وَلَهَدَيْنٰهُمْ صِرٰطًا مُّسْتَقِيمًا
وَّلَهَدَيۡنٰهُمۡ صِرَاطًا مُّسۡتَقِيۡمًا
تفسير ميسر:
ولو أوجبنا على هؤلاء المنافقين المتحاكمين إلى الطاغوت أن يقتل بعضهم بعضًا، أو أن يخرجوا من ديارهم، ما استجاب لذلك إلا عدد قليل منهم، ولو أنهم استجابوا لما يُنصحون به لكان ذلك نافعًا لهم، وأقوى لإيمانهم، ولأعطيناهم من عندنا ثوابًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، ولأرشدناهم ووفقناهم إلى طريق الله القويم.
أي في الدنيا والآخرة.
أصل الصراط في كلام العرب الطريق ; قال عامر بن الطفيل ; شحنا أرضهم بالخيل حتى تركناهم أذل من الصراط وقال جرير ; أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم وقال آخر ; فصد عن نهج الصراط الواضح حكى النقاش ; الصراط الطريق بلغة الروم ; فقال ابن عطية ; وهذا ضعيف جدا .وقرئ ; السراط ( بالسين ) من الاستراط بمعنى الابتلاع ; كأن الطريق يسترط من يسلكه .وقرئ بين الزاي والصاد .وقرئ بزاي خالصة والسين الأصل .وحكى سلمة عن الفراء قال ; الزراط بإخلاص الزاي لغة لعذرة وكلب وبني القين , قال ; وهؤلاء يقولون [ في أصدق ] ; أزدق .وقد قالوا الأزد والأسد ولسق به ولصق به .و " الصراط " نصب على المفعول الثاني ; لأن الفعل من الهداية يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر ; قال الله تعالى ; " فاهدوهم إلى صراط الجحيم " .[ الصافات ; 23 ] .وبغير حرف كما في هذه الآية ." المستقيم " صفة ل " الصراط " وهو الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ; ومنه قوله تعالى ; " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه " [ الأنعام ; 153 ] وأصله مستقوم , نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها .
ومعنى قوله; " ولهديناهم "، ولوفَّقناهم للصراط المستقيم. (13)ثم ذكر جل ثناؤه ما وعد أهل طاعته وطاعة رسوله عليه السلام، من الكرامة الدائمة لديه، والمنازل الرفيعة عنده. فقال; وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ الآية.--------------------الهوامش ;(13) انظر تفسير"الهدي" فيما سلف من فهارس اللغة.
يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار لم يفعله إلا القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد، ولا يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات، لتخف عليه العبادات، ويزداد حمدًا وشكرًا لربه. ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به أي: ما وُظِّف عليهم في كل وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد، أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد، فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة، وحصول الكسل وعدم النشاط. ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور: (أحدها) الخيرية في قوله: { لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } أي: لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها، أي: وانتفى عنهم بذلك صفة الأشرار، لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده. (الثاني) حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان، الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر. وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به، لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات. (الثالث) قوله: { وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا } أي: في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبُدن، ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. (الرابع) الهداية إلى صراط مستقيم. وهذا عموم بعد خصوص، لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمنة للعلم بالحق، ومحبته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمن هُدِيَ إلى صراط مستقيم، فقد وُفِّقَ لكل خير واندفع عنه كل شر وضير.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة