الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمٰلَهُمْ
اَلَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا وَصَدُّوۡا عَنۡ سَبِيۡلِ اللّٰهِ اَضَلَّ اَعۡمَالَهُمۡ
تفسير ميسر:
الذين جحدوا أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له، وصدوا الناس عن دينه، أَذْهَبَ الله أعمالهم، وأبطلها، وأشقاهم بسببها.
"الذين كفروا" أي بآيات الله "وصدوا" غيرهم "عن سبيل الله أضل أعمالهم" أي أبطلها وأذهبها ولم يجعل لهل ثوابا ولا جزاء كقوله تعالى "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا".
سورة القتال .وهي سورة محمد صلى الله عليه وسلم .مدنية في قول ابن عباس ، ذكره النحاس . وقال الماوردي ; في قول الجميع إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا ; إلا آية منها نزلت عليه بعد حجة الوداع حين خرج من مكة ، وجعل ينظر إلى البيت وهو يبكي حزنا عليه ، فنزل عليه وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك . وقال الثعلبي ; إنها مكية ، وحكاه ابن هبة الله عن الضحاك وسعيد بن جبير . وهي تسع وثلاثون آية . وقيل ; ثمان .بسم الله الرحمن الرحيم .الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم قال ابن عباس ومجاهد ; هم أهل مكة كفروا بتوحيد الله ، وصدوا أنفسهم والمؤمنين عن دين الله وهو الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، وقاله السدي . وقال الضحاك ; عن سبيل الله عن بيت الله بمنع قاصديه . ومعنى أضل أعمالهم ; أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل الدائرة عليهم ، قاله الضحاك . وقيل ; أبطل ما عملوه في كفرهم بما كانوا يسمونه مكارم ، من صلة الأرحام وفك الأسارى وقرى الأضياف وحفظ الجوار . وقال ابن عباس ; نزلت في المطعمين ببدر ، وهم اثنا عشر رجلا ; أبو جهل ، والحارث بن هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبي وأمية ابنا خلف ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن عامر بن نوفل .
القول في تأويل قوله تعالى ; الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; الذين جحدوا توحيد الله وعبدوا غيره وصدّوا من أراد عبادتَه والإقرار بوحدانيته, وتصديق نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن الذي أراد من الإسلام والإقرار والتصديق ( أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) يقول; جعل الله أعمالهم ضلالا على غير هدى وغير رشاد, لأنها عملت في سبيل الشيطان وهي على غير استقامة ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) يقول تعالى ذكره; والذين صدّقوا الله وعملوا بطاعته, واتبعوا أمره ونهيه ( وَآمَنُوا بِمَا نـزلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) يقول ; وصدّقوا بالكتاب الذي أنـزل الله على محمد ( وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ) يقول ; يقول; محا الله عنهم بفعلهم ذلك سيئ ما عملوا من الأعمال, فلم يؤاخذهم به, ولم يعاقبهم عليه (وأصلح بالهم) يقول; وأصلح شأنهم وحالهم في الدنيا عند أوليائه, وفي الآخرة بأن أورثهم نعيم الأبد والخلود الدائم في جنانه.
هذه الآيات مشتملات على ذكر ثواب المؤمنين وعقاب العاصين، والسبب في ذلك، ودعوة الخلق إلى الاعتبار بذلك، فقال: { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } وهؤلاء رؤساء الكفر، وأئمة الضلال، الذين جمعوا بين الكفر بالله وآياته، والصد لأنفسهم وغيرهم عن سبيل الله، التي هي الإيمان بما دعت إليه الرسل واتباعه.فهؤلاء { أَضَلَّ } الله { أَعْمَالَهُمْ } أي: أبطلها وأشقاهم بسببها، وهذا يشمل أعمالهم التي عملوها ليكيدوا بها الحق وأولياء الله، أن الله جعل كيدهم في نحورهم، فلم يدركوا مما قصدوا شيئا، وأعمالهم التي يرجون أن يثابوا عليها، أن الله سيحبطها عليهم، والسبب في ذلك أنهم اتبعوا الباطل، وهو كل غاية لا يراد بها وجه الله من عبادة الأصنام والأوثان، والأعمال التي في نصر الباطل لما كانت باطلة، كانت الأعمال لأجلها باطلة.
(عن سبيل) متعلّق بـ (صدّوا) ، وفاعلـ (أضلّ) ضمير يعود على لفظ الجلالة جملة: «الذين كفروا ... أضلّ» لا محلّ لها ابتدائيّة. وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) وجملة: «صدّوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة وجملة: «أضلّ ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين)