لا يعلمون شيئًا؟ يقول; لم يكونوا يعلمون أنّ ما يضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، كذبٌ وفريةٌ على الله, لا حقيقة لذلك ولا صحة، لأنهم كانوا أتباع المفترين الذين ابتدءوا تحريم ذلك، افتراءً على الله بقيلهم ما كانوا يقولون من إضافتهم إلى الله تعالى ذكره ما يضيفون = ولا كانوا فيما هم به عاملون من ذلك على استقامة وصواب, (3) بل كانوا على ضلالة وخطأ.-------------------الهوامش ;(1) انظر تفسير"تعالوا" فيما سلف 6; 474 ، 483 ، 485/8; 513.(2) انظر تفسير"حسب" فيما سلف 4; 244/7; 405.(3) في المطبوعة; "ما كانوا فيما هم به عاملون" ، وفي المخطوطة; "كانوا" بغير"ما" ، والسياق يقتضي ما أثبت ، لأنه معطوف على قوله آنفاً; "يقول; لم يكونوا يعلمون. . ."
فإذا دعوا { إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ } أعرضوا فلم يقبلوا، و { قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } من الدين، ولو كان غير سديد، ولا دينًا ينجي من عذاب الله. ولو كان في آبائهم كفاية ومعرفة ودراية لهان الأمر. ولكن آباءهم لا يعقلون شيئا، أي: ليس عندهم من المعقول شيء، ولا من العلم والهدى شيء. فتبا لمن قلد من لا علم عنده صحيح، ولا عقل رجيح، وترك اتباع ما أنزل الله، واتباع رسله الذي يملأ القلوب علما وإيمانا, وهدى, وإيقانا.
(الواو) عاطفة
(إذا) ظرف للزمن المستقبل متضمّن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بالجواب قالوا
(قيل) فعل ماض مبنيّ للمجهولـ (اللام) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (قيل) ،
(تعالوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون قياسا.. والواو فاعلـ (إلى) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بفعل تعالوا
(أنزل) فعل ماض
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(الواو) عاطفة
(إلى الرسول) جارّ ومجرور متعلّق بفعل تعالوا
(قالوا) مثل تعالوا
(حسبنا) مبتدأ مرفوع.
(ونا) ضمير مضاف إليه
(ما) مثل الأول في محلّ رفع خبر
(وجد) فعل ماض مبنيّ على السكون و (نا) ضمير فاعلـ (على) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول به ثان
(آباء) مفعول به أوّل منصوب و (نا) مضاف إليه
(الهمزة) للاستفهام
(الواو) استئنافيّة
(لو) حرف شرط غير جازم
(كان) فعل ماض ناقص
(آباء) اسم كان مرفوع و (هم) ضمير مضاف إليه
(لا) نافية
(يعلمون) مضارع مرفوع والواو فاعلـ (شيئا) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة
(لا يهتدون) مثل لا يعلمون.
جملة «قيل....» : في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة «تعالوا» : في محلّ رفع نائب فاعل .
وجملة «أنزل الله» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الأول.
وجملة «قالوا» : لا محلّ لها جواب الشرط غير الجازم.
وجملة «حسبنا ما وجدنا» : في محلّ نصب مقول القول.
وجملة «وجدنا» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثاني.
وجملة «كان آباؤهم....» : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «لا يعلمون....» : في محلّ نصب خبر كان.
وجملة «لا يهتدون» : في محلّ نصب معطوفة على جملة لا يعلمون ... وجواب الشرط محذوف تقديره أيقولون ذلك؟