وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
وَفِىۡ خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِنۡ دَآبَّةٍ اٰيٰتٌ لِّقَوۡمٍ يُّوۡقِنُوۡنَۙ
تفسير ميسر:
وفي خَلْقكم -أيها الناس- وخلق ما تفرق في الأرض من دابة تَدِبُّ عليها، حجج وأدلة لقوم يوقنون بالله وشرعه.
وما فيهما من المخلوقات المختلفة الأجناس والأنواع من الملائكة والجن والإنس والدواب والطيور والوحوش والسباع والحشرات وما في البحر من الأصناف المتنوعة.
قوله تعالى ; وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق يعني المطرفأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون تقدم جميعه مستوفى في ( البقرة ) وغيرها . وقراءة العامة وما يبث من دابة آيات ، وتصريف الرياح آيات بالرفع فيهما . وقرأ حمزة والكسائي بكسر التاء فيهما . ولا خلاف في الأول أنه بالنصب على اسم ( إن ) وخبرها في السماوات ووجه الكسر في ( آيات ) الثاني العطف على ما عملت فيه ، التقدير ; إن في خلقكم وما يبث من دابة آيات . فأما الثالث فقيل ; إن وجه النصب فيه تكرير ( آيات ) لما طال الكلام ، كما تقول ; ضربت زيدا زيدا . وقيل ; إنه على الحمل على ما عملت فيه ( إن ) على تقدير حذف ( في ) ، التقدير ; وفي اختلاف الليل والنهار آيات . فحذفت " في " لتقدم ذكرها . وأنشد سيبويه في الحذف [ للشاعر أبي داود الأيادي ] ;أكل امرئ تحسبين امرأ ونارا توقد بالليل نارافحذف ( كل ) المضاف إلى نار المجرورة لتقدم ذكرها . وقيل ; هو من باب العطف على عاملين . ولم يجزه سيبويه ، وأجازه الأخفش وجماعة من الكوفيين ، فعطف واختلاف على قوله ; وفي خلقكم ثم قال ; وتصريف الرياح آيات فيحتاج إلى العطف على عاملين ، والعطف على عاملين قبيح من أجل أن حروف العطف تنوب مناب العامل ، فلم تقو أن تنوب مناب عاملين مختلفين ، إذ لو ناب مناب رافع وناصب لكان رافعا ناصبا في حال . وأما قراءة الرفع فحملا على موضع ( إن ) مع ما عملت فيه . وقد ألزم النحويون في ذلك أيضا العطف على عاملين ; لأنه عطف واختلاف على وفي خلقكم ، وعطف ( آيات ) على موضع ( آيات ) الأول ، ولكنه يقدر على تكرير ( في ) . ويجوز أن يرفع على القطع مما قبله فيرفع بالابتداء ، وما قبله خبره ، ويكون عطف جملة على جملة . وحكى الفراء رفع ( واختلاف ) و ( آيات ) جميعا ، وجعل الاختلاف هو الآيات .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)يقول تعالى ذكره; وفى خلق الله إياكم أيها الناس, وخلقه ما تفرّق في الأرض من دابة تدّب عليها من غير جنسكم ( آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) يعني; حججا وأدلة لقوم يوقنون بحقائق الأشياء, فيقرّون بها, ويعلمون صحتها.واختلفت القرّاء في قراءة قوله; ( آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) وفي التي بعد ذلك فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (آياتٌ) رفعا على الابتداء, وترك ردّها على قوله لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ , وقرأته عامة قرّاء الكوفة (آياتٍ) خفضا بتأويل النصب ردّا على قوله لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ .وزعم قارئو ذلك كذلك من المتأخرين أنهم اختاروا قراءته كذلك, لأنه في قراءة أُبيّ في الآيات الثلاثة (لآياتٍ) باللام فجعلوا دخول اللام في ذلك في قراءته دليلا لهم على صحة قراءة جميعه بالخفض, وليس الذي اعتمدوا عليه من الحجة في ذلك بحجة, لأنه لا رواية بذلك عن أبيّ صحيحة, وأبيّ لو صحت به عنه رواية, ثم لم يُعلم كيف كانت قراءته بالخفض أو بالرفع لم يكن الحكم عليه بأنه كان يقرؤه خفضا, بأولى من الحكم عليه بأنه كان يقرؤه رفعا, إذ كانت العرب قد تدخل اللام في خبر المعطوف على جملة كلام تامّ قد عملت في ابتدائها " إن ", مع ابتدائهم إياه, كما قال حُمَيد بن ثَور الهِلاليّ;إنَّ الخِلافَـــةَ بَعْـــدَهُمْ لَذَميمَــةٌوَخَــلائِفٌ طُــرُفٌ لَمِمَّــا أحْـقِرُ (1)فأدخل اللام في خبر مبتدأ بعد جملة خبر قد عملت فيه " إن " إذ كان الكلام, وإن ابتدئ منويا فيه إن.والصواب من القول في ذلك إن كان الأمر على ما وصفنا أن يقال; إن الخفض في هذه الأحرف والرفع قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار قد قرأ بهما علماء من القرّاء صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.------------------------الهوامش;(1) لم أجد البيت في ديوان حميد بن ثور الهلالي طبعة دار الكتب المصرية . والخلاف الطرف ; هم الذين خلفوا بعد آبائهم القدماء . يقول ; إن الخلافة بعد الخلفاء الأولين صارت ذميمة ، والخلفاء المحدثون محتقرون في عيني ، لأنهم لا يسلكون مسلك آبائهم . والشاهد في البيت أن الشاعر استأنف بالواو جملة من مبتدأ وخبر مرفوعين بعد الجملة الأولى التي مبتدؤها منصوب بأن ، وذلك كما في الآية ; "إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون" . ا . هـ . وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 299) قوله " وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات"; تقرأ الآيات بالخفض، على تأويل النصب ، يرد على قوله "إن في السموات والأرض لآيات" . ويقوي الخفض فيها أنها في قراءة عبد الله بن مسعود ; لآيات . وفي قراءة أُبي لآيات. والرفع قراءة الناس على الاستئناف فيما بعد أن . والعرب تقول ; إن لي عليك مالا ، وعلى أخيك مال كثير ، فينصبون الثاني ويرفعونه وفي قراءة عبد الله ; "وفي اختلاف الليل والنهار" فهذه تقوي خفض الاختلاف . ولو رفع رافع فقال; "واختلاف الليل والنهار آيات" أيضا ، يجعل الاختلاف آيات ، ولم نسمعه من أحد من القراء . قال ; ولو رفع رافع الآيات وفيها اللام ، كان صوابا. قال ; أنشدني الكسائي "إن الخلافة.." البيت.
وما بث فيهما من الدواب وما أودع فيهما من المنافع وما أنزل الله من الماء الذي يحيي به الله البلاد والعباد.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة