إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمٰنٰتِ إِلٰىٓ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًۢا بَصِيرًا
اِنَّ اللّٰهَ يَاۡمُرُكُمۡ اَنۡ تُؤَدُّوا الۡاَمٰنٰتِ اِلٰٓى اَهۡلِهَا ۙ وَاِذَا حَكَمۡتُمۡ بَيۡنَ النَّاسِ اَنۡ تَحۡكُمُوۡا بِالۡعَدۡلِ ؕ اِنَّ اللّٰهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمۡ بِهٖ ؕ اِنَّ اللّٰهَ كَانَ سَمِيۡعًۢا بَصِيۡرًا
تفسير ميسر:
إن الله تعالى يأمركم بأداء مختلف الأمانات، التي اؤتمنتم عليها إلى أصحابها، فلا تفرطوا فيها، ويأمركم بالقضاء بين الناس بالعدل والقسط، إذا قضيتم بينهم، ونِعْمَ ما يعظكم الله به ويهديكم إليه. إن الله تعالى كان سميعًا لأقوالكم، مُطَّلعًا على سائر أعمالكم، بصيرًا بها.
يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها. وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" رواه الإمام أحمد وأهل السنن وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز وجل على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك فأمر الله عز وجل بأدائها فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء" وقال ابن أبي حاتم; حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن سفيان عن عبدالله بن السائب عن زاذان عن عبدالله بن مسعود قال; إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتي بالرجل يوم القيامة وإن كان قد قتل في سبيل الله فيقال أد أمانتك فيقول فأني أؤديها وقد ذهبت الدنيا؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم فيهوي إليها فيحملها على عاتقه قال فتنزل عن عاتقه فيهوي على أثرها أبد الآبدين. قال زاذان فأتبت البراء فحدثته فقال صدق أخى "إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها" وقال سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن رجل عن ابن عباس في الآية قال; هي مبهمة للبر والفاجر وقال محمد بن الحنفية هي عامة للبر والفاجر وقال أبو العالية; الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه. وقال ابن أبي حاتم; حدثنا أبو سعيد حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال; قال أبي بن كعب من الأمانات أن المرأة ائتمنت على فرجها وقال الربيع بن أنس هي من الأمانات فيما بينك وبين الناس. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" قال; قال يدخل فيه وعظ السلطان النساء "يعنى يوم العيد" وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة واسم أبي طلحة عبدالله بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري حاجب الكعبة المعظمة وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكه هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأما عمه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة فكان معه لواء المشركين يوم أحد وقتل يومئذ كافرا وإنما نبهنا على هذا النسب لأن كثيرا من المفسرين قد يشتبه عليه هذا بهذا وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه. وقال محمد بن إسحاق في غزوة الفتح حدثني محمد بن جعفر بن الزبير بن عبيدالله بن عبدالله أبي ثور عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس خرج حتى جاء إلى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حماما من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة وقد استكن له الناس في المسجد. قال ابن اسحق; فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فقال "لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانه البيت وسقاية الحاج". وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ إلى أن قال; ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال; يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أين عثمان بن طلحة؟ "فدعي له فقال له "هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم وفاء وبر "قال ابن جرير; حدثني القاسم حدثنا الحسين عن حجاج عن ابن جريج في الآية قال; نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة فدخل في البيت يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" صلى الله عليه وسلم الآية فدعا عثمان إليه فدفع إليه المفتاح. قال; وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهو يتلو هذه الآية "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك. حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا الزنجي ابن خالد عن الزهري قال; دفعه إليه وقال; أعينوه. وروى ابن مردوية من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" قال; لما فتح رسول الله صلى مكة دعا عثمان بن طلحة فلما أتاه قال "أرني المفتاح" فأتاه به فلما بسط يده إليه قام إليه العباس قال; يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرني المفتاح يا عثمان" فبسط يده يعطيه فقال العباس مثل كلمته الأولى فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاته" فقال هاك أمانة الله قال; فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح باب الكعبة فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم عليه الصلاة السلام معه القداح" يستقسم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما للمشركين قاتلهم الله وما شأن إبراهيم وشأن القداح "ثم دعا بحفنة فيها ماء فأخذ ماء فغمسه فيه ثم غمس به تلك التماثيل وأخرج مقام إبراهيم وكان في الكعبة فألزقه في حائط الكعبة ثم قال "يا أيها الناس هذه القبلة" قال; ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت شوطا أو شوطين ثم نزل عليه جبريل فيما ذكر لنا برد المفتاح ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" حتى فرغ من الآية وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في دلك وسواء كانت نزلت في ذلك أو لا فحكمها عام ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية; هي للبر الفاجر أي هي أمر لكل أحد. وقوله "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب إن هذه الآية إنما نزلت في الأمراء يعني الحكام بين الناس وفي الحديث "إن الله مع الحاكم ما لم يجر فإذا جار وكله إلى نفسه" وفي الأثر "عدل يوم كعبادة أربعين سنة" وقوله "إن الله نعم ا يعظكم به" أي يأمركم به من أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس بغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة وقوله تعالى "إن الله كان سميعا بصيرا أي سميعا" لأقوالكم بصيرا بأفعالكم. كما قال ابن أبي حاتم; حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير حدثنا عبدالله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال; رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية "سميعا بصيرا" يقول بكل شيء بصير وفد قال أبن أبي حاتم حدثنا يحيى القزويني أنبأنا المقري يعني أبا عبدالرحمن عبدالله بن يزيد حدثنا حرملة يعني ابن عمران التجبيبي المصري حدثني أبو يونس سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إلى قوله إن الله نعما يعظكم به إن "الله كان سميعا بصيرا" ويضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه ويقول; هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع أصبعيه وقال أبو زكريا وصفه لنا المقري ووضع أبو زكريا إبهامه اليمنى على عينه اليمنى والتي تليها على الأذن اليمنى وأرانا فقال هكذا وهكذا. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن مردوية في تفسيره من حديث أبي عبدالرحمن المقري بإسناده نحوه وأبو يونس هذا مولى أبى هريرة واسمه سليم بن جبير.