وَسْـَٔلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمٰنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ
وَسۡـــَٔلۡ مَنۡ اَرۡسَلۡنَا مِنۡ قَبۡلِكَ مِنۡ رُّسُلِنَاۤ اَجَعَلۡنَا مِنۡ دُوۡنِ الرَّحۡمٰنِ اٰلِهَةً يُّعۡبَدُوۡنَ
تفسير ميسر:
واسأل -أيها الرسول- أتباع مَن أرسلنا مِن قبلك من رسلنا وحملة شرائعهم; أجاءت رسلهم بعبادة غير الله؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع؛ فإن جميع الرسل دَعَوْا إلى ما دعوتَ الناس إليه من عبادة الله وحده، لا شريك له، ونهَوْا عن عبادة ما سوى الله.
وقوله سبحانه وتعالي "واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد كقوله جلت عظمته "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" قال مجـاهد في قراءة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه واسئل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي وابن مسعود رضي الله عنه وهذا كأنه تفسير لا تلاوة والله أعلم.وقال عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم واسألهم ليلة الإسراء فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له واختار ابن جرير الأول والله أعلم.
قوله تعالى ; واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون .قال ابن عباس وابن زيد ; لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو مسجد بيت المقدس - بعث الله له آدم ومن ولد من المرسلين ، وجبريل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأذن جبريل - صلى الله عليه وسلم - ثم أقام الصلاة ، ثم قال ; يا محمد تقدم فصل بهم ، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال له جبريل - صلى الله عليه وسلم - ; [ سل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ] . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لا أسأل قد اكتفيت . قال ابن عباس ; وكانوا سبعين نبيا منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله منهم . في غير رواية ابن عباس ; فصلوا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة صفوف ، المرسلون ثلاثة صفوف والنبيون أربعة ، وكان يلي ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم خليل الله ، وعلى يمينه إسماعيل وعلى [ ص; 88 ] يساره إسحاق ثم موسى ثم سائر المرسلين فأمهم ركعتين ، فلما انفتل قام فقال ; إن ربي أوحى إلي أن أسألكم هل أرسل أحد منكم يدعو إلى عبادة غير الله ؟ فقالوا ; يا محمد ، إنا نشهد إنا أرسلنا أجمعين بدعوة واحدة أن لا إله إلا الله وأن ما يعبدون من دونه باطل ، وأنك خاتم النبيين وسيد المرسلين ، قد استبان ذلك لنا بإمامتك إيانا ، وأن لا نبي بعدك إلى يوم القيامة إلا عيسى ابن مريم فإنه مأمور أن يتبع أثرك ) . وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى ; واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا قال ; لقي الرسل ليلة أسري به . وقال الوليد بن مسلم في قوله تعالى ; واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا قال ; سألت عن ذلك وليد بن دعلج فحدثني عن قتادة قال ; سألهم ليلة أسري به ، لقي الأنبياء ولقي آدم ومالكا خازن النار .قلت ; هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية . ومن التي قبل رسلنا على هذا القول غير زائدة . وقال المبرد وجماعة من العلماء ; إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا . وروي أن في قراءة ابن مسعود ; ( واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا ) وهذه قراءة مفسرة ، ف ( من ) على هذا زائدة ، وهو قول مجاهد والسدي والضحاك وقتادة وعطاء والحسن وابن عباس أيضا . أي ; واسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل . وقيل ; المعنى سلنا يا محمد عن الأنبياء الذين أرسلنا قبلك ، فحذفت " عن " ، والوقف على رسلنا على هذا تام ، ثم ابتدأ بالاستفهام على طريق الإنكار . وقيل ; المعنى واسأل تباع من أرسلنا من قبلك من رسلنا ، فحذف المضاف . والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته .أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون أخبر عن الآلهة كما أخبر عمن يعقل فقال ; ( يعبدون ) ولم يقل تعبد ولا يعبدن ، لأن الآلهة جرت عندهم مجرى من يعقل فأجرى الخبر عنهم مجرى الخبر عمن يعقل .وسبب هذا الأمر بالسؤال أن اليهود والمشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ; إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك ، فأمره الله بسؤاله الأنبياء على جهة التوقيف والتقرير ، لا لأنه كان في شك منه . واختلف أهل التأويل في سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم على قولين ; أحدهما ; أنه سألهم فقالت الرسل بعثنا بالتوحيد ، قاله الواقدي . الثاني ; أنه لم يسألهم ليقينه بالله - عز وجل - ، حتى حكى ابن زيد أن ميكائيل قال لجبريل ; ( هل سألك محمد عن ذلك ؟ فقال جبريل ; هو أشد إيمانا وأعظم يقينا من أن يسأل عن ذلك ) . وقد تقدم هذا المعنى في الروايتين حسبما ذكرناه .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)اختلف أهل التأويل في معنى قوله; ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) ومن الذين أمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بمسألتهم ذلك, فقال بعضهم الذين أمر بمسألتهم ذلك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, مؤمنو أهل الكتابين; التوراة, والإنجيل.* ذكر من قال ذلك;حدثني عبد الأعلى بن واصل, قال; ثنا يحيى بن آدم, عن ابن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال; في قراءة عبد الله بن مسعود " وَاسأَلْ الَّذِينَ أرْسَلْنا إلَيْهِمْ قَبْلَكَ رُسُلنا ".حدثنا محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط, عن السديّ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) إنها قراءة عبد الله; " سل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا ".حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) يقول; سل أهل التوراة والإنجيل; هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد أن يوحدوا الله وحده؟ قال; وفي بعض القراءة; " واسأل الذين أرسلنا إليهم رسلنا قبلك ".( أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ).حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة في بعض الحروف " واسْأَلْ الَّذِينَ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا " سل أهل الكتاب; أما كانت الرسل تأتيهم بالتوحيد؟ أما كانت تأتي بالإخلاص؟.حُدثت عن الحسين, قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد, قال; سمعت الضحاك يقول; في قوله; ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) في قراءة ابن مسعود " سَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ" يعني; مؤمني أهل الكتاب.وقال آخرون; بل الذي أمر بمسألتهم ذلك الأنبياء الذين جُمِعوا له ليلة أُسرِي به ببيت المقدس.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله; ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ )... الآية, قال; جمعوا له ليلة أُسري به ببيت المقدس, فأمهم, وصلى بهم, فقال الله له; سلهم, قال; فكان أشدّ إيمانا ويقينا بالله وبما جاء من الله أن يسألهم, وقرأ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ قال; فلم يكن فى شكّ, ولم يسأل الأنبياء, ولا الذين يقرءون الكتاب. قال; ونادى جبرائيل صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقلت في نفسي; " الآن يؤمنا أبونا إبراهيم "; قال; " فدفع جبرائيل في ظهري", قال; تقدم يا محمد فصلّ, وقرأ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... حتى بلغ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا .وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك, قول من قال; عني به; سل مؤمني أهل الكتابين.فإن قال قائل; وكيف يجوز أن يقال; سل الرسل, فيكون معناه; سل المؤمنين بهم وبكتابهم؟ قيل; جاز ذلك من أجل أن المؤمنين بهم وبكتبهم أهل بلاغ عنهم ما أتوهم به عن ربهم, فالخبر عنهم وعما جاءوا به من ربهم إذا صحَّ بمعنى خبرهم, والمسألة عما جاءوا به بمعنى مسألتهم إذا كان المسئول من أهل العلم بهم والصدق عليهم, وذلك نظير أمر الله جلّ ثناؤه إيانا برد ما تنازعنا فيه إلى الله وإلى الرسول, يقول; فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ومعلوم أن معنى ذلك; فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله, لأن الرد إلى ذلك رد إلى الله والرسول. وكذلك قوله; ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) إنما معناه; فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل, فإنك تعلم صحة ذلك من قبلنا, فاستغنى بذكر الرسل من ذكر الكتب, إذ كان معلوما ما معناه.وقوله; ( أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) يقول; أمرناهم بعبادة الآلهة من دون إلله فيما جاءوهم به, أو أتوهم بالأمر بذلك من عندنا.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط, عن السديّ( أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )؟ أتتهم الرسل يأمرونهم بعبادة الآلهة من دون الله؟ وقيل; ( آلِهَةً يُعْبَدُونَ ), فأخرج الخبر عن الآلهة مخرج الخبر عن ذكور بني آدم, ولم يقل; تعبد, ولا يعبدن, فتؤنث وهي حجارة, أو بعض الجماد كما يفعل في الخبر عن بعض الجماد. وإنما فعل ذلك كذلك, إذ كانت تعبد وتعظم تعظيم الناس ملوكهم وسراتهم, فأجري الخبر عنها مُجْرى الخبر عن المملوك والأشراف من بني آدم.
{ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } حتى يكون للمشركين نوع حجة، يتبعون فيها أحدا من الرسل، فإنك لو سألتهم واستخبرتهم عن أحوالهم، لم تجد أحدا منهم يدعو إلى اتخاذ إله آخر مع الله مع أن كل الرسل، من أولهم إلى آخرهم، يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له. قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وكل رسول بعثه الله، يقول لقومه: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، فدل هذا أن المشركين ليس لهم مستند في شركهم، لا من عقل صحيح، ولا نقل عن الرسل.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة