فَمَا لَكُمْ فِى الْمُنٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓا ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلًا
فَمَا لَـكُمۡ فِىۡ الۡمُنٰفِقِيۡنَ فِئَـتَيۡنِ وَاللّٰهُ اَرۡكَسَهُمۡ بِمَا كَسَبُوۡاؕ اَ تُرِيۡدُوۡنَ اَنۡ تَهۡدُوۡا مَنۡ اَضَلَّ اللّٰهُ ؕ وَمَنۡ يُّضۡلِلِ اللّٰهُ فَلَنۡ تَجِدَ لَهٗ سَبِيۡلًا
تفسير ميسر:
فما لكم -أيها المؤمنون- في شأن المنافقين إذ اختلفتم فرقتين; فرقة تقول بقتالهم وأخرى لا تقول بذلك؟ والله تعالى قد أوقعهم في الكفر والضلال بسبب سوء أعمالهم. أتودون هداية من صرف الله تعالى قلبه عن دينه؟ ومن خذله الله عن دينه، واتباع ما أمره به، فلا طريق له إلى الهدى.
يقول تعالى منكرا على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين على قولين; واختلف في سبب ذلك فقال الإمام أحمد حدثنا بهز حدثنا شعبة قال عدي بن ثابت أخبرني عبدالله بن يزيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول; لا هم المؤمنون فأنزل الله فما لكم في المنافقين فئتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد" أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحد أن عبدالله بن أبي ابن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش رجع بثلثمائة وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة وقال العوفي عن ابن عباس نزلت في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم فقالوا إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم; وقالت فئة أخرى من المؤمنين سبحان الله أو كما قالوا أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم نستحل دماءهم وأموالهم فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهي واحدا من الفريقين عن شيء فنزلت "فما لكم في المنافقين فئتين". رواه ابن أبي حاتم وقد روى عن أبي سلمة بن عبدالرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا وقال زيد بن أسلم عن ابن لسعد بن معاذ أنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبدالله بن أبي حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضية الإفك وهذا غريب وقيل غير ذلك وقوله تعالى والله "أركسهم بما كسبوا" أي ردهم وأوقعهم في الخطأ قال ابن عباس "أركسهم" أي أوقعهم وقال قتادة أهلكهم وقال السدي أضلهم وقوله بما كسبوا أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل "أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا" أي لا طريق له إلى الهدى ولا مخلص له إليه.
فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاقوله تعالى ; فما لكم في المنافقين فئتين فئتين أي فرقتين مختلفتين . روى مسلم عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس ممن كان معه ، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين ؛ فقال بعضهم ; نقتلهم . وقال بعضهم ; لا ؛ فنزلت فما لكم في المنافقين فئتين . وأخرجه الترمذي فزاد ; وقال ; ( إنها طيبة ) وقال ; ( إنها تنفي الخبيث كما تنفي النار خبث الحديد ) قال ; حديث حسن صحيح . وقال البخاري ; ( إنها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة ) . والمعني بالمنافقين هنا عبد الله بن أبي وأصحابه الذين خذلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ورجعوا بعسكرهم بعد أن خرجوا ؛ كما تقدم في " آل عمران " . وقال ابن عباس ; هم قوم بمكة آمنوا وتركوا الهجرة ، قال الضحاك ; وقالوا إن ظهر محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد عرفنا ، وإن ظهر قومنا فهو أحب إلينا . فصار المسلمون فيهم فئتين قوم يتولونهم وقوم يتبرءون منهم ؛ فقال الله عز وجل ; فما لكم في المنافقين فئتين . وذكر أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أنها نزلت في قوم جاءوا إلى المدينة وأظهروا الإسلام ؛ فأصابهم [ ص; 264 ] وباء المدينة وحماها ؛ فأركسوا فخرجوا من المدينة ، فاستقبلهم نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ; ما لكم رجعتم ؟ فقالوا ; أصابنا وباء المدينة فاجتويناها ؛ فقالوا ; ما لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة ؟ فقال بعضهم ; نافقوا . وقال بعضهم ; لم ينافقوا ، هم مسلمون ؛ فأنزل الله عز وجل ; فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا الآية . حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون ، ثم ارتدوا بعد ذلك ، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها ، فاختلف فيهم المؤمنون فقائل يقول ; هم منافقون ، وقائل يقول ; هم مؤمنون ؛ فبين الله تعالى نفاقهم وأنزل هذه الآية وأمر بقتلهم .قلت ; وهذان القولان يعضدهما سياق آخر الآية من قوله تعالى ; حتى يهاجروا ، والأول أصح نقلا ، وهو اختيار البخاري ومسلم والترمذي . وفئتين نصب على الحال ؛ كما يقال ; ما لك قائما ؟ عن الأخفش . وقال الكوفيون ; هو خبر ( ما لكم ) كخبر كان وظننت ، وأجازوا إدخال الألف واللام فيه وحكى الفراء ; " أركسهم ، وركسهم " أي ردهم إلى الكفر ونكسهم ؛ وقاله النضر بن شميل والكسائي ; والركس والنكس قلب الشيء على رأسه ، أو رد أوله على آخره ، والمركوس المنكوس . وفي قراءة عبد الله وأبي رضي الله عنهما " والله ركسهم " . وقال ابن رواحة ;أركسوا في فتنة مظلمة كسواد الليل يتلوها فتنأي نكسوا . وارتكس فلان في أمر كان نجا منه . والركوسية قوم بين النصارى والصابئين . والراكس الثور وسط البيدر والثيران حواليه حين الدياس . أتريدون أن تهدوا من أضل الله أي ترشدوه إلى الثواب بأن يحكم لهم بحكم المؤمنين . تجد له سبيلا أي طريقا إلى الهدى والرشد وطلب الحجة . وفي هذا رد على القدرية وغيرهم القائلين بخلق هداهم وقد تقدم .
القول في تأويل قوله ; فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواقال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله ; " فما لكم في المنافقين فئتين "، فما شأنكم، أيها المؤمنون، في أهل النفاق فئتين مختلفتين (8) =" والله أركسَهم بما كسبوا "، يعني بذلك; والله رَدّهم إلى أحكام أهل الشرك، في إباحة دمائهم وسَبْي ذراريهم.* * *و " الإركاس "، الردُّ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت;فَأُرْكِسُـوا فِـي حَـمِيمِ النَّـارِ, إِنَّهُـمُكَـانُوا عُصَـاةً وَقَـالُوا الإفْكَ وَالزُّورَا (9)يقال منه; " أرْكَسهم " و " رَكَسَهم ".* * *وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله وأبي; ( وَاللَّهُ رَكَسَهُمْ )، بغير " ألف ". (10)* * *واختلف أهل التأويل في الذين نـزلت فيهم هذه الآية.فقال بعضهم ;نـزلت في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وانصرفوا إلى المدينة، وقالوا لرسول الله عليه السلام ولأصحابه; لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ [سورة آل عمران; 167].*ذكر من قال ذلك;10049- حدثني الفضل بن زياد الواسطي قال; حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن عدي بن ثابت قال; سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري يحدّث، عن زيد بن ثابت; أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد، رجعت طائفة ممن كان معه، فكان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين، فرقة تقول; " نقتلهم "، وفرقة تقول; " لا ". فنـزلت هذه الآية; " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا " الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة; إنها طَيْبَة، وإنها تَنْفي خَبَثها كما تنفي النار خبثَ الفِضَّة. (11)10050- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال; حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابت قال; خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه. (12)10051- حدثني زريق بن السخت قال، حدثنا شبابة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابت قال; ذكروا المنافقين عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال فريق; " نقتلهم "، وقال فريق; " لا نقتلهم ". فأنـزل الله تبارك وتعالى; " فما لكم في المنافقين فئتين " إلى آخر الآية (13)وقال آخرون; بل نـزلت في اختلاف كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا قدموا المدينة من مكة، فأظهروا للمسلمين أنهم مسلمون، ثم رجعوا إلى مكة وأظهروا لهم الشرك.*ذكر من قال ذلك;10052- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " فما لكم في المنافقين فئتين "، قال; قوم خرجوا من مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتدوا بعد ذلك، فاستأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتّجرون فيها. فاختلف فيهم المؤمنون، فقائل يقول; " هم منافقون "، وقائل يقول; " هم مؤمنون ". فبين الله نفاقهم فأمر بقتالهم، فجاؤوا ببضائعهم يريدون المدينة، فلقيهم علي بن عويمر، أو; هلال بن عويمر الأسلمي، (14) وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف= وهو الذي حَصِر صدره أن يقاتل المؤمنين أو يُقاتل قومه، فدفع عنهم= بأنهم يَؤُمُّون هلالا (15) وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد.10053- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله بنحوه= غير أنه قال; فبيّن الله نفاقهم، وأمر بقتالهم، فلم يقاتلوا يومئذ، فجاؤوا ببضائعهم يريدون هلالَ بن عويمر الأسلمي، وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حِلْف. (16)* * *وقال آخرون; بل كان اختلافهم في قوم من أهل الشرك كانوا أظهروا الإسلام بمكة، وكانوا يعينون المشركين على المسلمين.*ذكر من قال ذلك;10054- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; " فما لكم في المنافقين فئتين "، وذلك أن قوما كانوا بمكة قد تكلّموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا; إن لقينا أصحابَ محمد " عليه السلام "، فليس علينا منهم بأس! وأن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من &; 9-11 &; المؤمنين; اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم! وقالت فئة أخرى من المؤمنين; سبحان الله = أو كما قالوا =، أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلَّمتم به؟ أمن أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارَهم، تستحلّ دماؤهم وأموالهم لذلك! فكانوا كذلك فئتين، والرسول عليه السلام عندهم لا ينهى واحدا من الفريقين عن شيء، فنـزلت; " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله "، الآية.10055- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " فما لكم في المنافقين فئتين " الآية، ذكر لنا أنهما كانا رجلين من قريش كانا مع المشركين بمكة، وكانا قد تكلّما بالإسلام ولم يهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيهما ناس من أصحاب نبي الله وهما مقبلان إلى مكة، فقال بعضهم; إن دماءهما وأموالهما حلال! وقال بعضهم; لا يحلُّ لكم! فتشاجروا فيهما، فأنـزل الله في ذلك; " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا " حتى بلغ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ .10056- حدثنا القاسم قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر بن راشد قال; بلغني أنّ ناسًا من أهل مكة كتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد أسلموا، وكان ذلك منهم كذبا، فلقوهم، فاختلف فيهم المسلمون، فقالت طائفة; دماؤهم حلال! وقالت طائفة; دماؤهم حرام! فأنـزل الله; " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ".* * *10057- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله; " فما لكم في المنافقين فئتين "، هم ناس تخلّفوا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا بمكة وأعلنوا الإيمان ولم يهاجروا، فاختلف فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتولاهم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ من وَلايتهم آخرون، &; 9-12 &; وقالوا; تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهاجروا! فسماهم الله منافقين، وبرّأ المؤمنين من وَلايتهم، وأمرهم أن لا يتولَّوهم حتى يهاجروا.* * *وقال آخرون; بل كان اختلافهم في قوم كانوا بالمدينة، أرادوا الخروج عنها نفاقًا.* ذكر من قال ذلك;10058- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا "، قال; كان ناس من المنافقين أرادوا أن يخرجوا من المدينة، فقالوا للمؤمنين; إنّا قد أصابنا أوجاعٌ في المدينة واتَّخَمْناها، (17) فلعلنا أن نخرج إلى الظَّهر حتى نتماثل ثم نرجع، (18) فإنا كنا أصحاب برّيّة. فانطلقوا، واختلف فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت طائفة; أعداءٌ لله منافقون! (19) وددنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا فقاتلناهم! وقالت طائفة; لا بل إخواننا غَمَّتهم المدينة فاتّخموها، (20) فخرجوا إلى الظهر يتنـزهون، (21) فإذا بَرَؤوا رجعوا. فقال الله; " فما لكم في المنافقين فئتين "، يقول; ما لكم تكونون فيهم فئتين =" والله أركسهم بما كسبوا ".* * *وقال آخرون; بل نـزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أهل الإفك.*ذكر من قال ذلك;10059- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا "، حتى بلغ فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قال; هذا في شأن ابن أُبيّ حين تكلم في عائشة بما تكلم.10060- وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد; إن هذه الآية حين أنـزلت; " فما لكم في المنافقين فئتين "، فقرأ حتى بلغ فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فقال سعد بن معاذ; فإنّي أبرأ إلى الله وإلى رسوله من فئته! = يريد عبد الله بن أبيّ ابن سلول. (22)* * *قال أبو جعفر; وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك، قول من قال; نـزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا ارتدُّوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة.وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأنّ اختلاف أهل التأويل في ذلك إنما هو على قولين; أحدهما; أنهم قوم كانوا من أهل مكة، على ما قد ذكرنا الرواية عنهم.والآخر; أنهم قوم كانوا من أهل المدينة.= وفي قول الله تعالى ذكره; فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا ، أوضح الدّليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة. لأنّ الهجرة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر. فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيمًا من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرضُ هجرة، لأنه في دار الهجرة كان وطنُه ومُقامه.* * *واختلف أهل العربية في نصب قوله; " فئتين ".فقال بعضهم; هو منصوب على الحال، كما تقول; " ما لَك قائما "، يعني; ما لك في حال القيام. وهذا قول بعض البصريين.* * *وقال بعض نحويي الكوفيين; هو منصوب على فعل " ما لك "، قال; ولا تُبالِ أكان المنصوب في" ما لك " معرفة أو نكرة. (23) . قال; ويجوز في الكلام أن تقول; " ما لك السائرَ معنا "، لأنه كالفعل الذي ينصب بـ" كان " و " أظن " وما أشبههما. قال; وكل موضع صلحت فيه " فعل " و " يفعل " من المنصوب، جاز نصب المعرفة منه والنكرة، كما تنصب " كان " و " أظن "، لأنهن نواقصُ في المعنى، وإن ظننت أنهنّ تَامّاتٍ. (24)وهذا القول أولى بالصواب في ذلك، لأن المطلوب في قول القائل; " ما لك قائمًا "،" القيام "، فهو في مذهب " كان " وأخواتها، و " أظن " وصواحباتها. (25)* * *القول في تأويل قوله عز وجل ; وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواقال أبو جعفر; اختلف أهل التأويل في تأويل قوله; " والله أركسهم ".فقال بعضهم; معناه; ردَّهم، كما قلنا.*ذكر من قال ذلك;10061- حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس; " والله أركسهم بما كسبوا "، ردَّهم.* * *وقال آخرون; معنى ذلك; والله أوْقَعهم.*ذكر من قال ذلك;10062- حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس; " والله أركسهم بما كسبوا "، يقول; أوقعهم.وقال آخرون; معنى ذلك; أضلهم وأهلكهم.*ذكر من قال ذلك;10063- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة; " والله أركسهم "، قال; أهلكهم.10064- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة; " والله أركسهم بما كسبوا "، أهلَكَهم بما عملوا.10065- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " والله أركسهم بما كسبوا "، أهلكهم.* * *وقد أتينا على البيان عن معنى ذلك قبل، بما أغنى عن إعادته. (26)* * *القول في تأويل قوله ; أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا (88)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله " أتريدون أن تهدوا من أضل الله "، أتريدون، أيها المؤمنون، أن تهدوا إلى الإسلام فتوفقوا للإقرار به والدخول فيه، من أضله الله عنه= يعني بذلك; من خَذَله الله عنه، فلم يوفقه للإقرار به؟ (27)وإنما هذا خطاب من الله تعالى ذكره للفئة التي دافعت عن هؤلاء المنافقين الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية. يقول لهم جل ثناؤه; أتبغون هداية هؤلاء الذين أضلَّهم الله فخذلهم عن الحق واتباع الإسلام، بمدافعتكم عن قتالهم من أراد قتالَهم من المؤمنين؟ =" ومن يُضلل الله فلن تجد له سبيلا "، يقول; ومَن خذله عن دينه واتباع ما أمره به، من الإقرار به وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عنده، فأضلَّه عنه=" فلن تجد له "، يا محمد،" سبيلا "، يقول; فلن تجد له طريقًا تهديه فيها إلى إدراك ما خذله الله [عنه]، (28) ولا منهجًا يصل منه إلى الأمر الذي قد حرمه الوصول إليه.-------------------الهوامش ;(8) انظر تفسير"فئة" فيما سلف 5 ; 352 ، 353 / 6 ; 230.(9) ديوانه; 36 ، وليس هذا البيت بنصه هذا في الديوان ، بل جاء في شعر من بحر آخر ، هو;أُرْكِسُــوا فِـي جَـهَنَّمٍ، أَنَّهُـمْ كَـانُواعُتَـــاةً تَقُـــولُ إفْكًـــا وَزُورَاولم أجده برواية أبي جعفر في مكان آخر.(10) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 281 = ثم انظر تفسير"أركسهم" فيما يلي ص; 15 ، 16(11) الحديث; 10049 - الفضل بن زياد الواسطي; لا أدري من هو؟ والترجمة الوحيدة التي وجدتها بهذا الاسم هي"الفضل بن زياد الطساس البغدادي". وهو من هذه الطبقة. فلعله هو. مترجم في الجرح 3 / 2 / 62. وتاريخ بغداد 12; 360. وله ترجمة غير محررة ، في لسان الميزان 4; 441.أبو داود; هو الطيالسي.وقد روى الطبري هذا الحديث بثلاثة أسانيد ، سيأتي تخريجه في آخرها ، إن شاء الله.(12) الحديث; 10050 - أبو أسامة; هو حماد بن أسامة.(13) الحديث; 10051 - زريق- بتقديم الزاي - بن السخت ، شيخ الطبري; لم أجد له ترجمة ولا ذكرا ، إلا في المشتبه للذهبي ، ص; 222 ، قال; "زريق بن السخت ، عن إسحاق الأزرق. وهو الصحيح ، ويقال بتقديم الراء".شبابة; هو ابن سوار. مضت ترجمته في; 37.ويجب أن يكون هنا سقط في الإسناد ، بين شبابة وعدي بن ثابت ، لأن شبابة بن سوار مات سنة 204 أو 205 ، أو 206 ، وهو الذي جزم به البخاري في الصغير ، ص; 228. وعدي بن ثابت مات سنة 116 ، فبينهما 90 سنة. والظاهر أنه سقط من الإسناد هنا [عن شعبة].عدي بن ثابت الأنصاري; ثقة معروف. أخرج له الجماعة. وهو ابن بنت عبد الله بن يزيد - شيخه في هذا الإسناد.عبد الله بن يزيد الخطمي - بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة; صحابي معروف ، شهد الحديبية صغيرا.والحديث رواه الإمام أحمد في المسند 5; 184 ، عن بهز ، عن شعبة ، كالرواية الأولى هنا المطولة; 10049.وكذلك رواه البخاري 4; 83 ، و7; 275 ، و 8 ; 193 - من طريق شعبة ، به. ورواه مسلم 1 ; 389 - 390 ، من طريق شعبة أيضا ، ولكنه روى آخره; "إنها طيبة..." فقط.وذكره ابن كثير 2; 529 ، من رواية المسند. ثم قال; "أخرجاه في الصحيحين من طريق شعبة".وذكره السيوطي 2; 189-190 ، وزاد نسبته للطيالسي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي في الدلائل.وليس في مسند الطيالسي المطبوع ، لأنه ناقص كما هو معروف.(14) أسقط المطبوعة; "علي بن عويمر ، أو; " وساق الخبر"فلقيهم هلال.." وأثبته من المخطوطة. والأثر التالي من رواية أبي جعفر ، هو الذي فيه إسقاط علي بن عويمر" من الخبر.(15) في المطبوعة; "يؤمنون هلالا" ، والصواب من المخطوطة والدر المنثور 2; 190(16) الأثران; 10052 ، 10053 - انظر الأثر التالي; 10071.(17) "اتخمناها" ، "افتعل" من"الوخم" ، يقال; "أرض وخمة ووخيمة" ، وبيئة ، لا يوافق المرء سكنها فيجتويها. و"استوخم القوم المدينة"; استثقلوها ، ولم يوافق هواؤها أبدانهم. والذي ذكرته كتب اللغة بناء"استوخم""استفعل" متعديا من"الوخم" ، ولم يذكروا"اتخم""افتعل" ، وهو صحيح في قياس العربية. وهذا شاهده.(18) "الظهر"; ما غلظ وارتفع من الأرض ، و"البطن"; ما لان منها وسهل ورق واطمأن. ومثله"ظاهر الأرض" ، فسموا ما بعد عن القرية وارتفع في البرية; "ظهر البلدة وظاهرها".(19) في المطبوعة; "أعداء الله المنافقون" ، وفي المخطوطة; أعداء الله منافقون" ، والصواب ما أثبت.(20) في المطبوعة والدر المنثور 2 ; 191 ; "تخمتهم المدينة فاتخموها" ، وليس صوابا. وفي المخطوطة; "عمهم المدينة" غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها ، من"الغم"; وهو الكرب وكل ما يكرهه الإنسان فيورثه الضيق والهم. والدليل على صحة هذه القراءة ما جاء في معاني القرآن 1 ; 280"ضجروا منها واستوخموها" وانظر ما سلف تعليق; 1 ، في تفسير"اتخم".(21) "يتنزهون" أي; يتباعدون عن الأرض التي استوخموها ، حتى يبرأوا. و"التنزه" التباعد عن الأرياف والمياه ، حيث لا يكون ماء ولا ندى ولا جمع ناس ، وذلك شق البادية ، وهو أصح للأبدان.(22) الأثر; 10059 ، 10060 - في المطبوعة ، ساق هذين الأثرين ، أثرا واحدا ، فجعله هكذا; "حين تكلم في عائشة بما تكلم ، فقال سعد بن معاذ.." وأسقط صدر الأثر; 10060 ، فرددته إلى الصواب من المخطوطة. والذي أوقع الناشر في هذا ، سوء صنيع السيوطي في نقله عن ابن جرير ، وذلك في الدر المنثور 2 ; 191 .(23) في المطبوعة; "ولا تبالي كان المنصوب.." وفي المخطوطة; "ولا تبال كان المنصوب" ورجحت قراءتها كما أثبتها ، استظهارًا من نص الفراء في معاني القرآن.(24) هذا مختصر نص الفراء في معاني القرآن 1 ; 281.(25) في المخطوطة; "والظن وصواحباتها" ، والصواب ما في المطبوعة.(26) انظر ما سلف ص; 7(27) انظر معنى"هدى" ، ومعنى"الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة.
المراد بالمنافقين المذكورين في هذه الآيات: المنافقون المظهرون إسلامهم، ولم يهاجروا مع كفرهم، وكان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه، فبعضهم تحرج عن قتالهم، وقطع موالاتهم بسبب ما أظهروه من الإيمان، وبعضهم علم أحوالهم بقرائن أفعالهم فحكم بكفرهم.
(الفاء) استئنافية
(ما) اسم استفهام مبني في محل رفع مبتدأ
(اللام) حرف جر و (كم) ضمير في محل جر متعلق بخبر ما
(في المنافقين) جار ومجرور متعلق بحال من فئتين، وعلامة الجر الياء
(فئتين) حال من ضمير الخطاب في(لكم) ، منصوبة وعلامة النصب الياء،
(الواو) حالية
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(أركس) فعل ماض و (هم) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الباء) حرف جر
(ما) حرف مصدري
(كسبوا) فعل ماض مبني على الضم ...
والواو فاعل.
(الهمزة) للاستفهام الإنكاري
(تريدون) مضارع مرفوع ...
والواو فاعلـ (أن) حرف مصدري ونصبـ (تهدوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون ... والواو فاعلـ (من) اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به
(أضلّ) فعل ماض
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع، والمفعول محذوف.
والمصدر المؤولـ (أن تهدوا ... ) في محل نصب مفعول به عامله تريدون.
(الواو) استئنافية
(من) اسم شرط جازم مبني في محل نصب مفعول به
(يضلل) مضارع مجزم فعل الشرط وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(لن) حرف نفي ونصبـ (تجد) فعل مضارع منصوب، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(اللام) حرف جر و (الهاء) ضمير في محل جر متعلق بـ (تجد) ،
(سبيلا) مفعول به منصوب.
جملة «ما لكم ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «الله أركسهم» في محل نصب حال.
وجملة «أركسهم ... » في محل رفع خبر المبتدأ
(الله) .
وجملة «كسبوا» لا محل لها صلة الموصول الحرفي(ما) .
وجملة «تريدون ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «تهدوا ... » لا محل لها صلة الموصول الحرفي(أن) .
وجملة «أضل الله» لا محل لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة «يضلل الله ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «لن تجد له سبيلا» في محل جزم جواب شرط جازم مقترنة بالفاء.