لَّقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثٰبَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا
لَـقَدۡ رَضِىَ اللّٰهُ عَنِ الۡمُؤۡمِنِيۡنَ اِذۡ يُبَايِعُوۡنَكَ تَحۡتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِىۡ قُلُوۡبِهِمۡ فَاَنۡزَلَ السَّكِيۡنَةَ عَلَيۡهِمۡ وَاَثَابَهُمۡ فَتۡحًا قَرِيۡبًا
تفسير ميسر:
لقد رضي الله عن المؤمنين حين بايعوك -أيها النبي- تحت الشجرة (وهذه هي بيعة الرضوان في "الحديبية") فعلم الله ما في قلوب هؤلاء المؤمنين من الإيمان والصدق والوفاء، فأنزل الله الطمأنينة عليهم وثبَّت قلوبهم، وعوَّضهم عمَّا فاتهم بصلح "الحديبية" فتحًا قريبًا، وهو فتح "خيبر"، ومغانم كثيرة تأخذونها من أموال يهود "خيبر". وكان الله عزيزًا في انتقامه من أعدائه، حكيمًا في تدبير أمور خلقه.
يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وقد تقدم ذكر عدتهم وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية قال البخاري حدثنا محمود حدثنا عبيدالله عن إسرائيل عن طارق أن عبدالرحمن رضي الله عنه قال انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون فقلت ما هذا المسجد؟ قالوا هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال سعيد حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها فقال سعيد إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم وقوله تعالى "فعلم ما في قلوبهم" أي من الصدق والوفاء والسمع والطاعة "فأنزل السكينة" وهي الطمأنينة "عليهم وأثابهم فتحا قريبا" وهو ما أجرى الله عز وجل على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم وما حصل بذلك من الخير العام والمستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة.
قوله تعالى ; لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا[ ص; 250 ] قوله تعالى ; لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة هذه بيعة الرضوان ، وكانت بالحديبية ، وهذا خبر الحديبية على اختصار ; وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام منصرفه من غزوة بني المصطلق في شوال ، وخرج في ذي القعدة معتمرا ، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة فأبطأ عنه أكثرهم ، وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب ، وجميعهم نحو ألف وأربعمائة . وقيل ; ألف وخمسمائة . وقيل ; غير هذا ، على ما يأتي . وساق معه الهدي ، فأحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب ، فلما بلغ خروجه قريشا خرج جمعهم صادين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المسجد الحرام ودخول مكة ، وإنه إن قاتلهم قاتلوه دون ذلك ، وقدموا خالد بن الوليد في خيل إلى ( كراع الغميم ) فورد الخبر بذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ( بعسفان ) وكان المخبر له بشر بن سفيان الكعبي ، فسلك طريقا يخرج به في ظهورهم ، وخرج إلى الحديبية من أسفل مكة ، وكان دليله فيهم رجل من أسلم ، فلما بلغ ذلك خيل قريش التي مع خالد جرت إلى قريش تعلمهم بذلك ، فلما وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحديبية بركت ناقته - صلى الله عليه وسلم - فقال الناس ; خلأت خلأت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة رحم إلا أعطيتهم إياها . ثم نزل - صلى الله عليه وسلم - هناك ، فقيل ; يا رسول الله ، ليس بهذا الوادي ماء فأخرج عليه الصلاة والسلام سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه ، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالماء الرواء حتى كفى جميع الجيش . وقيل ; إن الذي نزل بالسهم في القليب ناجية بن جندب بن عمير الأسلمي وهو سائق بدن النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ .وقيل ; نزل بالسهم في القليب البراء بن عازب ، ثم جرت السفراء بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين كفار قريش ، وطال التراجع والتنازع إلى أن جاء سهيل بن عمرو العامري ، فقاضاه على أن ينصرف - عليه الصلاة والسلام - عامه ذلك ، فإذا كان من قابل أتى معتمرا ودخل هو وأصحابه مكة بغير سلاح ، حاشا السيوف في قربها فيقيم بها ثلاثا ويخرج ، وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام ، يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا ، وعلى أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما من رجل أو امرأة رد إلى الكفار ، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم يردوه إلى المسلمين ، فعظم ذلك على المسلمين حتى [ ص; 251 ] كان لبعضهم فيه كلام ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بما علمه الله من أنه سيجعل للمسلمين فرجا ، فقال لأصحابه اصبروا فإن الله يجعل هذا الصلح سببا إلى ظهور دينه فأنس الناس إلى قوله هذا بعد نفار منهم ، وأبى سهيل بن عمرو أن يكتب في صدر صحيفة الصلح ; من محمد رسول الله ، وقالوا له ; لو صدقناك بذلك ما دفعناك عما تريد فلا بد أن تكتب ; باسمك اللهم . فقال لعلي وكان يكتب صحيفة الصلح ; امح يا علي ، واكتب باسمك اللهم فأبى علي أن يمحو بيده ( محمد رسول الله ) فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; اعرضه علي فأشار إليه فمحاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ، وأمره أن يكتب [ من محمد بن عبد الله ] .وأتى أبو جندل بن سهيل يومئذ بأثر كتاب الصلح وهو يرسف في قيوده ، فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبيه ، فعظم ذلك على المسلمين ، فأخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبر أبا جندل [ أن الله سيجعل له فرجا ومخرجا ] . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الصلح قد بعث عثمان بن عفان إلى مكة رسولا ، فجاء خبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن أهل مكة قتلوه ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ إلى المبايعة له على الحرب والقتال لأهل مكة ، فروي أنه بايعهم على الموت . وروي أنه بايعهم على ألا يفروا . وهي بيعة الرضوان تحت الشجرة ، التي أخبر الله تعالى أنه رضي عن المبايعين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحتها . وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم لا يدخلون النار . وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيمينه في شماله لعثمان ، فهو كمن شهدها . وذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال ; أول من بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية أبو سفيان الأسدي . وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال ; كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ، وقال ; بايعناه على ألا نفر ولم نبايعه على الموت وعنه أنه سمع جابرا يسأل ; كم كانوا يوم الحديبية ؟ قال ; كنا أربع عشرة مائة ، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ، فبايعناه ، غير جد بن قيس الأنصاري اختبأ تحت بطن بعيره . وعن سالم بن أبي الجعد قال ; سألت جابر بن عبد الله عن أصحاب الشجرة . فقال ; لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا [ ص; 252 ] ألفا وخمسمائة . وفي رواية ; كنا خمس عشرة مائة . وعن عبد الله بن أبي أوفى قال ; كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة ، وكانت أسلم ثمن المهاجرين . وعن يزيد بن أبي عبيد قال ; قلت لسلمة ; على أي شيء بايعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ؟ قال ; على الموت . وعن البراء بن عازب قال ; كتب علي - رضي الله عنه - الصلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين يوم الحديبية ، فكتب ; هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا ; لا تكتب رسول الله ، فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي ; [ امحه ] . فقال ; ما أنا بالذي أمحاه ، فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده . وكان فيما اشترطوا ; أن يدخلوا مكة فيقيموا فيها ثلاثا ، ولا يدخلها بسلاح إلا جلبان السلاح . قلت لأبي إسحاق وما جلبان السلاح ؟ قال ; القراب وما فيه . وعن أنس ; أن قريشا صالحوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم سهيل بن عمرو ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي ; [ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ] فقال سهيل بن عمرو ; أما بسم الله ، فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن اكتب ما نعرف ; باسمك اللهم . فقال ; [ اكتب من محمد رسول الله ] قالوا ; لو علمنا أنك رسوله لاتبعناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; [ اكتب من محمد بن عبد الله ] فاشترطوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ; أن من جاء منكم لم نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا . فقالوا ; يا رسول الله ، أنكتب هذا قال ; [ نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا ] .وعن أبي وائل قال ; قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال يا أيها الناس ، اتهموا أنفسكم ، لقد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا ، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين . فجاء عمر بن الخطاب - - رضي الله عنه - فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ; يا رسول الله ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال [ بلى ] قال ; أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال [ بلى ] قال ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال [ يا بن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا ] قال ; فانطلق عمر ، فلم يصبر متغيظا فأتى أبا بكر فقال ; يا أبا بكر ، ألسنا [ ص; 253 ] على حق وهم على باطل ؟ قال بلى ، قال ; أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال بلى . قال ; فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال ; يا بن الخطاب ، إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا . قال ; فنزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه ، فقال ; يا رسول الله ، أوفتح هو ؟ قال [ نعم ] . فطابت نفسه ورجع .قوله تعالى ; فعلم ما في قلوبهم من الصدق والوفاء ، قاله الفراء . وقال ابن جريج وقتادة ; من الرضا بأمر البيعة على ألا يفروا . وقال مقاتل ; من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه على الموت . فأنزل السكينة عليهم حتى بايعوا . وقيل ; فعلم ما في قلوبهم من الكآبة بصد المشركين إياهم وتخلف رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم ، إذ رأى أنه يدخل الكعبة ، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; [ إنما ذلك رؤيا منام ] . وقال الصديق ; لم يكن فيها الدخول في هذا العام .والسكينة ; الطمأنينة وسكون النفس إلى صدق الوعد . وقيل ; الصبر . وأثابهم فتحا قريبا قال قتادة وابن أبي ليلى ; فتح خيبر . وقيل ; فتح مكة . وقرئ ( وآتاهم )
القول في تأويل قوله تعالى ; لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)يقول تعالى ذكره; لقد رضي الله يا محمد عن المؤمنين ( إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) يعني بيعة أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وسول الله بالحديبية حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب, وعلى أن لا يفرّوا, ولا يولوهم الدبر تحت الشجرة, وكانت بيعتهم إياه هنالك فيما ذكر تحت شجرة.وكان سبب هذه البيعة ما قيل; إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه برسالته إلى الملإ من قريش, فأبطأ عثمان عليه بعض الإبطاء, فظنّ أنه قد قتل, فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت, فبايعوه على ذلك, وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان, وكان الذين بايعوه هذه البيعة فيما ذُكر في قول بعضهم; ألفا وأربع مئة, وفي قول بعضهم; ألفا وخمس مئة, وفي قول بعضهم; ألفا وثلاث مئة.ذكر الرواية بما وصفنا من سبب هذه البيعة;حدثنا ابن حميد, قال; ثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, قال; ثني بعض أهل العلم أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم دعا خراش بن أمية الخزاعي, فبعثه إلى قريش بمكة, وحمله على جمل له يقال له الثعلب, ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له, وذلك حين نـزل الحديبية, فعقروا به جمل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وأرادوا قتله, فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله, حتى أتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .قال; ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال; فحدثني من لا أتهم, عن عكرِمة مولى ابن عباس; " أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة, فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له, فقال; يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي, وليس بمكة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني, وقد عرفت قريش عداوتي إياها, وغلظتي عليهم, ولكني أدلك على رجل هو أعزّ بها مني عثمان بن عفان, فدعا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عثمان, فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب, وإنما جاء زائرا لهذا البيت, معظما لحرمته, فخرج عثمان إلى مكة, فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها, فنـزل عن دابته, فحمله بين يديه, ثم ردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش, فبلغهم عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ما أرسله به, فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به, قال; ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فاحتبسته قريش عندها, فبلغ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمسلمين أن عثمان قد قُتل " .قال; ثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, قال; فحدثني عبد الله بن أبي بكر " أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين بلغه أن عثمان قد قتل, قال; لا نَبْرَحُ حتى نُناجِزَ القَوْمَ, ودعا الناس إلى البيعة, فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة, فكان الناس يقولون; بايعهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على الموت فكان جابر بن عبد الله يقول; إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يبايعنا على الموت, ولكنه بايعنا على أن لا نفر, فبايع رسول الله الناسُ, ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة, كان جابر بن عبد الله يقول; لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته, قد اختبأ إليها, يستتر بها من الناس, ثم أتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن الذي ذُكر من أمر عثمان باطل ".حدثنا محمد بن عمارة الأسديّ, قال; ثنا عبيد الله بن موسى, قال; أخبرنا موسى بن عبيدة, عن إياس بن سلمة, قال; قال سلمة; " بينما نحن قائلون زمن الحديبية, نادى منادي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; أيها الناس البيعة البيعة, نـزل روح القدس صلوات الله عليه, قال; فثرنا إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وهو تحت شجرة سمرة, قال; فبايعناه, وذلك قول الله ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ).جدثنا عبد الحميد بن بيان اليشكري, قال; ثنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل, عن عامر, قال; كان أوّل من بايع بيعة الرضوان رجل من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب.حدثنا ابن المثنى, قال; ثنا يحيى بن حماد, قال; ثنا همام, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب, قال; كان جدّي يقال له حَزْن, وكان ممن بايع تحت الشجرة, فأتيناها من قابل, فعُمِّيت علينا.حدثنا ابن المثنى, قال; ثنا يحيى بن حماد, قال; ثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; أخبرني عمرو بن الحارث, عن بُكير بن الأشجّ " أنه بلغه أن الناس بايعوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على الموت, فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; عَلَى ما اسْتَطَعْتُمْ . والشجرة التي بُويع تحتها بفج نحو مكة, وزعموا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة, فقال; أين كانت, فجعل بعضهم يقول هنا, وبعضهم يقول; ههنا, فلما كثر اختلافهم قال; سيروا هذا التكلف فذهبت الشجرة وكانت سمرة إما ذهب بها سيل, وإما شيء سوى ذلك ".* ذكر عدد الذين بايعوا هذه البيعة;وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في عددهم, ونذكر الروايات عن قائلي المقالات التي ذكرناها إن شاء الله تعالى.* ذكر من قال; عددهم ألف وأربع مئة;حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي, قال; ثنا أبي, عن أبيه, عن جده, عن الأعمش, عن أبي سفيان عن جابر, قال; " كنا يوم الحُديبية ألفا وأربع مئة, فبايعنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على أن لا نفرّ, ولم نبايعه على الموت, قال; فبايعناه كلنا إلا الجدَّ بن قيس اختبأ تحت إبط ناقته ".حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, أخبرني القاسم بن عبد الله بن عمرو, عن محمد بن المنكدر, عن جابر بن عبد الله " أنهم كانوا يوم الحُديبية أربع عشرة مئة, فبايعنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعمر آخذ بيده تحت الشجرة, وهي سمرة, فبايعنا غير الجدّ بن قيس الأنصاريّ, اختبأ تحت إبط بعيره, قال جابر; بايعنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على أن لا نفرّ ولم نبايعه على الموت ".حدثنا يوسف بن موسى القطان, قال; ثنا هشام بن عبد الملك وسعيد بن شرحبيل المصري, قالا ثنا ليث بن سعد المصري قال; ثنا أبو الزبير, عن جابر, قال; " كنا يوم الحديبية ألفا وأربع مئة, فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة, فبايعناه على أن لا نفرّ, ولم نبايعه على الموت, يعني النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.حدثنا ابن بشار وابن المثنى, قالا ثنا ابن أبي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب, أنه قيل له; " إن جابر بن عبد الله يقول; إن أصحاب الشجرة كانوا ألفا وخمس مئة, قال سعيد; نسي جابر هو قال لي كانوا ألفا وأربع مئة ".حدثنا ابن حميد, قال; ثنا سلمة, قال; ثني محمد بن إسحاق, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن جابر قال; كنا أصحاب الحُديبية أربع عشرة مئة.* ذكر من قال; كان عدتهم ألفا وخمس مئة وخمسة وعشرين;حدثنا محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) قال; كان أهل البيعة تحت الشجرة ألفا وخمس مئة وخمسة وعشرين.حدثني بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قال; " الذين بايعوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تحت الشجرة, فجعلت لهم مغانم خيبر كانوا يومئذ خمس عشرة مئة, وبايعوا على أن لا يفرّوا عنه ".* ذكر من قال; كانوا ألفا وثلاث مئة;حدثنا ابن المثنى, قال; ثنا أبو داود, قال; ثنا شعبة, عن عمرو بن مرّة, قال; سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول; " كانوا يوم الشجرة ألفا وثلاث مئة, وكانت أسلم يومئذ من المهاجرين ".وقوله ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) يقول تعالى ذكره; فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة, من صدق النية, والوفاء بما يبايعونك عليه, والصبر معك ( فَأَنـزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) يقول; فأنـزل الطمأنينة, والثبات على ما هم عليه من دينهم وحُسن بصيرتهم بالحقّ الذي هداهم الله له.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنـزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) ; أي الصبر والوقار.وقوله ( وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) يقول; وعوّضهم في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة بقتالهم أهلها فتحا قريبا, وذلك فيما قيل; فتح خيبر.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن المثنى, قال; ثنا محمد بن جعفر, قال; ثنا شعبة, عن الحكم, عن ابن أبي ليلى ( وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) قال; خيبر.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) وهي خيبر.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله ( وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) قال; بلغني أنها خيبر.
يخبر تعالى بفضله ورحمته، برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المبايعة التي بيضت وجوههم، واكتسبوا بها سعادة الدنيا والآخرة، وكان سبب هذه البيعة -التي يقال لها \"بيعة الرضوان\" لرضا الله عن المؤمنين فيها، ويقال لها \"بيعة أهل الشجرة\" - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية في شأن مجيئه، وأنه لم يجئ لقتال أحد، وإنما جاء زائرا هذا البيت، معظما له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان لمكة في ذلك، فجاء خبر غير صادق، أن عثمان قتله المشركون، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من معه من المؤمنين، وكانوا نحوا من ألف وخمسمائة، فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين، وأن لا يفروا حتى يموتوا، فأخبر تعالى أنه رضي عن المؤمنين في تلك الحال، التي هي من أكبر الطاعات وأجل القربات، { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الإيمان، { فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } شكرا لهم على ما في قلوبهم، زادهم هدى، وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك الشروط التي شرطها المشركون على رسوله، فأنزل عليهم السكينة تثبتهم، وتطمئن بها قلوبهم، { وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } وهو: فتح خيبر، لم يحضره سوى أهل الحديبية، فاختصوا بخيبر وغنائمها، جزاءا لهم، وشكرا على ما فعلوه من طاعة الله تعالى والقيام بمرضاته.
(اللام) لام القسم لقسم مقدّر
(قد) حرف تحقيق
(عن المؤمنين) متعلّق بـ (رضي) ،
(إذ) ظرف في محلّ نصب متعلّق بـ (رضي) ،
(تحت) ظرف منصوب متعلّق بـ (يبايعونك) ،
(الفاء) عاطفة في الموضعين
(ما) موصول في محلّ نصب مفعول به
(في قلوبهم) متعلّق بمحذوف صلة ما
(عليهم) متعلّق بـ (أنزل) ،
(فتحا) مفعول به ثان منصوب.
جملة: «رضي الله ... » لا محلّ لها جواب القسم المقدّر.
وجملة: «يبايعونك ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «علم ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة يبايعونك .
وجملة: «أنزل ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة علم.
وجملة: «أثابهم ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة أنزل.
19-
(الواو) عاطفة
(مغانم) معطوف على
(فتحا) منصوبـ (الواو) استئنافيّة..
وجملة: «يأخذونها ... » في محلّ نصب نعت لمغانم .
وجملة: «كان الله عزيزا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
20-
(الفاء) عاطفة
(لكم) متعلّق بـ (عجّل) ،
(عنكم) متعلّق بـ (كفّ) ،
(الواو) عاطفة في الموضعين
(اللام) للتعليلـ (تكون) مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد اللام، واسمه ضمير يعود على المغانم
(للمؤمنين) متعلّق بنعت لـ (آية) .
والمصدر المؤوّلـ (أن تكون) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (كفّ) ، والجارّوالمجرور معطوف على تعليل مقدّر أي: كفّ أيدي الناس عنكم لتشكروه ولتكون آية..
وجملة: «وعدكم الله ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «تأخذونها ... » في محلّ نصب نعت لمغانم
(الثاني) .
وجملة: «عجّل ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة وعدكم.
وجملة: «كفّ ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة عجّل.
وجملة: «تكون ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «يهديكم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة تكون ...21-
(الواو) عاطفة
(أخرى) مفعول به لفعل محذوف تقديره وعدكم أو أثابكم- وهو نعت لمنعوت مقدّر أي مغانم أخرى -
(عليها) متعلّق بـ (تقدروا) المنفيّ
(قد) حرف تحقيق
(بها) متعلّق بـ (أحاط) ،
(على كلّ) متعلّق بخبر كان
(قديرا) .
وجملة: «
(عدكم) أخرى ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة كفّ- أو وعدكم- وجملة: «لم تقدروا عليها ... » في محلّ نصب نعت لأخرى.
وجملة: «قد أحاط الله بها ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «كان الله ... قديرا» لا محلّ لها استئنافيّة.