وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوٰنًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
وَمَنۡ يَّفۡعَلۡ ذٰ لِكَ عُدۡوَانًا وَّظُلۡمًا فَسَوۡفَ نُصۡلِيۡهِ نَارًا ؕ وَكَانَ ذٰ لِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيۡرًا
تفسير ميسر:
ومن يرتكب ما نهى الله عنه من أخذ المال الحرام كالسرقة والغصب والغش معتديًا متجاوزًا حد الشرع، فسوف يدخله الله نارًا يقاسي حرَّها، وكان ذلك على الله يسيرًا.
ولهذا قال تعالى "ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما" أي ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه متعديا فيه ظالما في تعاطيه أي عالما بتحريمه متجاسرا على انتهاكه "فسوف نصليه نارا" الآية. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد.
قوله تعالى ; ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ذلك إشارة إلى القتل ؛ لأنه أقرب مذكور ؛ قاله عطاء . وقيل ; هو عائد إلى أكل المال بالباطل وقتل النفس ؛ لأن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا ، ثم ورد الوعيد حسب النهي . وقيل ; هو عام على كل ما نهى عنه من القضايا ، من أول السورة إلى قوله تعالى ; ومن يفعل ذلك . وقال الطبري ; ذلك عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد ، وذلك قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها لأن كل ما نهي عنه من أول السورة قرن به وعيد ، إلا من قوله ; يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم فإنه لا وعيد بعده إلا قوله [ ص; 138 ] ; ومن يفعل ذلك عدوانا . والعدوان تجاوز الحد . والظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وقد تقدم . وقيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ليخرج منه فعل السهو والغلط ، وذكر العدوان والظلم مع تقارب معانيهما لاختلاف ألفاظهما ، وحسن ذلك في الكلام كما قال عدي بن زيد ;فقددت الأديم لراهشه وألفى قولها كذبا وميناوحسن العطف لاختلاف اللفظين ؛ يقال ; بعدا وسحقا ؛ ومنه قول يعقوب ; إنما أشكو بثي وحزني إلى الله . فحسن ذلك لاختلاف اللفظ . ونصليه معناه نمسه حرها . وقد بينا معنى الجمع بين هذه الآي وحديث أبي سعيد الخدري في العصاة وأهل الكبائر لمن أنفذ عليه الوعيد ؛ فلا معنى لإعادة ذلك . وقرأ الأعمش والنخعي " نصليه " بفتح النون ، على أنه منقول من صلى نارا ، أي أصليته ؛ وفي الخبر " شاة مصلية " . ومن ضم النون منقول بالهمزة ، مثل طعمت وأطعمت .
القول في تأويل قوله ; وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)قال أبو جعفر; اختلف أهل التأويل في تأويل قوله; " ومن يفعل ذلك عدوانًا ".فقال بعضهم; معنى ذلك; ومن يقتل نفسه، بمعنى; ومن يقتل أخاه المؤمن =" عدوانًا وظلمًا فسوف نُصليه نارًا ".*ذكر من قال ذلك;9167 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال; قلت لعطاء; أرأيتَ قوله; " ومن يفعل ذلكُ عدْوانًا وظلمًا فسوف نُصليه نارًا "، في كل ذلك، أو في قوله; وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ؟ قال; بل في قوله; وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ .* * *وقال آخرون; بل معنى ذلك; ومن يفعل ما حرَّمته عليه من أول هذه السورة إلى قوله; " ومن يفعل ذلك " = من نكاح من حَرّمت نكاحه، وتعدِّي حدوده، وأكل أموال الأيتام ظلمًا، وقتل النفس المحرّم قتلها ظلمًا بغير حق.* * *وقال آخرون; بل معنى ذلك; ومن يأكل مالَ أخيه المسلم ظلمًا بغير طيب نفس منه، وَقَتل أخاه المؤمن ظلمًا، فسوف نصليه نارًا.* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال; معناه; ومن يفعل ما حرّم الله عليه، من قوله; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا إلى قوله; " ومن يفعل ذلك "، من نكاح المحرمات، وعضل المحرَّم عضلُها من النساء، وأكل المال بالباطل، وقتل المحرّم قتله من المؤمنين= لأنّ كلّ ذلك مما وعد الله عليه أهلَه العقوبة.* * *فإن قال قائل; فما منعك أن تجعل قوله; " ذلك "، معنيّا به جميع ما أوعدَ الله عليه العقوبة من أول السورة؟قيل; منعني ذلك (39) أن كلّ فصْل من ذلك قد قُرِن بالوعيد، إلى قوله; أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ، (40) ولا ذكر للعقوبة من بعد ذلك على ما حرّم الله في الآي التي بعده إلى قوله; " فسوف نصليه نارًا ". فكان قوله; " ومن يفعل ذلك "، معنيًّا به ما قلنا، مما لم يُقرَن بالوعيد، مع إجماع الجميع على أنّ الله تعالى قد توعد على كل ذلك = (41) أولى من أن يكون معنيًّا به ما سلف فيه الوعيد بالنهي مقرونًا قبل ذلك. (42)* * *وأما قوله; " عدْوانًا "، فإنه يعني به تجاوزًا لما أباح الله له، إلى ما حرمه عليه =" وُظلمًا "، يعني; فعلا منه ذلك بغير ما أذن الله به، وركوبًا منه ما قد نهاه الله عنه (43) . وقوله; " فسوف نُصليه نارًا "، يقول; فسوف نُورده نارًا يصلَى بها فيحترق فيها (44) =" وكان ذلك على الله يسيرًا "، يعني; وكان إصلاءُ فاعل ذلك النارَ وإحراقه بها، على الله سَهْلا يسيرًا، لأنه لا يقدر على الامتناع على ربه مما أراد به من سوء. وإنما يصعب الوفاءُ بالوعيد لمن توعده، على من كان &; 8-232 &; إذا حاول الوفاءَ به قَدَر المتوعَّد من الامتناع منه. فأما من كان في قبضة مُوعِده، فيسيرٌ عليه إمضاءُ حكمه فيه، والوفاءُ له بوعيده، غيرُ عسير عليه أمرٌ أراده به. (45)-------------------الهوامش ;(39) في المطبوعة; "منع ذلك" ، والصواب من المخطوطة.(40) آخر الآية الثامنة عشرة من سورة النساء.(41) قوله; "أولى" خبر"كان" في قوله; "فكان قوله..."(42) هذه حجة واضحة ، وبرهان على حسن فهم أبي جعفر لمعاني القرآن ومقاصده. ونهج صحيح في ربط آيات الكتاب المبين ، قل أن تظفر بمثله في غير هذا التفسير.(43) انظر تفسير"العدوان" و"الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة ، مادة"عدا" و"ظلم".(44) انظر تفسير"الإصلاء" فيما سلف; 27-29.(45) عند هذا الموضع ، انتهى الجزء السادس من مخطوطتنا ، وفي آخرها ما نصه; "نجز الجزء السادسُ من الكتاب ، بحمد الله تعالى وعونِه وحُسْنِ توفيقه. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.يتلوه في الجزء السابع إن شاء الله تعالى;القول في تأويل قوله; { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا }"وكان الفراغُ منه في بعض شهور سنة خمس عشرة وسبعمئة ، أحسَنَ اللهُ تَقَضِّيها وخاتمتها ، في خير وعافية بمنّه وكرمِهِ. غفر الله لِصاحبه ولكاتبه ولمؤلّفه ولجميع المسلمين. الحمد لله ربّ العالمين". ثم كتب كاتب تحته بخط مغربي ، ما نصه;"طالعه الفقير إليه سبحانه ، محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري الحنفي ، عفى عنهم بمنّه ، وأتمه بتاريخ ثاني شهر ربيع الأول من سنة تسع وثلاثين واثني عشر مئة. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله" وهذا الشيخ الجزائري الذي كتب هذه الخاتمة ، هو الذي مضت له تعليقة على مكان من التفسير ، أثبتها في مكانها في الجزء الخامس; 514 ، تعليق; 2.ثم بدأ الجزء السابع من مخطوطتنا ، وأوله; بسم الله الرحمن الرحيم رب أعن
ثم قال: { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ } أي: أكل الأموال بالباطل وقتل النفوس { عُدْوَانًا وَظُلْمًا } أي: لا جهلا ونسيانا { فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا } أي: عظيمة كما يفيده التنكير { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا }
(الواو) عاطفة
(من) اسم شرط جازم مبني في محل رفع مبتدأ
(يفعل) مضارع مجزوم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (ذا) اسم إشارة مبني في محل نصب مفعول به و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (عدوانا) مفعول لأجله منصوب ،
(الواو) عاطفة
(ظلما) معطوف على
(عدوانا) منصوب مثله
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(سوف) حرف استقبالـ (نصلي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدّرة على الياء و (الهاء) ضمير مفعول به أول، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم
(نارا) مفعول به ثان منصوبـ (الواو) استئنافية
(كان) ماض ناقص
(ذلك) مثل الأول اسم كان والإشارة إلى الإصلاء
(على الله) جار ومجرور متعلق بـ (يسيرا) وهو خبر كان منصوب.
جملة «من يفعل ... » لا محل لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة «يفعل ذلك ... » في محل رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة «سوف نصليه نارا» في محل جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة «كان ذلك ... يسيرا» لا محل لها استئنافية.