أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقٰدِرٍ عَلٰىٓ أَن يُحْۦِىَ الْمَوْتٰى ۚ بَلٰىٓ إِنَّهُۥ عَلٰى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
اَوَلَمۡ يَرَوۡا اَنَّ اللّٰهَ الَّذِىۡ خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَالۡاَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡىَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقٰدِرٍ عَلٰۤی اَنۡ يُّحۡیِۦَ الۡمَوۡتٰى ؕ بَلٰٓى اِنَّهٗ عَلٰى كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيۡرٌ
تفسير ميسر:
أغَفَلوا ولم يعلموا أنَّ الله الذي خلق السموات والأرض على غير مثال سبق، ولم يعجز عن خلقهن، قادر على إحياء الموتى الذين خلقهم أوّلا؟ بلى، ذلك أمر يسير على الله تعالى الذي لا يعجزه شيء، إنه على كل شيء قدير.
يقول تعالى أو لم ير هؤلاء المنكرون للبعث يوم القيامة المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد "أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن" أي ولم يكرثه خلقهن بل قال لها كوني فكانت بلا ممانعة ولا مخالفة بل طائعة مجيبة خائفة وجلة أفليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى؟ كما قال عز وجل في الآية الأخرى "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ولهذا قال تعالى بلى إنه على كل شيء قدير.
قوله تعالى ; أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير .[ ص; 202 ] قوله تعالى ; أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض الرؤية هنا بمعنى العلم . وأن واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي الرؤية . ومعنى لم يعي يعجز ويضعف عن إبداعهن . يقال ; عي بأمره وعيي إذا لم يهتد لوجهه ، والإدغام أكثر . وتقول في الجمع عيوا ، مخففا ، وعيوا أيضا بالتشديد . قالعيوا بأمرهم كما عيت ببيضتها الحمامةوعييت بأمري إذا لم تهتد لوجهه . وأعياني هو . وقرأ الحسن ( ولم يعي ) بكسر العين وإسكان الياء ، وهو قليل شاذ ، لم يأت إعلال العين وتصحيح اللام إلا في أسماء قليلة ، نحو غاية وآية . ولم يأت في الفعل سوى بيت أنشده الفراء ، وهو قول الشاعر ;فكأنها بين النساء سبيكة تمشي بسدة بيتها فتعيبقادر قال أبو عبيدة والأخفش ; الباء زائدة للتوكيد كالباء في قوله ; وكفى بالله شهيدا وقوله ; تنبت بالدهن . وقال الكسائي والفراء والزجاج ; الباء فيه خلف الاستفهام والجحد في أول الكلام . قال الزجاج ; والعرب تدخلها مع الجحد تقول ; ما ظننت أن زيدا بقائم . ولا تقول ; ظننت أن زيدا بقائم . وهو لدخول ما ودخول أن للتوكيد . والتقدير ; أليس الله بقادر ، كقوله تعالى ; أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر . وقرأ ابن مسعود والأعرج والجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب ( يقدر ) واختاره أبو حاتم ; لأن دخول الباء في خبر ( أن ) قبيح . واختار أبو عبيد قراءة العامة ; لأنها في قراءة عبد الله ( خلق السماوات والأرض قادر ) بغير باء . والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)يقول تعالى ذكره; أولم ينظر هؤلاء المنكرون إحياء الله خلقه من بعد وفاتهم, وبعثه إياهم من قبورهم بعد بلائهم, القائلون لآبائهم وأمهاتهم أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي فلم يبعثوا بأبصار قلوبهم, فيروا ويعلموا أن الله الذي خلق السموات السبع والأرض, فابتدعهنّ من غير شيء, ولم يعي بإنشائهنّ, فيعجز عن اختراعهنّ وإحداثهنّ( بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) فيخرجهم من بعد بلائهم في قبورهم أحياء كهيئتهم قبل وفاتهم.واختلف أهل العربية في وجه دخول الباء في قوله ( بِقَادِرٍ ) فقال بعض نحويي البصرة; هذه الباء كالباء في قوله كَفَى بِاللَّهِ وهو مثل تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وقال بعض نحويي الكوفة; دخلت هذه الباء للمَ; قال; والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها, وتدخلها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك; ما أظنك بقائم, وما أظنّ أنك بقائم, وما كنت بقائم, فإذا خلعت الباء نصبت الذي كانت تعمل فيه, بما تعمل فيه من الفعل, قال; ولو ألقيت الباء من قادر في هذا الموضع رفع, لأنه خبر لأن, قال; وأنشدني بعضهم;فَمَــا رَجَــعَتْ بخائِبَــةٍ رِكـابٌحَــكِيمُ بــنُ المُســيِّبِ مُنْتهَاهـا (3)فأدخل الباء في فعل لو ألقيت منه نصب بالفعل لا بالباء, يقاس على هذا ما أشبهه.وقال بعض من أنكر قول البصريّ الذي ذكرنا قوله; هذه الباء دخلت للجحد, لأن المجحود في المعنى وإن كان قد حال بينهما بأنّ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) قال; فإنَّ اسم يَرَوْا وما بعدها في صلتها, ولا تدخل فيه الباء, ولكن معناه جحد, فدخلت للمعنى.وحُكي عن البصريّ أنه كان يأبى إدخال إلا وأن النحويين من أهل الكوفة يجيزونه, ويقولون; ما ظننت أن زيدا إلا قائما, وما ظننت أن زيدا بعالم. وينشد;وَلَسْــتُ بِحــالِفٍ لَوَلَــدْتُ مِنْهُـمْعَــــلى عَمِّيَّـــةٍ إلا زِيـــادًا (4)قال; فأدخل إلا بعد جواب اليمين, قال; فأما كَفَى بِاللَّهِ , فهذه لم تدخل إلا لمعنى صحيح, وهي للتعجب, كما تقول لظَرُفَ بزيد. قال; وأما تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ فأجمعوا على أنها صلة. وأشبه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال; دخلت الباء في قوله (بقادِرٍ) للجَحْد, لما ذكرنا لقائلي ذلك من العلل.واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( بِقَادِرٍ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار, عن أبي إسحاق والجَحْدريّ والأعرج ( بقادِرٍ ) وهي الصحيحة عندنا لإجماع قرّاء الأمصار عليها. وأما الآخرون الذين ذكرتهم فإنهم فيما ذُكر عنهم كانوا يقرءون ذلك " يقدر " بالياء. وقد ذُكر أنه في قراءة عبد الله بن مسعود ( أنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ قَادِرٌ ) بغير باء, ففي ذلك حجة لمن قرأه " بقادِرٍ" بالباء والألف. وقوله ( بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول تعالى ذكره; بلى, يقدر الذي خلق السموات والأرض على إحياء الموتى; أي الذي خلق ذلك على كلّ شيء شاء خلقه, وأراد فعله, ذو قدرة لا يعجزه شيء أراده, ولا يُعييه شيء أراد فعله, فيعييه إنشاء الخلق بعد الفناء, لأن من عجز عن ذلك فضعيف, فلا ينبغي أن يكون إلها من كان عما أراد ضعيفا.-----------------الهوامش;(3) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 303 ) قال ; وقوله تعالى ; " أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض بقادر " ; دخلت الباء للم . والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها ، أو يدخلونها إذا وقع عليها فعل محتاج إلى اسمين مثل قولك ; ما أظنك بقائم ، وما أظن بقائم ، وما كنت بقائم ، فإذا خلعت الباء ، نصبت الذي كانت تعمل فيه بما تعمل فيه من الفعل . ولو ألقيت الباء من " قادر " في هذا الموضع رفع، لأنه خبر لأن ، وأنشدني بعضهم ; " فما رجعت بخائبة ... البيت " . فادخل الباء في فعل لو ألقيت منه ، نصب بالفعل لا بالباء . يقاس على هذا ما أشبهه ؛ وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ " يقدر " مكان " بقادر " ، كما قرأ حمزة ; " وما أنت بهادي العمي " ، وقراءة العوام " بهاد العمي " . أ هـ .(4) هذا بيت لم ينسبه المؤلف ، ونقله عن بعض النحويين . وليس في معاني القرآن للفراء . وهو موضع خلاف بين البصريين والكوفيين . فالبصريون يأبون دخول ( إلا ) بعد جواب اليمين ، والكوفيون يجيزونه ويستشهدون بالبيت على ذلك ، كما قال المؤلف .
هذا استدلال منه تعالى على الإعادة بعد الموت بما هو أبلغ منها، وهو أنه الذي خلق السماوات والأرض على عظمهما وسعتهما وإتقان خلقهما من دون أن يكترث بذلك ولم يعي بخلقهن فكيف تعجزه إعادتكم بعد موتكم وهو على كل شيء قدير؟\"
(الهمزة) للاستفهام التوبيخيّ
(الواو) عاطفة
(الذي) موصول في محلّ نصب نعت للفظ الجلالة
(الواو) عاطفة
(بخلقهنّ) متعلّق بـ (يعي) ،
(قادر) مجرور لفظا مرفوع محلّا خبر أنّ ... »
والمصدر المؤوّلـ (أنّ الله ... ) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي يرواوالمصر المؤوّلـ (أن يحيى ... ) في محلّ جرّ بـ (على) متعلّق بـ (قادر)
(بلى) حرف جواب لإقرار نقيض النفي أي هو قادر على إحياء الموتى
(على كلّ) متعلّق بـ (قدير) جملة: «يروا ... » لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي أغفلوا ولم يروا..
وجملة: «خلق ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) وجملة: «لم يعي ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة وجملة: «يحيى ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) وجملة: «إنّه ... قدير» لا محلّ لها تعليل للجواب المقدّر