وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوٰتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
وَاللّٰهُ يُرِيۡدُ اَنۡ يَّتُوۡبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيۡدُ الَّذِيۡنَ يَتَّبِعُوۡنَ الشَّهَوٰتِ اَنۡ تَمِيۡلُوۡا مَيۡلًا عَظِيۡمًا
تفسير ميسر:
والله يريد أن يتوب عليكم، ويتجاوز عن خطاياكم، ويريد الذين ينقادون لشهواتهم وملذاتهم أن تنحرفوا عن الدين انحرافًا كبيرًا.
وقوله "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما" أي يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلا عظيما.
قوله تعالى ; والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيماقوله تعالى ; والله يريد أن يتوب عليكم ابتداء وخبر . وأن في موضع نصب ب يريد وكذلك يريد الله أن يخفف عنكم ؛ ف ( أن ) يخفف في موضع نصب ب ( يريد ) والمعنى ; يريد توبتكم ، أي يقبلها فيتجاوز عن ذنوبكم ويريد التخفيف عنكم . قيل ; هذا في جميع أحكام الشرع ، وهو الصحيح . وقيل ; المراد بالتخفيف نكاح الأمة ، أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء ؛ قاله مجاهد وابن زيد وطاوس . قال طاوس ; ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء . واختلف في [ ص; 131 ] تعيين المتبعين للشهوات ؛ فقال مجاهد ; هم الزناة . السدي ; هم اليهود والنصارى . وقالت فرقة ; هم اليهود خاصة ؛ لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب . وقال ابن زيد ; ذلك على العموم ، وهو الأصح . والميل ; العدول عن طريق الاستواء ؛ فمن كان عليها أحب أن يكون أمثاله عليها حتى لا تلحقه معرة .
القول في تأويل قوله عز وجل ; وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا (27)قال أبو جعفر; يعني بذلك تعالى ذكره; والله يريد أن يراجع بكم طاعته والإنابة إليه، ليعفوَ لكم عما سلف من آثامكم، ويتجاوز لكم عما كان منكم في جاهليتكم، من استحلالكم ما هو حرَامٌ عليكم من نكاح حلائل آبائكم وأبنائكم وغير ذلك مما كنتم تستحلونه وتأتونه، مما كان غير جائز لكم إتيانه من معاصي الله ==" ويريد الذين يتبعون الشهوات "، يقول; ويريد الذين يطلبون لذّات الدنيا وشهوات أنفسهم فيها =" أن تميلوا " عن أمر الله تبارك وتعالى، فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرّم عليكم وركوبكم معاصيه =" ميلا عظيمًا "، جورًا وعدولا عنه شديدًا.* * *واختلف أهل التأويل في الذين وصفهم الله بأنهم " يتبعون الشهوات ".فقال بعضهم; هم الزناة.*ذكر من قال ذلك;9129 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; " ويريد الذين يتبعون الشهوات "، قال; الزّنا =" أن تميلوا ميلا عظيمًا "، قال; يريدون أن تزنوا.9130 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيمًا "، أن تكونوا مثلهم، تزنون كما يزنون.9131 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد; " ويريد الذين يتبعون الشهوات "، قال; الزنا =" أن تميلوا ميلا عظيمًا "، قال; يزني أهلُ الإسلام كما يزنون. قال; هي كهيئة; وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [سورة القلم; 9].9132 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " ويريد الذين يتبعون الشهوات "، قال; الزنا =" أن تميلوا "، قال; أن تزنوا.* * *وقال آخرون، بل هم اليهودُ والنصارَى.*ذكر من قال ذلك;9133 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " ويريد الذين يتبعون الشهوات "، قال; هم اليهود والنصارى =" أن تميلوا ميلا عظيمًا ".* * *وقال آخرون; بل هم اليهودُ خاصة، وكانت إرادتهم من المسلمين اتّباعَ شهواتهم في نكاح الأخوات من الأب. وذلك أنهم يحلون نكاحَهنّ، فقال الله تبارك وتعالى للمؤمنين; ويريدُ الذين يحلِّلون نكاح الأخوات من الأب، أن تميلوا عن الحق فتستحلّوهن كما استحلوا.* * *وقال آخرون. معنى ذلك; كل متبع شهوةً في دينه لغير الذي أبيح له.*ذكر من قال ذلك;9134 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال; أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله; " ويريد الذين يتبعون الشهوات " الآية، قال; يريد أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم، أن تميلوا في دينكم ميلا عظيمًا، تتبعون أمرَ دينهم، وتتركون أمرَ الله وأمرَ دينكم.* * *قال أبو جعفر; وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال; معنى ذلك; ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل وطلاب الزنا ونكاح الأخوات من الآباء، وغير ذلك مما حرمه الله =" أن تميلوا " عن الحق، (1) وعما أذن الله لكم فيه، فتجورُوا عن طاعته إلى معصيته، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله، وترك طاعته =" ميلا عظيمًا ".وإنما قلنا، ذلك أولى بالصواب، لأن الله عز وجل عمّ بقوله; " ويريد الذين يتبعون الشهوات "، فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة، وعمهم بوصفهم بذلك، من غير وصفهم باتّباع بعض الشهوات المذمومة. فإذ كان ذلك كذلك، فأولى المعاني بالآية ما دلّ عليه ظاهرها، دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل قياس. وإذ كان ذلك كذلك كان داخلا في" الذين يتبعون الشهوات " اليهود، والنصارى، والزناة، وكل متبع باطلا. لأن كل متَّبع ما نهاه الله عنه، فمتبع شهوة نفسه. فإذ كان ذلك بتأويل الآية أولى، وجبتُ صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك.--------------------الهوامش ;(1) كان في المخطوطة والمطبوعة; "أن تميلوا ميلا عظيما عن الحق..." ، ولكني استظهرت من ذكره في آخر الفقرة; "ميلا عظيما" ، أن قوله هنا"ميلا عظيما" سبق قلم من الناسخ ، جرت تتمة الآية على لسانه فأثبتها ، ولو صح ذلك ، لكانت هذه الأخيرة في آخر الفقرة لا مكان لها
وقوله: { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي: توبة تلم شعثكم، وتجمع متفرقكم، وتقرب بعيدكم. { وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ } أي: يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم، ويعبدون أهواءهم، من أصناف الكفرة والعاصين، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم، فهؤلاء يريدون { أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } أي: [أن] تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين. يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره، إلى مَنْ الشقاوةُ كلها في اتباعه. فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الداعيين، وتخيّروا أحسن الطريقتين.
(الواو) عاطفة
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(يريد) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (أن) حرف مصدري ونصبـ (يتوب عليكم) مر إعرابها في الآية السابقة. والمصدر المؤوّلـ (أن يتوب ... ) في محل نصب مفعول به عامله يريد. (الواو) عاطفة
(يريد) مثل الأولـ (الذين) اسم موصول مبني في محل رفع فاعلـ (يتبعون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (الشهوات)
مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة
(أن) مثل الأولـ (تميلوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون ... والواو فاعلـ (ميلا) مفعول مطلق منصوبـ (عظيما) نعت منصوب. والمصدر المؤوّلـ (أن تميلوا ... ) في محل نصب مفعول به عامله يريد الثاني. جملة «الله يريد ... » لا محل لها معطوفة على الاستئنافية في الآية السابقة. وجملة «يريد أن يتوب» في محل رفع خبر المبتدأ
(الله) . وجملة «يتوب عليكم» لا محل لها صلة الموصول الحرفي(أن) الأول. وجملة «يريد الذين ... » لا محل لها معطوفة على جملة الله يريد. وجملة «يتبعون ... » لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) . وجملة «تميلوا ... » لا محل لها صلة الموصول الحرفي(أن) الثاني.