الرسم العثمانييٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰبَ ءَامِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلٰىٓ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحٰبَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا
الـرسـم الإمـلائـييٰۤـاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اُوۡتُوا الۡكِتٰبَ اٰمِنُوۡا بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمۡ مِّنۡ قَبۡلِ اَنۡ نَّـطۡمِسَ وُجُوۡهًا فَنَرُدَّهَا عَلٰٓى اَدۡبَارِهَاۤ اَوۡ نَلۡعَنَهُمۡ كَمَا لَعَنَّاۤ اَصۡحٰبَ السَّبۡتِؕ وَكَانَ اَمۡرُ اللّٰهِ مَفۡعُوۡلًا
تفسير ميسر:
يا أهل الكتاب، صدِّقوا واعملوا بما نزَّلنا من القرآن، مصدقًا لما معكم من الكتب من قبل أن نأخذكم بسوء صنيعكم، فنمحو الوجوه ونحولها قِبَلَ الظهور، أو نلعن هؤلاء المفسدين بمسخهم قردة وخنازير، كما لعنَّا اليهود مِن أصحاب السبت، الذين نُهوا عن الصيد فيه فلم ينتهوا، فغضب الله عليهم، وطردهم من رحمته، وكان أمر الله نافذًا في كل حال.
يقول تعالى آمرا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ومتهددا لهم إن لم يفعلوا بقوله "من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها" قال بعضهم; معناه من قبل أن نطمس وجوها فطمسها هو ردها إلى الأدبار وجعل أبصارهم من ورائهم ويحتمل أن يكون المراد من قبل أن نطمس وجوها فلا نبقي لها سمعا ولا بصرا ولا أنفا ومع ذلك نردها إلى ناحية الأدبار. وقال العوفي عن ابن عباس في الآية وهي من قبل أي نطمس وجوها وطمسها أن تعمى فنردها على أدبارها يقول نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى ونجعل لأحدهم عينين من قفاه وكذا قال قتادة وعطية العوفي وهذا أبلغ في العقوبة والنكال وهذا مثل ضربه اللّه لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبيل الضلالة يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم وهذا كما قال بعضهم في قوله "إنا جعلنا في أعناقهم أغلال ا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا" الآية أي هذا مثل سوء ضربه اللّه لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى. قال مجاهد; من قبل أن نطمس وجوها يقول عن صراط الحق فنردها على أدبارها أي في الضلال قال ابن أبي حاتم; وروى عن ابن عباس والحسن نحو هذا قال السدى; فنردها على أدبارها فنمنعها عن الحق قال نرجعها كفارا ونردهم فردة قال أبو زيد فردهم إلى بلاد الشام من أرض الحجاز. وقد ذكر أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية. قال ابن جرير; حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح عن عيسى بن المغيرة قال; تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال أسلم كعب زمان عمر أقبل وهو يريد بيت المقدس فمر على المدينة فخرج إليه عمر فقال يا أبا كعب أسلم فقال; ألستم تقولون في كتابكم "مثل الذين حملوا التوراة إلى أسفارا" وأنا قد حملت التوراة. قال فتركه عمر ثم خرج حتى انتهى إلى حمص فسمع رجلا من أهلها حزينا وهو يقول "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها" الآية قال كعب يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه الآية ثم رجع فأتى أهله في اليمن ثم جاء بهم مسلمين وكذا رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر من وجه آخر فقال; حدثنا أبي حدثنا ابن نفيل حدثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حليس عن أبي إدريس عائذ الله الخولاني قال; كان أبو مسلم الجليلي معهم كعب وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبعثه إليه ينظر أهو هو قال كعب; فركبت حتى أتيت المدينة فإذا تال يقرأ القرآن يقول "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها" فبادرت الماء فاغتسلت وإنى لأمس وجهي مخافة أن أطمس ثم أسلمت وقوله"أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت" يعني الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد وقد مسخوا قردة وخنازير وسيأتي بسط قصتهم في سورة الأعراف وقوله "وكان أمر الله مفعولا" أي إذا أمر بأمر فإنه لا يخالف ولا يمانع. ثم أخبر تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به ويغفر ما دون ذلك أي من الذنوب لمن يشاء أي من عباده وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر. "الحديث الأول" قال الإمام أحمد; حدثنا يزيد بن هارون حدثنا صدقة بن موسى حدثنا أبو عمران الجوني عن يزيد بن أبي موسى عن عائشة قالت; قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "الدواوين من عند الله ثلاثة ديوان لا يعبأ اللّه به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفره الله.
يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاقوله تعالى ; ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا قال ابن إسحاق ; كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا الأعور وكعب بن أسد فقال لهم ; يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق قالوا ; ما نعرف ذلك يا محمد . وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر ؛ فأنزل الله عز وجل فيهم يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها إلى آخر الآية .قوله تعالى ; مصدقا لما معكم نصب على الحال . من قبل أن نطمس وجوها الطمس استئصال أثر الشيء ؛ ومنه قوله تعالى ; فإذا النجوم طمست . ونطمس ونطمس بكسر الميم وضمها في المستقبل لغتان . ويقال في الكلام ; طسم يطسم ويطسم بمعنى طمس ؛ يقال ; طمس الأثر وطسم أي امحى ، كله لغات ؛ ومنه قوله تعالى ; ربنا اطمس على أموالهم أي أهلكها ؛ عن ابن عرفة . ويقال ; طمسته فطمس لازم ومتعد . وطمس الله [ ص; 211 ] بصره ، وهو مطموس البصر إذا ذهب أثر العين ؛ ومنه قوله تعالى ; ولو نشاء لطمسنا على أعينهم يقول أعميناهم .واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية ؛ هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين . أو ذلك عبارة عن الضلال في قلوبهم وسلبهم التوفيق ؟ قولان . روي عن أبي بن كعب أنه قال ; من قبل أن نطمس من قبل أن نضلكم إضلالا لا تهتدون بعده . يذهب إلى أنه تمثيل وأنهم إن لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة . وقال قتادة ; معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء . أي يذهب بالأنف والشفاه والأعين والحواجب ؛ هذا معناه عند أهل اللغة . وروي عن ابن عباس وعطية العوفي ; أن الطمس أن تزال العينان خاصة وترد في القفا ؛ فيكون ذلك ردا على الدبر ويمشي القهقرى . وقال مالك رحمه الله ; كان أول إسلام كعب الأحبار أنه مر برجل من الليل وهو يقرأ هذه الآية ; يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا فوضع كفيه على وجهه ورجع القهقرى إلى بيته فأسلم مكانه وقال ; والله لقد خفت ألا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي . وكذلك فعل عبد الله بن سلام ، لما نزلت هذه الآية وسمعها أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي أهله وأسلم وقال ; يا رسول الله ، ما كنت أدرى أن أصل إليك حتى يحول وجهي في قفاي . فإن قيل ; كيف جاز أن يهددهم بطمس الوجوه إن لم يؤمنوا ثم لم يؤمنوا ولم يفعل ذلك بهم ؛ فقيل ; إنه لما آمن هؤلاء ومن اتبعهم رفع الوعيد عن الباقين . وقال المبرد ; الوعيد باق منتظر . وقال ; لا بد من طمس في اليهود ومسخ قبل يوم القيامة .قوله تعالى ; ( أو نلعنهم ) أي أصحاب الوجوه كما لعنا أصحاب السبت أي نمسخهم قردة وخنازير ؛ عن الحسن وقتادة . وقيل ; هو خروج من الخطاب إلى الغيبة وكان أمر الله مفعولا أي كائنا موجودا . ويراد بالأمر المأمور فهو مصدر وقع موقع المفعول ؛ فالمعنى أنه متى أراده أوجده . وقيل ; معناه أن كل أمر أخبر بكونه فهو كائن على ما أخبر به .
القول في تأويل قوله ; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَاقال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; " يا أيها الذين أوتوا الكتاب "، اليهود من بني إسرائيل، الذين كانوا حوالَيْ مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله لهم; يا أيها الذين أنـزل إليهم الكتاب فأعطوا العلم به ="آمنوا " يقول; صدِّقوا بما نـزلنا إلى محمد من الفرقان =" مصدقًا لما معكم "، يعني; محقِّقًا للذي معكم من التوراة التي أنـزلتها إلى موسى بن عمران =" من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ".* * *واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.فقال بعضهم; " طمسه إياها "; محوه آثارها حتى تصير كالأقْفَاء.وقال آخرون; معنى ذلك أن نطمس أبصارها فنصيّرها عمياء، ولكن الخبر خرج بذكر " الوجه "، والمراد به بصره =" فنردّها على أدبارها "، فنجعل أبصارَها من قبل أقفائها.*ذكر من قال ذلك;9713 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثنا عمي قال حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا " إلى قوله; " من قبل أن نطمس وجوهًا "، وطمسها; أن تعمى =" فنردها على أدبارها "، يقول; أن نجعل وجوههم من قبل أقفِيتهم، فيمشون القهقرى، ونجعل لأحدهم عينين في قفاه.9714 - حدثني أبو العالية إسماعيل بن الهيثم العبْدي قال، حدثنا أبو قتيبة، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي في قوله; " من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها "، قال; نجعلها في أقفائها، فتمشي على أعقابها القهقرى. (24)9715 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، بنحوه = إلا أنه قال; طمْسُها; أن يردَّها على أقفائها.9716 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة; " فنردها على أدبارها "، قال; نحوِّل وجوهها قِبَل ظهورها.* * *وقال آخرون; بل معنى ذلك (25) من قبل أن نعمي قومًا عن الحق =" فنردها على أدبارها "، في الضلالة والكفر.*ذكر من قال ذلك;9717 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; " أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها "، فنردها عن الصراط، عن الحق (26) =" فنردها على أدبارها "، قال; في الضلالة.9718 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " أن نطمس وجوهًا " عن صراط الحق =" فنردها على أدبارها "، في الضلالة.9719 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قراءة، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.9720 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، الحسن; " نطمس وجوهًا "، يقول; نطمسها عن الحق =" فنردها على أدبارها "، على ضلالتها.9721 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " يا أيها الذين أوتوا الكتاب " إلى قوله; كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ، قال; نـزلت في مالك بن الصَّيِّف، ورفاعة بن زيد بن التابوت، من بني قينقاع. أما " أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها "، يقول; فنعميها عن الحق ونُرجعها كفارًا.9722 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله; " من قبل أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها "، يعني; أن نردهم عن الهدى والبصيرة، فقد ردَّهم على أدبارهم، فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به.* * *وقال آخرون; معنى ذلك; من قبل أن نمحو آثارهم من وجوههم التي هم بها، وناحيتهم التي هم بها =" فنردها على أدبارها "، من حيث جاءوا منه بَديًّا من الشام. (27)*ذكر من قال ذلك;9723 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " من قبل أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها "، قال; كان أبي يقول; إلى الشأم.* * *وقال آخرون; معنى ذلك; " من قبل أن نطمس وجوهًا "، فنمحو أثارها ونسوِّيها =" فنردها على أدبارها "، بأن نجعل الوجوه منابتَ الشَّعر، كما وجوه القردة منابت للشعر، لأن شعور بني آدم في أدبار وجوههم. فقالوا; إذا أنبت الشعر في وجوههم، فقد ردَّها على أدبارها، بتصييره إياها كالأقفاء وأدبار الوجوه. (28)* * *قال أبو جعفر; وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال; معنى قوله; " من قبل أن نطمس وجوها "، من قبل أن نطمس أبصارَها ونمحو آثارها فنسوّيها كالأقفاء =" فنردها على أدبارها "، فنجعل أبصارها في أدبارها، يعني بذلك; فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه، فيكون معناه; فنحوّل الوجوه أقْفاءً والأقفَاء وجوهًا، فيمشون القهقرى، كما قال ابن عباس وعطية ومن قال ذلك.* * *وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب; لأن الله جل ثناؤه خاطب بهذه الآية اليهودَ الذين وصف صفتهم بقوله; أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ ، ثم حذرهم جل ثناؤه بقوله; " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـزلنا مصدِّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها " الآية، بأسَه وسطوته وتعجيل عَقابه لهم، (29) إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به. ولا شك أنهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذ كفارًا.* * *وإذْ كان ذلك كذلك، فبيّنٌ فساد قول من قال; تأويل ذلك; أن نعمِيها عن الحق فنردها في الضلالة. فما وجْه ردِّ من هو في الضلالة فيها؟! وإنما يرد في الشيء من كان خارجًا منه. فأما من هو فيه، فلا وجه لأن يقال; " نرده فيه ".* * *وإذْ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا أنّ الله قد تهدَّد للذين ذكرهم في هذه الآية بردّه وجوهَهم على أدبارهم = كان بيّنًا فساد تأويل من قال; معنى ذلك; يهددهم بردِّهم في ضلالتهم.* * *وأما الذين قالوا; معنى ذلك; من قبل أن نجعل الوجوه منابتَ الشعر كهيئة وجوه القردة، فقولٌ لقول أهل التأويل مخالف. وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الخالفين، على خطئه شاهدًا.* * *وأما قول من قال; معناه; من قبل أن نطمس وجوههم التي هم فيها، فنردّهم إلى الشأم من مساكنهم بالحجاز ونجدٍ، فإنه = وإن كان قولا له وجه = مما يدل عليه ظاهر التنـزيل بعيد. (30) وذلك أن المعروف من " الوجوه " في كلام العرب، التي هي خلاف " الأقفاء "، وكتاب الله يُوَجَّه تأويله إلى الأغلب في كلام مَن نـزل بلسانه، حتى يدلّ على أنه معنيٌّ به غير ذلك من الوجوه، الذي يجب التسليم له. (31)* * *وأما " الطمس "، فهو العُفُوّ والدثور في استواء. منه يقال; " طمست أعلام الطريق تطمِسُ طُموسًا "، إذا دثرت وتعفَّت، فاندفنت واستوت بالأرض، كما قال كعب بن زهير;مِـنْ كُـلِّ نَضَّاحَـةِ الذِّفْرَى إذَا عَرقَتْعُرْضَتُهَـا طَـامِسُ الأعْـلام مَجْهُولُ (32)يعني; " طامس الأعلام "، دائر الأعلام مندفنها. ومن ذلك قيل للأعمى الذي &; 8-445 &; قد تعفَّى غَرُّ ما بين جفني عينيه فدثر; (33) " أعمى مطموس، وطمْيس "، كما قال الله جل ثناؤه; وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ [سورة يس; 66].* * *= قال أبو جعفر; " الغَرُّ"، الشقّ الذي بين الجفنين. (34)* * *فإن قال قائل; فإن كان الأمر كما وصفت من تأويل الآية، فهل كان ما توعَّدهم به؟ (35)قيل; لم يكن، لأنه آمن منهم جماعة، منهم; عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسد بن سعية، (36) وأسد بن عبيد، ومُخَيْرِق، (37) وجماعة غيرهم، فدفع عنهم بإيمانهم.ومما يبين عن أن هذه الآية نـزلت في اليهود الذين ذكرنا صفتهم، ما;-9724 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير= وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة = جميعًا، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد &; 8-446 &; مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال; كلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود; منهم عبد الله بن صوريا، وكعب بن أسد فقال لهم; يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا! فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحقٌّ! (38) فقالوا; ما نعرف ذلك يا محمد! وجحدوا ما عرفوا، وأصرّوا على الكفر، فأنـزل الله فيهم; " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـزلنا مصدقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها "، الآية (39)9725 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن عيسى بن المغيرة قال; تذاكرنا عند إبراهيم إسلامَ كعبٍ، (40) فقال; أسلم كعب في زمان عمر، أقبل وهو يريد بيت المقدس، فمرّ على المدينة، فخرج إليه عمر فقال; يا كعب، أسلم! قال; ألستم تقرأون في كتابكم; مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [سورة الجمعة; 5]؟ وأنا قد حملت التوراة! قال; فتركه. ثم خرج حتى انتهى إلى حمص، قال; فسمع رجلا من أهلها حزينًا وهو يقول; " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـزلنا مصدقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها "، الآية. فقال كعب; يا رب آمنت، يا رب أسلمت! مخافة أن تصيبه الآية، ثم رجع فأتى أهله باليمن، ثم جاء بهم مسلمين.* * *القول في تأويل قوله ; أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (47)قال أبو جعفر; يعني بقوله جل ثناؤه; " أو نلعنهم "، أو نلعنكم فنخزيكم ونجعلكم قردة =" كما لعنا أصحاب السبت "، يقول; كما أخزينا الذين اعتدوا في السبت من أسلافكم. (41) قيل ذلك على وجه الخطاب في قوله; آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ، كما قال; حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا [سورة يونس; 22]. (42)وقد يحتمل أن يكون معناه; مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ، أو نلعن أصحاب الوجوه = فجعل " الهاء والميم " في قوله; " أو نلعنهم "، من ذكر أصحاب الوجوه، إذ كان في الكلام دلالة على ذلك;وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;9726 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلى قوله; " أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت "، أي; نحوّلهم قردة.9727 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن; " أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت "، يقول; أو نجعلهم قردة.9728 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت "، أو نجعلهم قردة.9729 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت "، قال; هم يهود جميعًا، نلعن هؤلاء كما لعنّا الذين لعنّا منهم من أصحاب السبت. (43)* * *وأما قوله; " وكان أمر الله مفعولا "، فإنه يعني; وكان جميع ما أمر الله أن يكون، كائنًا مخلوقًا موجودًا، لا يمتنع عليه خلق شيء شاء خَلْقه. و " الأمر " في هذا الموضع; المأمور = سمي" أمر الله "، لأنه عن أمره كان وبأمره.والمعنى; وكان ما أمر الله مفعولا.----------------الهوامش ;(24) الأثر; 9714 -"أبو العالية ، إسماعيل بن الهيثم العبدي" ، لم نجده ، وانظر ما سلف رقم; 9365 ، 9366.و"أبو قتيبة" هو; سلم بن قتيبة ، مضت ترجمته برقم; 1899 ، 1924 ، 9365.(25) في المطبوعة ، أسقط; "بل".(26) في المطبوعة; "عن الصراط الحق" ، أسقط"عن" الثانية.(27) في المطبوعة; "بدءًا من الشام" ، وأثبت في المخطوطة ، وكلتاهما صواب. و"بديًا" ، في بدء أمرهم. وتفسير"الوجوه" هنا; النواحي.(28) هو الفراء في معاني القرآن 1; 272.(29) السياق; ثم حذرهم... بأسه وسطوته...(30) في المطبوعة; "كما يدل عليه" ، وفيه خطأ ، وفي المخطوطة; "كما يدل على" وفيه خطآن. والصواب ما أثبت.(31) في المطبوعة; "من الوجوه التي ذكرت ، دليل يجب التسليم له" ، زاد فيما كان في المخطوطة لتستقيم الجملة ، وكان فيها; "من الوجوه التي يجب التسليم له" والأمر أهون من ذلك ، أخطأ فكتب"التي" مكان"الذي" ، وهو حق السياق.(32) سلف البيت وتخريجه في 4; 424 ، تعليق; 4.(33) في المطبوعة; "الذي قد تعفى ما بين جفني..." حذف"غر" ، لأنه لم يحسن قراءتها ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وانظر شرح أبي جعفر لكلمة"غر" ، والتعليق عليه بعد.(34) في المطبوعة; (العراسق الذي بين الخفين) ، واستدرك عليه الناشر الأول ، وكتب فيه خلطًا شديدًا ، نقله عنه آخرون!! وأما المخطوطة التي لم يحسن الناشر قراءتها فكان فيها; العرالسق الذي بين الخفين" كله غير منقوط ، وصوابه قراءته ما أثبت. وأصل ذلك أن"الغر" (بفتح الغين وتشديد الراء) هو الشق في الأرض. و"الغر" أيضًا; الكسر يكون في الثوب ، والغضون في الجلد ، وهو مكاسر الجلد ، ومنه قليل; "اطو الثوب على غره" أي على كسره. وقد جاءت هذه الكلمة في تفسير أبي جعفر 23; 17 ، 18 مصحفة بالزاي; "والطمس على العين هو أن لا يكون بين جفني العين (غز) ، وذلك هو الشق الذي بين الجفنين". وانظر شرح ابن إسحاق في سيرته 2; 210; "المطموس العين; الذي ليس بين جفنيه شق".فتبين من هذا صحة قراءتنا وصوابها ، وخلط من لا يحسن أن يخلط ، فضلا عن أن يصيب!!(35) "كان" هنا تامة ، بمعنى; وقع وحدث.(36) في المطبوعة والمخطوطة; "أسد بن سعية" وعند ابن إسحاق; "أسيد بن سعية" (بفتح الألف وكسر السين). والاختلاف في اسمه واسم أبيه كثير.(37) لم أجد"مخيرق" في غير هذا الموضع ، وهو في سائر الكتب وفي ترجمته"مخيريق" ، والاختلاف في أسماء بني إسرائيل كثير. فتركته على حاله هنا ، لأنه هكذا ثبت في المخطوطة.(38) في المخطوطة; "الذي حكم به لحق" ، وفي هامش النسخة بخط عتيق; "الصواب; بعثت" ، وأخطأ من كتب ، فالصواب ما في المطبوعة ، وهو نص سيرة ابن هشام.(39) الأثر 9724 - سيرة ابن هشام 2; 209 ، وهو تابع الأثر السالف; 9689 ، 9690.(40) يعني"كعب الأحبار".(41) انظر تفسير"اللعنة" فيما سلف قريبًا ص; 439 ، تعليق; 2 ، والمراجع هناك.(42) انظر ما سلف 1; 154 / 3; 304 ، 305 / 6; 238 ، 464 ، ومواضع أخرى كثيرة فيما سلف.(43) انظر خبر"أصحاب السبت" فيما سلف 2; 166 - 175.
يأمر تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يؤمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله عليه من القرآن العظيم، المهيمن على غيره من الكتب السابقة التي قد صدقها، فإنها أخبرت به فلما وقع المخبر به كان تصديقا لذلك الخبر. وأيضا فإنهم إن لم يؤمنوا بهذا القرآن فإنهم لم يؤمنوا بما في أيديهم من الكتب، لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا، ويوافق بعضها بعضًا. فدعوى الإيمان ببعضها دون بعض دعوى باطلة لا يمكن صدقها. وفي قوله: { آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } حث لهم وأنهم ينبغي أن يكونوا قبل غيرهم مبادرين إليه بسبب ما أنعم الله عليهم به من العلم، والكتاب الذي يوجب أن يكون ما عليهم أعظم من غيرهم، ولهذا توعدهم على عدم الإيمان فقال: { مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا } وهذا جزاء من جنس ما عملوا، كما تركوا الحق، وآثروا الباطل وقلبوا الحقائق، فجعلوا الباطل حقا والحق باطلا، جوزوا من جنس ذلك بطمس وجوههم كما طمسوا الحق، وردها على أدبارها، بأن تجعل في أقفائهم وهذا أشنع ما يكون { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ } بأن يطردهم من رحمته، ويعاقبهم بجعلهم قردة، كما فعل بإخوانهم الذين اعتدوا في السبت { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا } كقوله: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }
(يأيها الذين) مرّ إعرابها ،
(أوتوا) فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم ... والواو نائب فاعلـ (الكتاب) مفعول به منصوبـ (آمنوا) فعل أمر مبني على حذف النون ... والواو فاعلـ (الباء) حرف جر
(ما) اسم موصول مبني في محل جر متعلق بـ (آمنوا) ،
(نزّلنا) فعل ماض وفاعله
(مصدّقا) حال منصوبة من العائد
(اللام) حرف جر
(ما) اسم موصول مبني في محل جر متعلق بـ (مصدّقا) ،
(مع) ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف صلة ما و (كم) ضمير مضاف إليه
(من قبل) جار ومجرور متعلق بـ (آمنوا) ،
(أن) حرف مصدري ونصبـ (نطمس) مضارع منصوب، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم
(وجوها) مفعول به منصوب.
والمصدر المؤوّلـ (أن نطمس ... ) في محل جر بإضافة قبل إليه.
(الفاء) عاطفة
(نرد) مضارع منصوب معطوف على فعل نطمس و (ها) ضمير مفعول به، والفاعل نحن
(على أدبار) جار ومجرور متعلق بـ (نرد) ، و (ها) ضمير مضاف إليه
(أو) حرف عطف
(نلعنهم) مثل نردها
(الكاف) حرف جر ،
(ما) حرف مصدري
(لعنّا) مثل نزّلنا
(أصحاب) مفعول به منصوبـ (السبت) مضاف إليه مجرور.
والمصدر المؤولـ (ما لعنّا ... ) في محل جر بالكاف متعلق بمحذوف مفعول مطلق أي نلعنهم لعنا كلعن أصحاب السبت.
(الواو) استئنافية
(كان) فعل ماض ناقص
(أمر) اسم كان مرفوع
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(مفعولا) خبر كان منصوب.
جملة «يأيها الذين ... » لا محل لها استئنافية.وجملة «أوتوا الكتاب ... » لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «آمنوا ... » لا محل لها جواب النداء.
وجملة «نزّلنا» لا محل لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة «نطمس ... » لا محل لها صلة الموصول الحرفي(أن) .
وجملة «نردها ... » لا محل لها معطوفة على جملة نطمس.
وجملة «نلعنهم» لا محل لها معطوفة على جملة نطمس.
وجملة «لعنّا ... » لا محل لها صلة الموصول الحرفي(ما) .
وجملة «كان أمر الله مفعولا» لا محل لها استئنافية.
الصرف. (مفعولا) ، اسم مفعول من فعل يفعل باب فتح، وزنه مفعول.
- القرآن الكريم - النساء٤ :٤٧
An-Nisa'4:47