وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجٰدِلُونَ فِىٓ ءَايٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ
وَّيَعۡلَمَ الَّذِيۡنَ يُجَادِلُوۡنَ فِىۡۤ اٰيٰتِنَا ؕ مَا لَهُمۡ مِّنۡ مَّحِيۡصٍ
تفسير ميسر:
ويَعْلَم الذين يجادلون بالباطل في آياتنا الدالة على توحيدنا، ما لهم من محيد ولا ملجأ من عقاب الله، إذا عاقبهم على ذنوبهم وكفرهم به.
أي لا محيد لهم عن بأسنا ونقمتنا فإنهم مقهورون بقدرتنا.
ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص [ ص; 33 ] يعني الكفار ، أي ; إذا توسطوا البحر وغشيتهم الرياح من كل مكان أو بقيت السفن رواكد علموا أنه لا ملجأ لهم سوى الله ، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم فيخلصون له العبادة . وقد مضى هذا المعنى في غير موضع ، ومضى القول في ركوب البحر في ( البقرة ) وغيرها بما يغني عن إعادته . وقرأ نافع وابن عامر ( ويعلم ) بالرفع ، الباقون بالنصب . فالرفع على الاستئناف بعد الشرط والجزاء ، كقوله في سورة التوبة ; ويخزهم وينصركم عليهم ثم قال ; ويتوب الله على من يشاء رفعا . ونظيره في الكلام ; إن تأتني آتك وينطلق عبد الله . أو على أنه خبر ابتداء محذوف . والنصب على الصرف ، كقوله تعالى ; ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافا كراهية لتوالي الجزم ، كقول النابغة ;فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام ويمسك بعده بذناب عيشأجب الظهر ليس له سناموهذا معنى قول الفراء ، قال ; ولو جزم ( ويعلم ) جاز . وقال الزجاج ; نصب على إضمار ( أن ) لأن قبلها جزما ، تقول ; ما تصنع أصنع مثله وأكرمك . وإن شئت قلت ; وأكرمك بالجزم . وفي بعض المصاحف ( وليعلم ) وهذا يدل على أن النصب بمعنى ; وليعلم أو لأن يعلم . وقال أبو علي والمبرد ; النصب بإضمار ( أن ) على أن يجعل الأول في تقدير المصدر ؛ أي ; ويكون منه عفو وأن يعلم فلما حمله على الاسم أضمر ( أن ) ، كما تقول ; إن تأتني وتعطيني أكرمك ، فتنصب تعطيني ، أي ; إن يكن منك إتيان وأن تعطيني . ومعنى ( من محيص ) أي ; من فرار ومهرب ، قاله قطرب السدي ; من ملجأ وهو مأخوذ من قولهم ; حاص به البعير حيصة إذا رمى به . ومنه قولهم ; فلان يحيص عن الحق أي ; يميل عنه .
وقوله; (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا) يقول جلّ ثناؤه; ويعلم الذين يخاصمون رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من المشركين في آياته وعبره وأدلته على توحيده.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة " وَيَعْلَمُ الَّذِينَ" رفعا على الاستئناف, كما قال في سورة براءة; وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وقرأته قرّاء الكوفة والبصرة (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) نصبا كما قال في سورة آل عمران وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ على الصرف; وكما قال النابغة;فــإنْ يَهْلِــكْ أبـو قـابُوسَ يَهْلِـكْرَبِيــعُ النَّــاسِ والشَّــهْرُ الحَـرَامُوَنُمْسِـــكَ بَعْــدَهُ بذنَــاب عَيْشٍأجَـــبِّ الظَّهْـــرِ لَــهُ سَــنامُ (2)والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.وقوله; (مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) يقول تعالى ذكره; ما لهم من محيص من عقاب الله إذا عاقبهم على ذنوبهم, وكفرهم به, ولا لهم منه ملجأ.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط عن السديّ, قوله; (مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) ; ما لهم من ملجأ.----------------الهوامش ;(2) البيتان للنابغة الذبياني من مقطوعة يخاطب بها عصام بن شهبرة الجرمي حاجب النعمان ، ويسأله عما بلغه من مرضه ( مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا ص 191 ) وقوله ;" ربيع الناس" جعل النعمان بمنزلة الربيع في الحصب ، لكثرة عطائه ، وهو موضع الأمن من كل مخافة لمستجير وغيره ، مثل الشهر الحرام . و" أجب الظهر" ; لا سنام له . ويجوز في الظهر ; الرفع والنصب والجر يقول ; نبقى بعده في شدة من العيش وسوء حال . وذناب الشيء ; ذنبه . والشاهد في البيتين في قوله" ونأخذ" فإنه يجوز فيه الرفع على الاستئناف ، والنصب بتقدير" أن" ، والجزم بالعطف على يهلك ( فرائد القلائد للعيني ) . وقال الفراء في معاني القرآن ( الروقة 292 ) وقوله" ويعف عن كثير ويعلم الذين" ; مردودة على الجزم إلا أنه صرف ( النصف على الصرف مذهب للفراء في العطف على المجزوم كما في الآية ، وفي المفعول معه ، وفي خبر المبتدأ إذا كان ظرفا ) قال ; والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب ، كقول الشاعر ;" فإن يهلك ..." البيتين . والرفع جائز في المنصوب على الصرف . وقد قرأ بذلك قوم ، فرفعوا ويعلم الذين يجادلون . ومثله مما استؤنف فرفع ;" ويتوب الله من بعد ذلك على من يشاء" في براءة . ولو جزم" ويعلم" جازم كان مصيبا . ا هـ .
ثم قال تعالى: { وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا } ليبطلوها بباطلهم. { مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ } أي: لا ينقذهم منقذ مما حل بهم من العقوبة.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة