مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرٰعِنَا لَيًّۢا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِى الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا
مِنَ الَّذِيۡنَ هَادُوۡا يُحَرِّفُوۡنَ الۡـكَلِمَ عَنۡ مَّوَاضِعِهٖ وَ يَقُوۡلُوۡنَ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَاسۡمَعۡ غَيۡرَ مُسۡمَعٍ وَّرَاعِنَا لَـيًّۢا بِاَ لۡسِنَتِهِمۡ وَطَعۡنًا فِىۡ الدِّيۡنِ ؕ وَلَوۡ اَنَّهُمۡ قَالُوۡا سَمِعۡنَا وَاَطَعۡنَا وَاسۡمَعۡ وَانْظُرۡنَا لَـكَانَ خَيۡرًا لَّهُمۡ وَاَقۡوَمَ ۙ وَ لٰـكِنۡ لَّعَنَهُمُ اللّٰهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُوۡنَ اِلَّا قَلِيۡلًا
تفسير ميسر:
من اليهود فريق دأبوا على تبديل كلام الله وتغييره عمَّا هو عليه افتراء على الله، ويقولون للرسول صلى الله عليه وسلم; سمعنا قولك وعصينا أمرك واسمع منَّا لا سمعت، ويقولون; راعنا سمعك أي; افهم عنا وأفهمنا، يلوون ألسنتهم بذلك، وهم يريدون الدعاء عليه بالرعونة حسب لغتهم، والطعن في دين الإسلام. ولو أنهم قالوا; سمعنا وأطعنا، بدل و"عصينا"، واسمع دون "غير مسمع"، وانظرنا بدل "راعنا" لكان ذلك خيرًا لهم عند الله وأعدل قولا ولكن الله طردهم من رحمته؛ بسبب كفرهم وجحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يصدقون بالحق إلا تصديقًا قليلا لا ينفعهم.
ثم قال تعالى "من الذين هادوا" من في هذا لبيان الجنس كقوله"فاجتنبوا الرجس من الأوثان" وقوله يحرفون الكلم عن مواضعه أي يتأولونه على غير تأويله ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل قصدا منهم وافتراء"ويقولون سمعنا" أي سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه هكذا فسره مجاهد وابن زيد وهو المراد وهذا أبلغ في كفرهم وعنادهم وأنهم يتولون عن كتاب اللّه بعدما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة وقولهم"واسمع غير مسمع" أي اسمع ما نقول لا سمعت رواه الضحاك عن ابن عباس وقال مجاهد والحسن; واسمع غير مقبول منك قال ابن جرير; والأول أصح وهو كما قال وهذا استهزاء منهم واستهتار عليهم لعنة اللّه "وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين" أي يوهمون أنهم يقولون راعنا سمعك بقولهم "راعنا وإنما يريدون الرعونة" بسبهم النبي وقد تقدم الكلام على هذا عند قوله "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا" ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه ليا بألسنتهم وطعنا في الدين يعني بسبهم النبي صلى الله عله وسلم ثم قال تعالى "ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم اللّه بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا" أي قلوبهم مطرودة عن الخير مبعدة منه فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم وقد تقدم الكلام على قوله تعالى "فقليلا ما يؤمنون" والمقصود أنهم لا يؤمنون إيمانا نافعا.
قوله تعالى ; من الذين هادوا قال الزجاج ; إن جعلت من متعلقة بما قبل فلا يوقف على قوله نصيرا ، وإن جعلت منقطعة فيجوز الوقف على نصيرا والتقدير من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم ؛ ثم حذف . وهذا مذهب سيبويه ، وأنشد النحويون ;لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب وميسمقالوا ; المعنى لو قلت ما في قومها أحد يفضلها ؛ ثم حذف . وقال الفراء ; المحذوف " من " المعنى ; من الذين هادوا من يحرفون . وهذا كقوله تعالى ; وما منا إلا له مقام معلوم أي من له . وقال ذو الرمة ;فظلوا ومنهم دمعه سابق له وآخر يذري عبرة العين بالهمليريد ومنهم من دمعه ، فحذف الموصول . وأنكره المبرد والزجاج ؛ لأن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وإبراهيم النخعي " الكلام " . قال النحاس ; و " الكلم " في هذا أولى ؛ لأنهم إنما يحرفون كلم النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ما عندهم في التوراة وليس يحرفون جميع الكلام ، ومعنى يحرفون يتأولونه على غير تأويله . وذمهم الله تعالى بذلك لأنهم يفعلونه متعمدين . عن مواضعه يعني صفة النبي صلى الله عليه وسلم . ويقولون سمعنا وعصينا أي سمعنا قولك وعصينا أمرك . واسمع غير مسمع قال ابن عباس ; كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم ; اسمع لا سمعت ، هذا مرادهم - لعنهم الله - وهم يظهرون أنهم يريدون اسمع غير مسمع مكروها ولا أذى . وقال الحسن ومجاهد . معناه غير مسمع منك ، أي مقبول ولا مجاب إلى ما تقول . قال النحاس ; ولو كان كذلك لكان غير مسموع منك . وتقدم القول في وراعنا ومعنى ليا بألسنتهم أي يلوون ألسنتهم عن الحق أي [ ص; 210 ] يميلونها إلى ما في قلوبهم . وأصل اللي الفتل ، وهو نصب على المصدر ، وإن شئت كان مفعولا من أجله . وأصله لويا ثم أدغمت الواو في الياء . وطعنا معطوف عليه أي يطعنون في الدين ، أي يقولون لأصحابهم لو كان نبيا لدرى أننا نسبه ، فأظهر الله تعالى نبيه على ذلك فكان من علامات نبوته ، ونهاهم عن هذا القول . ومعنى وأقوم أصوب لهم في الرأي . فلا يؤمنون إلا قليلا أي إلا إيمانا قليلا لا يستحقون به اسم الإيمان . وقيل ; معناه لا يؤمنون إلا قليلا منهم ؛ وهذا بعيد لأنه عز وجل قد أخبر عنهم أنه لعنهم بكفرهم .
القول في تأويل قوله ; مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِقال أبو جعفر; ولقوله جل ثناؤه; " من الذين هادوا يحرفون الكلم "، وجهان من التأويل.أحدهما; أن يكون معناه; أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ =" من الذين هادوا يحرفون الكلم "، فيكون قوله; " من الذين هادوا " من صلة " الذين ". وإلى هذا القول كانت عامة أهلِ العربية من أهل الكوفة يوجِّهون قوله; " من الذين هادوا يحرِّفون ". (4)* * *والآخر منهما; أن يكون معناه; من الذين هادوا من يُحرِّف الكلم عن مواضعه، فتكون " مَن " محذوفة من الكلام، اكتفاء بدلالة قوله; " من الذين هادوا "، عليها. وذلك أن " مِن " لو ذكرت في الكلام كانت بعضًا ل " مَن "، فاكتفى بدلالة " مِنْ"، عليها. والعرب تقول; " منا من يقول ذلك، ومِنا لا يقوله "، (5) بمعنى; منا &; 8-431 &; من يقول ذاك، ومنا من لا يقوله = فتحذف " مَن " اكتفاء بدلالة " مِنْ" عليه، كما قال ذو الرمة;فَظَلُّــوا, وَمِنْهُـمْ دَمْعُـهُ سَـابِقٌ لَـهُوَآخَـرُ يَثْنِـي دَمْعَـةَ العَيْـنِ بِـالهَمْلِ (6)يعني; ومنهم مَن دمعه، وكما قال الله تبارك وتعالى; وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ [سورة الصافات; 164]. وإلى هذا المعنى كانت عامة أهل العربية من أهل البصرة يوجِّهون تأويل قوله; " من الذين هادوا يحرفون الكلم "، غير أنهم كانوا يقولون; المضمر في ذلك " القوم "، كأن معناه عندهم; من الذين هادوا قوم يحرِّفون الكلم، ويقولون; نظير قول النابغة;كَــأَنَّكَ مِــنْ جِمَــالِ بَنِـي أُقَيْشٍيُقَعْقَــعُ خَــلْفَ رِجْلَيْــهِ بِشَــنِّ (7)يعني; كأنك جمل من جمال أقيش.فأما نحويو الكوفة فينكرون أن يكون المضمر مع " مِن " إلا " مَن " أو ما أشبهها. (8)* * *قال أبو جعفر; والقول الذي هو أولى بالصواب عندي في ذلك; قول من قال; قوله; " من الذين هادوا "، من صلة ( الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ) ، لأن الخبرين جميعًا والصفتين، من صفة نوع واحد من الناس، وهم اليهود الذين وصفَ الله صفتهم في قوله; ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ) وبذلك جاء تأويلُ أهل التأويل، فلا حاجة بالكلام = إذ كان الأمر كذلك = إلى أن يكون فيه متروك.* * *وأما تأويل قوله; " يُحَرِّفون الكلِمَ عن مواضعه "، (9) فإنه يقول; يبدِّلون معناها ويغيِّرونها عن تأويله.* * *و " الكلم " جماع " كلمة ".* * *وكان مجاهد يقول; عنى بـ " الكلم "، التوراة.9691 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; " يحرفون الكلم عن مواضعه "، تبديل اليهود التوراة.9692 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.* * *وأما قوله; " عن مواضعه "، فإنه يعني; عن أماكنه ووجوهه التي هي وجوهه.* * *القول في تأويل قوله ; وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَايعني بذلك جل ثناؤه; من الذين هادوا يقولون; سمعنا، يا محمد، قولك، وعصينا أمرك، كما;-9693 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله; " سمعنا وعصينا "، قال; قالت اليهود; سمعنا ما نقول ولا نطيعك.9694 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.9695 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.9696 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال; قال ابن زيد في قوله; " سمعنا وعصينا "، قالوا; قد سمعنا، ولكن لا نطيعك.* * *القول في تأويل قوله ; وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍقال أبو جعفر; وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن اليهود الذين كانوا حوالَيْ مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره; أنهم كانوا يسبّون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤذونه بالقبيح من القول، ويقولون له; اسمع منا غير مسمع، كقول القائل للرجل يَسُبُّه; " اسمع، لا أسمعَك الله "، كما;-9697 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " واسمع غير مسمع "، قال; هذا قول أهل الكتاب يهود، كهيئة ما يقول الإنسان; &; 8-434 &; " اسمع لا سمعت "، أذًى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشتمًا له واستهزاءً.9698 - حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس; " واسمع غير مسمع " قال; يقولون لك; " واسمع لا سمعت ".وقد روي عن مجاهد والحسن; أنهما كانا يتأوّلان في ذلك بمعنى; واسمع غير مقبول منك.= ولو كان ذلك معناه لقيل; " واسمع غير مسموع "، ولكن معناه; واسمع لا تسمع، ولكن قال الله تعالى ذكره; لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ، فوصفهم بتحريف الكلام بألسنتهم، والطعن في الدين بسبِّ النبي صلى الله عليه وسلم.* * *وأما القول الذي ذكرته عن مجاهد; " واسمع غير مسمع "، يقول; غير مقبول ما تقول، فهو كما;-9699 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد; " واسمع غير مسمع "، قال; غير مُسْتمع - قال ابن جريج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد; " واسمع غير مسمع "، غير مقبول ما تقول.9700 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.9701 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله; " واسمع غير مسمع "، قال; كما تقول اسمع غير مَسْموع منك.9702 - وحدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال; كان ناس منهم يقولون; " واسمع غير مسمع "، كقولك; اسمع غير صاغِرٍ. (10)* * *القول في تأويل قوله ; وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِقال أبو جعفر; يعني بقوله; " وراعنا "، أي; راعنا سمعك، افهم عنّا وأفهمنا. وقد بينا تأويل ذلك في" سورة البقرة " بأدلته، بما فيه الكفاية عن إعادته. (11)* * *ثم أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم يقولون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم; " ليًّا بألسنتهم "، يعني تحريكًا منهم بألسنتهم بتحريف منهم لمعناه إلى المكروه من معنييه، (12) واستخفافًا منهم بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وطعنًا في الدين، كما;-9703 - حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال قتادة; كانت اليهود يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم; " راعنا سمعك "! يستهزئون بذلك، فكانت اليهود قبيحة أن يقال; (13) " راعنا سمعك " =" ليًّا بألسنتهم " والليّ; تحريكهم ألسنتهم بذلك =" وطعنًا في الدين ".9704 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول; حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله; " راعنا ليًّا بألسنتهم "، كان &; 8-436 &; الرجل من المشركين يقول; " أرعني سمعك "! يلوي بذلك لسانه، يعني; يحرِّف معناه.9705 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أييه، عن ابن عباس; مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، إلى " وطعنًا في الدين "، فإنهم كانوا يستهزئون، ويلوون ألسنتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطعنون في الدين.9706 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد; " وراعنا ليا بألسنتهم وطعنًا في الدين "، قال; " راعنا "، طعنهم في الدين، وليهم بألسنتهم ليبطلوه، ويكذبوه. قال; و " الرَّاعن "، الخطأ من الكلام. (14)9707 - حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر قال، حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله; " ليا بألسنتهم "، قال; تحريفًا بالكذب.* * *القول في تأويل قوله ; وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَقال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; ولو أن هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم، قالوا لنبي الله; " سمعنا يا محمد قولك، وأطعنا أمرك، وقبلنا ما جئتنا به من عند الله، واسمع منا، وانظرنا ما نقول، وانتظرنا نفهم عنك ما تقول لنا " =" لكان خيرًا لهم وأقوم "، يقول; لكان ذلك خيرًا لهم عند الله =" وأقوم "، يقول; وأعدل وأصوبَ في القول.* * *وهو من " الاستقامة " من قول الله; وَأَقْوَمُ قِيلا [سورة المزمل; 6]، بمعنى; وأصوبُ قيلا (15) كما;-9708 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرًا لهم "، قال; يقولون اسمع منا، فإنا قد سمعنا وأطعنا، وانظرنا فلا تعجل علينا.9709 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد قوله; " وانظُرنا "، قال; اسمع منا.9710 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد; " وانظرنا "، قال; أفهمنا.9711 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،" وانظرنا "، قال; أفهمنا.* * *قال أبو جعفر; وهذا الذي قاله مجاهد وعكرمة، من توجيههما معنى; " وانظرنا " إلى; " اسمع منا " = وتوجيه مجاهد ذلك إلى " أفهمنا " = فما لا نعرف في كلام العرب، (16) إلا أن يكون أراد بذلك من توجيهه إلى " أفهمنا " ، انتظرنا نفهم ما تقول = أو; انتظرنا نقل حتى تسمع منا = فيكون ذلك معنًى مفهومًا، وإن كان غير تأويلٍ للكلمة ولا تفسير لها. (17) ولا نعرف; " انظرنا " في كلام العرب، (18) إلا بمعنى; انتظرنا وانظر إلينا = فأما " انظرنا " بمعنى; انتظرنا، فمنه قول الحطيئة;وَقَــدْ نَظَــرْتُكُمُ لَــوْ أَنَّ دِرَّتَكُـمْيَوْمًـا يَجِـيء بهـا مَسْـحِي وَإِبْسَاسِي (19)وأما " انظرنا "، بمعنى; انظر إلينا، فمنه قول عبد الله بن قيس الرقيات;ظَـاهِرَاتُ الجَمـالِ وَالحُسْـنِ يَنْظُرْنَكَمَـــا يَنْظُـــرُ الأَرَاكَ الظِّبَــاءُ (20)بمعنى; كما ينظر إلى الأراك الظباء. (21)* * *القول في تأويل قوله ; وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا (46)قال أبو جعفر; يعني بذلك; ولكن الله تبارك وتعالى أخْزَى هؤلاء اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآية، فأقصاهم وأبعدهم من الرشد واتباع الحق (22) =" بكفرهم "، يعني; بجحودهم نبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند ربهم من الهدى والبينات =" فلا يؤمنون إلا قليلا "، يقول; فلا يصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند ربهم، ولا يقرُّون بنبوته =" إلا قليلا "، يقول; لا يصدقون بالحق الذي جئتهم به، يا محمد، إلا إيمانًا قليلا كما;-9712 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله; " فلا يومنون إلا قليلا "، قال; لا يؤمنون هم إلا قليلا.قال أبو جعفر; وقد بيّنا وجه ذلك بعلله في" سورة البقرة ". (23)---------------------الهوامش ;(4) انظر معاني القرآن للفراء 1; 271.(5) في المطبوعة; "والعرب تقول; منا من يقول ذلك" بزيادة"من" وهو خطأ ، والصواب من معاني القرآن للفراء. أما المخطوطة فكان فيها; "والعرب تقول ذلك ومثالا لا يقوله" وهو من عبث الناسخ وإسقاطه.(6) ديوانه 485 ، وقبله; مع اختلاف الرواية;بَكَـيْتُ عَـلَى مَـيٍّ بِهَـا إذْ عَرَفْتُهَـاوَهِجْتُ الْهَوَى حَتَّى بَكَى القَوْمُ مِنْ أَجْلِيفَظَلُّــوا وَمِنْهُـمْ دَمْعُـهُ غَـالِبٌ لَـهُوَآخَـرُ يَثْنِـي عَـبْرَةَ العَيْـنِ بـالهَمْلِوَهَـلْ هَمَـلانُ الْعَيْـنِ رَاجِعُ مَا مَضَىمِـنَ الوَجْـدِ، أوْ مُدْنِيكِ يَا مَيُّ مِنْ أَهْلِيوكان في المطبوعة; "يذري دمعة العين بالمهل" وهو خطأ ، وتغيير من الطابع ، وفي المخطوطة"يثني" كما في الديوان.وقوله; "يثني دمعة العين" ، أي يرد هملانها. وقوله; "بالهمل" متعلق بقوله"دمعة" ووضع"دمعة" هنا مصدرًا لقوله; "دمعت عينه دمعًا ودمعانًا ودموعًا" ، وزاده هو"دمعة" على وزن"رحمة" في المصادر = وكذلك في رواية"عبرة" ، كلاهما مصدر ، ولم تثبته كتب اللغة. يقول; وآخر يرد إرسال العين دمعها منهملا ، يعني; لولا ذلك لسالت دموعه غزارًا.(7) مضى تخريجه فيما سلف 1; 179 ، تعليق; 2 ، ونسيت هناك أن أرده إلى هذا المكان ، فأثبته.(8) انظر مقالة الفراء في معاني القرآن 1; 271.(9) انظر تفسير"التحريف" فيما سلف 2; 248 ، 249.(10) في المطبوعة; "غير صاغ" ، والصواب من المخطوطة.(11) انظر ما سلف 2; 459-467.(12) انظر تفسير"اللي" و"اللي بالألسنة" فيما سلف 6; 535-537.(13) في المخطوطة والمطبوعة; "فكان في اليهود قبيحة فقال" ، وهو كلام لا يستقيم البتة ، وصوابه الذي لا شك فيه ما أثبت ، وانظر كونها كلمة قبيحة لليهود في 2; 460.(14) انظر القول في"الراعن" فيما سلف 2; 465 ، 466.(15) انظر تفسر"أقوم" فيما سلف 6; 77 ، 78.(16) في المطبوعة والمخطوطة; "ما لا نعرف" بغير فاء ، ولكني زدتها لأنها أعرق في العربية وأقوم للسياق.(17) في المخطوطة والمطبوعة; "غير تأويل الكلمة" والصواب ما أثبت.(18) في المطبوعة; "فلا نعرف" بالفاء ، والأجود ما في المخطوطة ، كما أثبته.(19) ديوانه; 52 ، والكامل 1; 351 ، وهذا خطأ لا شك فيه في رواية البيت ، وأثبته على حاله ، لأنه دلالة على عجلة أبي جعفر أحيانًا في كتابة تفسيره ، ودليل على حفظه الشعر ، ولولا ذلك لم يخلط هذا الخلط فإن هذه القصيدة ، هي التي هجا بها الزبرقان بن بدر ، ومدح بغيض ابن عامر ، والتي شكاه من أجلها الزبرقان إلى عمر بن الخطاب فحبسه ، يقول للزبرقان لما غضب حين استضافه بغيض;مَـا كـانَ ذَنْـبُ بَغِيـض لا أَبَــا لَكُمُفِـي بَــائِسٍ جَـاءَ يَحْـدُو آخِرَ الناسِلَقَــدْ مَــرَيْتُكُمُ لَــوْ أَنَّ دِرَّتكُــمْيَوْمًـا يجِـيءُ بِهَـا مَسْـحِي وَإبْسَاسِيوَقَــدْ مَدَحْــتُكُمْ عَمْـدًا لأُرْشِــدَكُمْكَيْمَـا يَكُــونَ لَكُـمْ مَتْحٍـي وَإمْرَاسِيثم يليه بيت الشاهد الذي كان ينبغي أن يذكره هنا أبو جعفر ، كما ذكره فيما سلف في تفسير"انظرنا" من سورة البقرة 2; 467 ، 468 وقد شرحته هناك. ولولا أن أثبت حال أبي جعفر في كتابه ، لألغيت البيت المذكور في المتن ، ولوضعت هذا البيت;وَقَــدْ نَظَــرْتُكُمُ أَعْشَـاءَ صَـادِرَةٍلِلْخِـمْسِ طَـالَ بِهَـا حَوْزِي وَتَنْسَاسِيوقوله; "لقد مريتكم" من قولهم; "مري الناقة يمريها مريًا"; إذا مسح ضرعها لتدر. و"الدرة"; الدفعة من اللبن و"المسح" مسح الضرع للحلب. و"الإبساس"; هو صوت الراعي ، يلينه لناقته عند الحلب لتسكن ويسهل حلبها. يقول; لقد ترفقت لكم ، أستخرج خيركم بالمديح الرقيق والقول اللين ، فلم ألمق خيرًا ، ولم تجودوا به.وكان في المخطوطة; "يجيء به" وهو خطأ.(20) ديوانه; 171 ، من قصيدته التي فخر فيها بقريش ، ومدح مصعب بن الزبير ، وذكر نساء عبد شمس بن عبد مناف فقال;وَحِسَــانٌ مِثْـلُ الــدُّمَي عَبْشَـمِيَّاتٌعَلَيْهِــــن بَهْجَـــةٌ وَحَيَـــاءُلا يَبِعْـنَ العِيَـابَ فـي مَوْسِـمٍ النَّاسِإذَا طَـــافَ بِالعِيـــابِ النِّسَــاءُظَـاهِرَاتُ الجَمَـالِ والسَّـرْو ......... . . . . . . . . . . . . . . . . . .و"السرو"; الشرف وكرم المحتد. وهي أجود الروايتين ، وقوله; "كما ينظر الأراك الظباء" ، من حسن التشبيه ، ودقة الملاحظة للعلاقة بين الشرف والسؤدد. وما يكون للمرء من شمائل وسمت وهيأة. ويعني أنهن قد ينصبن أجيادهن ، كأنهن ظباء تعطو الأراك لتناله. وذلك أظهر لجمال أجيادهن ، وحركتهن. والجيد فيه دلالة من دلائل الخلق لا يخطئها بصير.(21) انظر تفسير نظيرة هذه الكلمة من آية البقرة; "وقولوا انظرنا" 2; 467 - 469.(22) انظر تفسير"اللعنة" فيما سلف 2; 328 / 3; 254 ، 261 / 6; 577.(23) يعني تفسير قوله تعالى"فقليلا ما يؤمنون" 2; 329 - 331.
ثم بين كيفية ضلالهم وعنادهم وإيثارهم الباطل على الحق فقال: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا } أي: اليهود وهم علماء الضلال منهم. { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } إما بتغيير اللفظ أو المعنى، أو هما جميعا. فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه غير مراد بها، ولا مقصود بها بل أريد بها غيره، وكتمانهم ذلك. فهذا حالهم في العلم أشر حال، قلبوا فيه الحقائق، ونزلوا الحق على الباطل، وجحدوا لذلك الحق، وأما حالهم في العمل والانقياد فإنهم { يَقُولون سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي: سمعنا قولك وعصينا أمرك، وهذا غاية الكفر والعناد والشرود عن الانقياد، وكذلك يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بأقبح خطاب وأبعده عن الأدب فيقولون: { اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } قصدهم: اسمع منا غير مسمع ما تحب، بل مسمع ما تكره، { وَرَاعِنَا } قصدهم بذلك الرعونة، بالعيب القبيح، ويظنون أن اللفظ -لما كان محتملا لغير ما أرادوا من الأمور- أنه يروج على الله وعلى رسوله، فتوصلوا بذلك اللفظِ الذي يلوون به ألسنتهم إلى الطعن في الدين والعيب للرسول، ويصرحون بذلك فيما بينهم، فلهذا قال: { لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ } ثم أرشدهم إلى ما هو خير لهم من ذلك فقال: { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ } وذلك لما تضمنه هذا الكلام من حسن الخطاب والأدب اللائق في مخاطبة الرسول، والدخول تحت طاعة الله والانقياد لأمره، وحسن التلطف في طلبهم العلم بسماع سؤالهم، والاعتناء بأمرهم، فهذا هو الذي ينبغي لهم سلوكه. ولكن لما كانت طبائعهم غير زكية، أعرضوا عن ذلك، وطردهم الله بكفرهم وعنادهم، ولهذا قال: { وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا }
(من الذين) مثل إلى الذين متعلق بمحذوف خبر مقدم لمبتدأ مقدر تقديره قوم
(هادوا) فعل ماض مبني على الضم ...
والواو فاعلـ (يحرفون) مثل يشترون ،
(الكلم) مفعول به منصوبـ (عن مواضع) جار ومجرور متعلق بـ (يحرفون) ، و (الهاء) ضمير مضافإليه
(الواو) عاطفة
(يقولون) مثل يشترون،
(سمعنا) فعل ماض مبني على السكون ... و (نا) ضمير فاعلـ (الواو) عاطفة
(عصينا) مثل سمعنا
(الواو) عاطفة
(اسمع) فعل أمر دعائي، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(غير) حال منصوبة من فاعل اسمع
(مسمع) مضاف إليه مجرور ،
(الواو) عاطفة
(راع) فعل أمر دعائي مبني على حذف حرف العلة و (نا) ضمير مفعول به، والفاعل أنت
(ليا) حال منصوبة بتأويل مشتق أي لاوين ألسنتهم
(بألسنة) جار ومجرور متعلق بالمصدر
(ليا) و (هم) ضمير متصل في محل جر مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(طعنا) معطوف على
(ليّا) منصوب مثله ،
(في الدين) جار ومجرور متعلق بـ (طعنا) .
(الواو) استئنافية
(لو) شرط غير جازم
(أنّ) حرف مشبه بالفعل للتوكيد و (هم) ضمير في محل نصب اسم أنّ
(قالوا) مثل هادوا
(سمعنا وأطعنا واسمع) مثل سمعنا وعصينا واسمع
(الواو) عاطفة
(انظر) فعل أمر دعائي و (نا) ضمير مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(اللام) واقعة في جواب لو (كان) فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى هذا التوجيه الإلهي
(خيرا) خبر كان منصوبـ (اللام) حرف جر و (هم) ضمير في محل جر متعلق بـ (خيرا) ،
(أقوم) معطوف على
(خيرا) بحرف العطف الواو منصوب مثله، ومنع من التنوين لأنه وصف على وزن أفعل.
والمصدر المؤوّلـ (أنهم قالوا ... ) في محل رفع فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت أي: لو ثبت قولهم ...(الواو) عاطفة
(لكن) حرف استدراك
(لعن) فعل ماض و (هم) ضمير مفعول به
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(بكفر) جار ومجرور متعلق بـ (لعن) والباء سببية و (هم) مضاف إليه
(الفاء) تعليلية
(لا) نافية
(يؤمنون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (إلّا) أداة حصر
(قليلا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته أي: لا يؤمنون إلا إيمانا قليلا.
جملة «من الذين ... قوم» الاسمية لا محل لها استئنافية.
وجملة «هادوا» لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «يحرّفون» في محل رفع نعت للمبتدأ قوم.
وجملة «يقولون ... » في محل رفع معطوفة على جملة يحرفون.
وجملة «سمعنا ... » في محل نصب مقول القول.
وجملة «عصينا» في محل نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة «اسمع»
(الأولى) في محل نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة «راعنا» في محل نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة «ثبت قولهم» لا محل لها استئنافية.
وجملة «سمعنا»
(الثانية) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة «أطعنا» في محلّ نصب معطوفة على جملة سمعنا.
وجملة «اسمع
(الثانية) في محلّ نصب معطوفة على جملة سمعنا.
وجملة «انظرنا» في محل نصب معطوفة على جملة سمعنا.وجملة «كان خيرا لهم» لا محل لها جواب شرط غير جازم
(لو) .
وجملة «لعنهم الله ... » لا محل لها معطوفة على جملة
(ثبت) قولهم.
وجملة «لا يؤمنون ... » لا محل لها تعليلية.