تَكَادُ السَّمٰوٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚ وَالْمَلٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
تَـكَادُ السَّمٰوٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡ فَوۡقِهِنَّ وَالۡمَلٰٓٮِٕكَةُ يُسَبِّحُوۡنَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُوۡنَ لِمَنۡ فِى الۡاَرۡضِؕ اَلَاۤ اِنَّ اللّٰهَ هُوَ الۡغَفُوۡرُ الرَّحِيۡمُ
تفسير ميسر:
تكاد السماوات يتشقَّقْنَ، كل واحدة فوق التي تليها؛ من عظمة الرحمن وجلاله تبارك وتعالى، والملائكة يسبحون بحمد ربهم، وينزهونه عما لا يليق به، ويسألون ربهم المغفرة لذنوب مَن في الأرض مِن أهل الإيمان به. ألا إن الله هو الغفور لذنوب مؤمني عباده، الرحيم بهم.
قوله عز وجل "تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن" قال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك وقتادة والسدي وكعب الأحبار أي فرقا من العظمة "والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض" كقوله جل وعلا "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما" وقوله جل جلاله "ألا إن الله هو الغفور الرحيم" إعلام بذلك وتنويه به.
قوله تعالى ; تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم .قوله تعالى ; تكاد السماوات قراءة العامة بالتاء . وقرأ نافع وابن وثاب والكسائي بالياء . ( يتفطرن ) قرأ نافع وغيره بالياء والتاء والتشديد في الطاء ، وهي قراءة العامة . وقرأ أبو عمرو وأبو بكر والمفضل وأبو عبيد ( ينفطرن ) من الانفطار ، كقوله تعالى ; إذا السماء انفطرت وقد مضى في سورة ( مريم ) بيان هذا . وقال ابن عباس ; تكاد السماوات يتفطرن أي ; تكاد كل واحدة منها تنفطر فوق التي تليها ، من قول المشركين ; اتخذ الله ولدا . [ ص; 6 ] وقال الضحاك والسدي ; يتفطرن أي ; يتشققن من عظمة الله وجلاله فوقهن . وقيل ; فوقهن ; فوق الأرضين من خشية الله لو كن مما يعقل .قوله تعالى ; والملائكة يسبحون بحمد ربهم أي ينزهونه عما لا يجوز في وصفه ، وما لا يليق بجلاله . وقيل ; يتعجبون من جرأة المشركين ، فيذكر التسبيح في موضع التعجب . وعن علي - رضي الله عنه - ; أن تسبيحهم تعجب مما يرون من تعرضهم لسخط الله . وقال ابن عباس ; تسبيحهم خضوع لما يرون من عظمة الله . ومعنى بحمد ربهم ; بأمر ربهم ، قاله السدي .ويستغفرون لمن في الأرض قال الضحاك ; لمن في الأرض من المؤمنين ، وقاله السدي . بيانه في سورة غافر ; ويستغفرون للذين آمنوا . وعلى هذا تكون الملائكة هنا حملة العرش . وقيل ; جميع ملائكة السماء ، وهو الظاهر من قول الكلبي . وقال وهب بن منبه ; هو منسوخ بقوله ; ويستغفرون للذين آمنوا قال المهدوي ; والصحيح أنه ليس بمنسوخ ; لأنه خبر ، وهو خاص للمؤمنين . وقال أبو الحسن الماوردي عن الكلبي ; إن الملائكة لما رأت الملكين اللذين اختبرا وبعثا إلى الأرض ليحكما بينهم ، فافتتنا بالزهرة وهربا إلى إدريس - وهو جد أبي نوح عليهما السلام - وسألاه أن يدعو لهما ، سبحت الملائكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم . قال أبو الحسن بن الحصار ; وقد ظن بعض من جهل أن هذه الآية بسبب هاروت وماروت ، وأنها منسوخة بالآية التي في المؤمن ، وما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفار للمؤمنين خاصة ، ولله ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض . الماوردي ; وفي استغفارهم لهم قولان ; أحدهما ; من الذنوب والخطايا ، وهو ظاهر قول مقاتل . الثاني ; أنه طلب الرزق لهم والسعة عليهم ، قاله الكلبي .قلت ; وهو أظهر ، لأن الأرض تعم الكافر وغيره ، وعلى قول مقاتل لا يدخل فيه الكافر . وقد روي في هذا الباب خبر رواه عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال ; إن العبد إذا كان يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة ; صوت معروف من آدمي ضعيف ، كان يذكر الله تعالى في السراء فنزلت به الضراء ، فيستغفرون له . فإذا كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة ; صوت منكر من آدمي كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء فلا يستغفرون الله له . وهذا يدل على أن الآية في الذاكر لله تعالى في السراء والضراء ، فهي خاصة ببعض من في الأرض من المؤمنين . والله أعلم . ويحتمل [ ص; 7 ] أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى ; إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا إلى أن قال ; إنه كان حليما غفورا ، وقوله تعالى ; وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم . والمراد الحلم عنهم وألا يعاجلهم بالانتقام ، فيكون عاما ، قاله الزمخشري . وقال مطرف ; وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة ، ووجدنا أغشى عباد الله لعباد الله الشياطين . وقد تقدم .ألا إن الله هو الغفور الرحيم قال بعض العلماء ; هيب وعظم - جل وعز - في الابتداء ، وألطف وبشر في الانتهاء .
وقوله; ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ) يقول تعالى ذكره; تكاد السموات يتشققن من فوق الأرضين, من عظمة الرحمن وجلاله.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله; ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ) قال; يعني من ثقل الرحمن وعظمته تبارك وتعالى.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله; ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ) ; أي من عظمة الله وجلاله.حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال; ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.حدثنا محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط, عن السديّ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ ) قال; يتشقَّقن في قوله; مُنْفَطِرٌ بِهِ قال; منشقّ به.حدثنا عن الحسين, قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد, قال; سمعت الضحاك يقول, في قوله; ( يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ) يقول; يتصدعن من عظمة الله.حدثنا محمد بن منصور الطوسي, قال; ثنا حسين بن محمد, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس, قال; جاء رجل إلى كعب فقال; يا كعب أين ربنا؟ فقال له الناس; دقّ الله تعالى, أفتسال عن هذا؟ فقال كعب; دعوه, فإن يك عالما ازداد, وإن يك جاهلا تعلم. سألت أين ربنا, وهو على العرش العظيم متكئ, واضع إحدى رجليه على الأخرى, ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمسمائة سنة ومن الأرض إلى الأرض مسيرة خمس مئة سنة, وكثافتها خمس مئة سنة, حتى تمّ سبع أرضين, ثم من الأرض إلى السماء مسيرة خمس مئة سنة, وكثافتها خمس مئة سنة, والله على العرم متكئ, ثم تفطر السموات. ثم قال كعب; اقرءوا إن شئتم ( مِنْ فَوْقِهِنَّ ).... الآية.وقوله; ( وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) يقول تعالى ذكره; والملائكة يصلون بطاعة ربهم وشكرهم له من هيبة جلاله وعظمته.كما حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثنا أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) قال; والملائكة يسبحون له من عظمته.وقوله; ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ ) يقول; ويسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الأرض من أهل الإيمان به.كما حدثنا محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله; ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ ) قال; للمؤمنين.يقول الله عزّ وجلّ; ألا إن الله هو الغفور لذنوب مؤمني عباده, الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد توبتهم منها.
{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ } على عظمها وكونها جمادا، { وَالْمَلَائِكَةِ } الكرام المقربون خاضعون لعظمته، مستكينون لعزته، مذعنون بربوبيته. { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } ويعظمونه عن كل نقص، ويصفونه بكل كمال، { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ } عما يصدر منهم، مما لا يليق بعظمة ربهم وكبريائه، مع أنه تعالى هو { الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الذي لولا مغفرته ورحمته، لعاجل الخلق بالعقوبة المستأصلة.وفي وصفه تعالى بهذه الأوصاف، بعد أن ذكر أنه أوحى إلى الرسل كلهم عموما، وإلى محمد - صلى الله عليهم أجمعين- خصوصا، إشارة إلى أن هذا القرآن الكريم، فيه من الأدلة والبراهين، والآيات الدالة على كمال الباري تعالى، ووصفه بهذه الأسماء العظيمة الموجبة لامتلاء القلوب من معرفته ومحبته وتعظيمه وإجلاله وإكرامه، وصرف جميع أنواع العبودية الظاهرة والباطنة له تعالى، وأن من أكبر الظلم وأفحش القول، اتخاذ أنداد للّه من دونه، ليس بيدهم نفع ولا ضرر، بل هم مخلوقون مفتقرون إلى الله في جميع أحوالهم.
(من فوقهنّ) متعلّق بـ (يتفطّرن) ،
(الواو) عاطفة في الموضعين
(بحمد) متعلّق بحال من فاعل يسبّحون
(لمن) متعلّق بـ (يستغفرون) ،
(ألا) للتنبيه
(هو) ضمير فصل ..جملة: «تكاد السموات ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «يتفطّرن ... » في محلّ نصب خبر تكاد وجملة: «الملائكة يسبّحون ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة وجملة: «يسبّحون ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الملائكة) وجملة: «يستغفرون ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة يسبّحون وجملة: «إنّ الله ... الغفور» لا محلّ لها استئنافيّة