وَءَاتُوا الْيَتٰمٰىٓ أَمْوٰلَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوٓا أَمْوٰلَهُمْ إِلٰىٓ أَمْوٰلِكُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا
وَاٰ تُوا الۡيَتٰمٰٓى اَمۡوَالَهُمۡ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الۡخَبِيۡثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَاۡكُلُوۡۤا اَمۡوَالَهُمۡ اِلٰٓى اَمۡوَالِكُمۡؕ اِنَّهٗ كَانَ حُوۡبًا كَبِيۡرًا
تفسير ميسر:
وأعطوا مَن مات آباؤهم وهم دون البلوغ، وكنتم عليهم أوصياء، أموالهم إذا وصلوا سن البلوغ، ورأيتم منهم قدرة على حفظ أموالهم، ولا تأخذوا الجيِّد من أموالهم، وتجعلوا مكانه الرديء من أموالكم، ولا تخلطوا أموالهم بأموالكم؛ لتحتالوا بذلك على أكل أموالهم. إن من تجرأ على ذلك فقد ارتكب إثمًا عظيمًا.
يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم ولهذا قال "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" قال سفيان الثوري عن أبي صالح; لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك وقال سعيد بن جبير; لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم يقول; لا تبدلوا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام وقال سعيد بن المسيب والزهري; لا تعط مهزولا وتأخذ سمينا. وقال إبراهيم النخعي والضحاك; لا تعط زيفا وتأخذ جيدا. وقال السدي; كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول; شاة بشاة ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف يقول درهم بدرهم. وقوله "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" قال مجاهد وسعيد بن جبير وابن سيرين ومقاتل بن حيان والسدي وسفيان بن حسين; أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعا. وقوله "إنه كان حوبا كبيرا" قال ابن عباس; أي إثما عظيما. وروى ابن مردوية عن أبي هريرة قال; سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله "حوبا كبيرا" قال " إثما كبيرا " ولكن في إسناده محمد بن يوسف الكندي وهو ضعيف وروى هكذا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وأبي مالك وزيد بن أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباس وفي الحديث المروي في سنن أبي داود "اغفر لنا حوبنا وخطايانا" وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصل مولى عيينة عن ابن سيرين عن ابن عباس; أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوبا " قال ابن سيرين; الحوب الأثم. ثم قال ابن مردويه; حدثنا عبدالباقي حدثنا بشر بن موسى حدثنا هودة بن خليفة حدثنا عوف عن أنس أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال "إن طلاق أم أيوب لحوب" فأمسكها ثم روى ابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث علي بن عاصم عن حميد الطويل سمعت أنس بن مالك أيضا يقول; أراد أبو طلحة أن يطلق أم سليم أمرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن طلاق أم سليم لحوب" فكف. والمعنى; إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه.
قوله تعالى ; وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرافيه خمس مسائل ;الأولى قوله تعالى ; وآتوا اليتامى أموالهم وأراد باليتامى الذين كانوا أيتاما ؛ كقوله ; وألقي السحرة ساجدين ولا سحر مع السجود ، فكذلك لا يتم مع البلوغ . وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم ; " يتيم أبي طالب " استصحابا لما كان . وآتوا أي أعطوا . والإيتاء الإعطاء . ولفلان أتو ، أي عطاء . أبو زيد ; أتوت الرجل آتوه إتاوة ، وهي الرشوة . واليتيم من لم يبلغ الحلم ، وقد تقدم في " البقرة " مستوفى . وهذه الآية خطاب للأولياء والأوصياء . نزلت - في قول مقاتل والكلبي - في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه ؛ فنزلت ، فقال العم ; نعوذ بالله من الحوب الكبير ! ورد المال . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ; من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره يعني جنته . فلما قبض الفتى المال أنفقه في سبيل الله ، فقال عليه السلام ; ثبت الأجر وبقي الوزر . فقيل ; كيف يا رسول الله ؟ فقال ; ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده لأنه كان مشركا .[ ص; 10 ] الثانية ; وإيتاء اليتامى أموالهم يكون بوجهين ;أحدهما - إجراء الطعام والكسوة ما دامت الولاية ؛ إذ لا يمكن إلا ذلك لمن لا يستحق الأخذ الكلي والاستبداد كالصغير والسفيه الكبير .الثاني - الإيتاء بالتمكن وإسلام المال إليه ، وذلك عند الابتلاء والإرشاد ، وتكون تسميته مجازا ، المعنى ; الذي كان يتيما ، وهو استصحاب الاسم ؛ كقوله تعالى ; وألقي السحرة ساجدين أي الذين كانوا سحرة . وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم ; " يتيم أبي طالب " . فإذا تحقق الولي رشده حرم عليه إمساك ماله عنه وكان عاصيا . وقال أبو حنيفة ; إذا بلغ خمسا وعشرين سنة أعطي ماله كله على كل حال ، لأنه يصير جدا .قلت ; لما لم يذكر الله تعالى في هذه الآية إيناس الرشد وذكره في قوله تعالى ; وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم . قال أبو بكر الرازي الحنفي في أحكام القرآن ; لما لم يقيد الرشد في موضع وقيد في موضع وجب استعمالهما ، فأقول ; إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وهو سفيه لم يؤنس منه الرشد ، وجب دفع المال إليه ، وإن كان دون ذلك لم يجب ، عملا بالآيتين . وقال أبو حنيفة ; لما بلغ أشده صار يصلح أن يكون جدا فإذا صار يصلح أن يكون جدا فكيف يصح إعطاؤه المال بعلة اليتم وباسم اليتيم ؟ ! وهل ذلك إلا في غاية البعد ؟ . قال ابن العربي ; وهذا باطل لا وجه له ؛ لا سيما على أصله الذي يرى المقدرات لا تثبت قياسا وإنما تؤخذ من جهة النص ، وليس في هذه المسألة . وسيأتي ما للعلماء في الحجر إن شاء الله تعالى .الثالثة ; قوله تعالى ; ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب أي لا تتبدلوا الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة ، ولا الدرهم الطيب بالزيف . وكانوا في الجاهلية لعدم الدين لا يتحرجون عن أموال اليتامى ، فكانوا يأخذون الطيب والجيد من أموال اليتامى ويبدلونه بالرديء من أموالهم ؛ ويقولون ; اسم باسم ورأس برأس ؛ فنهاهم الله عن ذلك . هذا قول سعيد بن المسيب والزهري والسدي والضحاك وهو ظاهر الآية . وقيل ; المعنى لا تأكلوا أموال اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب وهو مالكم . وقالمجاهد وأبو صالح وباذان ; لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله . وقال ابن زيد ; كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان ويأخذ الأكبر الميراث . عطاء ; لا تربح على يتيمك الذي [ ص; 11 ] عندك وهو غر صغير . وهذان القولان خارجان عن ظاهر الآية ؛ فإنه يقال ; تبدل الشيء بالشيء أي أخذه مكانه . ومنه البدل .الرابعة ; قوله تعالى ; ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم قال مجاهد ; وهذه الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق ؛ فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك ، ثم نسخ بقوله وإن تخالطوهم فإخوانكم . وقال ابن فورك ، عن الحسن ; تأول الناس في هذه الآية النهي عن الخلط فاجتنبوه من قبل أنفسهم ، فخفف عنهم في آية البقرة . وقالت طائفة من المتأخرين ; إن إلى بمعنى مع ، كقوله تعالى ; من أنصاري إلى الله . وأنشد القتبي ;يسدون أبواب القباب بضمر إلى عنن مستوثقات الأواصروليس بجيد . وقال الحذاق ; إلى على بابها وهي تتضمن الإضافة ، أي لا تضيفوا أموالهم وتضموها إلى أموالكم في الأكل . فنهوا أن يعتقدوا أموال اليتامى كأموالهم فيتسلطوا عليها بالأكل والانتفاع .الخامسة ; قوله تعالى ; إنه كان حوبا كبيرا " إنه " أي الأكل كان حوبا كبيرا أي إثما كبيرا ؛ عن ابن عباس والحسن وغيرهما . يقال ; حاب الرجل يحوب حوبا إذا أثم . وأصله الزجر للإبل ؛ فسمي الإثم حوبا ؛ لأنه يزجر عنه وبه . ويقال في الدعاء ; اللهم اغفر حوبتي ؛ أي إثمي . والحوبة أيضا الحاجة . ومنه في الدعاء ; إليك أرفع حوبتي ؛ أي حاجتي . والحوب الوحشة ؛ ومنه قوله عليه السلام لأبي أيوب ; إن طلاق أم أيوب لحوب . وفيه ثلاث لغات " حوبا " بضم الحاء وهي قراءة العامة ولغة أهل الحجاز . وقرأ الحسن " حوبا " بفتح الحاء . وقال الأخفش ; وهي لغة تميم . مقاتل ; لغة الحبش .والحوب المصدر ، وكذلك الحيابة . والحوب الاسم . وقرأ أبي بن كعب " حابا " على المصدر مثل القال . ويجوز أن يكون اسما مثل الزاد . والحوأب ( بهمزة بعد الواو ) . المكان الواسع . والحوأب ماء أيضا . ويقال ; ألحق الله به الحوبة أي المسكنة والحاجة ؛ ومنه قولهم ; بات بحيبة سوء . وأصل الياء الواو . وتحوب فلان أي تعبد وألقى الحوب عن نفسه . والتحوب أيضا التحزن . وهو أيضا الصياح الشديد ؛ كالزجر ، وفلان يتحوب من كذا أي يتوجع وقال طفيل ;[ ص; 12 ]فذوقوا كما ذقنا غداة محجر من الغيظ في أكبادنا والتحوب
القول في تأويل قوله ; وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِقال أبو جعفر; يعني بذلك تعالى ذكره أوصياءَ اليتامى. يقول لهم; وأعطوا يا معشر أوصياء اليتامى; [اليتامى] أموالهم إذا هم بلغوا الحلم، (24) وأونس منهم الرشد (25) = " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب "، يقول; ولا تستبدلوا الحرام عليكم من أموالهم بأموالكم الحلال لكم، كما;-8436 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى; " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب "، قال; الحلال بالحرام.8437 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.8438 - حدثني سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله; " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب "، قال; الحرام مكان الحلال.* * *قال أبو جعفر; ثم اختلف أهل التأويل في صفة تبديلهم الخبيث كان بالطيب، الذي نهوا عنه، ومعناه. (26)فقال بعضهم; كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيِّد من ماله والرفيعَ منه، ويجعلون مكانه لليتيم الرديء والخسيس، فذلك تبديلهم الذي نهاهم الله تعالى عنه.* ذكر من قال ذلك;8439 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم; " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب "، قال; لا تعط زيفًا وتأخذ جيِّدًا.8440 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي= وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب= ومعمر عن الزهري، قالوا; يعطي مهزولا ويأخذ سمينًا.8441 - وبه عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك قال; لا تعط فاسدًا، وتأخذ جيدًا.8442 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب "، كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة، ويقول; " شاة بشاة "! ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف، ويقول; " درهم بدرهم "!!* * *وقال آخرون; معنى ذلك; لا تستعجل الرزق الحرام فتأكله قبل أن يأتيك الذي قُدِّر لك من الحلال.* ذكر من قال ذلك;8443 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب "، قال; لا تعجِّل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدِّر لك.8444 - وبه عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح مثله.* * *وقال آخرون; معنى ذلك، كالذي;-8445 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب "، قال; كان أهل الجاهلية لا يورِّثون النساءَ ولا يورِّثون الصغار، يأخذه الأكبر= وقرأ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ قال; إذا لم يكن لهم شيء; وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [سورة النساء; 127]، لا يورثونهم. (27) قال; فنصيبه من الميراث طيِّب، وهذا الذي أخذه خبيث.* * *قال أبو جعفر; وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قول من قال; تأويل ذلك; ولا تتبدلوا أموال أيتامكم -أيها الأوصياء- الحرامَ عليكم الخبيثَ لكم، فتأخذوا رفائعها وخيارَها وجيادَها. بالطيب الحلال لكم من أموالكم= [أي لا تأخذوا] الرديء الخسيس بدلا منه. (28)وذلك أنّ" تبدل الشيء بالشيء " في كلام العرب; أخذ شيء مكان آخر غيره، يعطيه المأخوذ منه أو يجعله مكان الذي أخذ. (29)* * *فإذْ كان ذلك معنى " التبدل " و " الاستبدال "، (30) فمعلوم أنّ الذي قاله ابن زيد= من أن معنى ذلك; هو أخذ أكبرِ ولد الميت جميع مال ميِّته ووالده، دون صغارهم، إلى ماله- قولٌ لا معنى له. لأنه إذا أخذ الأكبر من ولده جميع ماله دون الأصاغر منهم، فلم يستبدل مما أخذ شيئًا. فما " التبدل " الذي قال جل ثناؤه; " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب "، ولم يتبدَّل الآخذ مكان المأخوذ بدلا؟* * *وأما الذي قاله مجاهد وأبو صالح من أن معنى ذلك; لا تتعجل الرزق الحرام قبل مجيء الحلال= فإنهما أيضًا، إن لم يكونا أرادا بذلك نحو القول الذي روي عن ابن مسعود أنه قال; " إن الرجل ليحرم الرزق بالمعصية يأتيها "، ففساده نظير فساد قول ابن زيد. لأن من استعجل الحرام فأكله، ثم آتاه الله رزقه الحلال، فلم يبدِّل شيئًا مكان شيء. وإن كانا قد أرادا بذلك، (31) أن الله جل ثناؤه نهى عباده أن يستعجلوا الحرام فيأكلوه قبل مجيء الحلال، فيكون أكلُهم ذلك &; 7-528 &; سببًا لحرمان الطيِّب منه فذلك وجه معروف، ومذهب معقول. يحتمله التأويل. غير أن أشبه [القولين] في ذلك بتأويل الآية، ما قلنا؛ (32) لأن ذلك هو الأظهر من معانيه، لأن الله جل ثناؤه إنما ذكر ذلك في قصة أموال اليتامى وأحكامها، فلأن يكون ذلك من جنس حُكمِ أول الآية وآ خرها، [أولى] من أن يكون من غير جنسه. (33)* * *القول في تأويل قوله ; وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْقال أبو جعفر; يعني بذلك تعالى ذكره; ولا تخلِطوا أموالهم -يعني; أموال اليتامى بأموالكم- فتأكلوها مع أموالكم، (34) كما;-8446 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم "، يقول; لا تأكلوا أموالكم وأموالهم، تخلطوها فتأكلوها جميعًا.8447 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن مبارك، عن الحسن قال; لما نـزلت هذه الآية في أموال اليتامى، كرهوا أن يخالطوهم، وجعل وليُّ اليتيم يعزل مالَ اليتيم عن ماله، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله; وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [سورة البقرة; 220] قال; فخالطوهم واتقوا. (35)* * *القول في تأويل قوله ; إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)قال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره [بقوله]; (36) " إنه كان حوبًا كبيرًا "، إن أكلكم أموال أيتامكم، حوبٌ كبير.* * *و " الهاء " في قوله; " إنه " دالة على اسم الفعل، أعني" الأكل ".* * *وأما " الحوب "، فإنه الإثم، يقال منه; " حاب الرجل يَحُوب حَوبًا وحُوبًا وحِيَابة "، ويقال منه; " قد تحوَّب الرجل من كذا "، إذا تأثم منه، ومنه قول أمية بن الأسكر الليثي; (37)وَإنَّ مُهَـــــاجِرَيْنِ تَكنَّفَـــــاهُغَدَاتَئِــذٍ لقَــدْ خَطَئَــا وحَابَــا (38)ومنه قيل; " نـزلنا بحَوبة من الأرض، وبحِيبَةٍ من الأرض "، إذا نـزلوا بموضع سَوْءٍ منها.* * *و " الكبير " العظيم. (39)* * *فمعنى ذلك; إنّ أكلكم أموال اليتامى مع أموالكم، إثم عند الله عظيم.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;8448 - حدثني محمد بن عمرو وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله; " حوبًا كبيرًا " قال; إثمًا.8449 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.8450 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله; " إنه كان حوبًا كبيرًا "، قال; إثمًا عظيما.8451 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " كان حوبًا " أما " حوبا " فإثمًا.8452 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله; " حوبًا "، قال; إثمًا.8453 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " إنه كان حوبًا كبيرًا " يقول; ظلمًا كبيرًا.8454 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله; " إنه كان حوبًا كبيرًا " قال; ذنبا كبيرًا= وهي لأهل الإسلام.8455 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا قرة بن خالد قال، سمعت الحسن يقول; " حوبًا كبيرًا "، قال; إثمًا والله عظيمًا.------------------------الهوامش ;(24) في المخطوطة والمطبوعة ، أسقط ما وضعته بين القوسين ، ولكن السياق يقتضي إثباتها ، وكأن الناسخ غره التكرار ، فأسقط إحداهما ، فأساء.(25) انظر تفسير"آتى" في فهارس اللغة ، وتفسير"اليتامى" فيما سلف 2; 292 / 3; 345 / 4; 295.(26) في المطبوعة; "في صفة تبديلهم الخبيث بالطيب" ، أسقط الناشر"كان" لأن عربيته أنكرت عربية أبي جعفر!! وهي الصواب المحض ، فأثبتها.(27) في المطبوعة والمخطوطة; "لا يورثوهم" ، والصواب ما أثبت.(28) هذا الذي زدته بين القوسين ، استظهار من تأويله الآتي. والجملة بغير هذه الزيادة لا تكاد تستقيم.ثم انظر تفسير"الخبيث" فيما سلف 5; 559 / 7; 424 = وتفسير"الطيب" فيما سلف 3; 301 / 5; 555 / 6; 361 / 7; 424.(29) انظر تفسير"تبدل" و"استبدل" فيما سلف 2; 112 ، 130 ، 494.(30) في المطبوعة; "التبديل" ، وأثبت الصواب من المخطوطة.(31) في المطبوعة; "وإن كانا أراد بذلك" بحذف"قد" وفي المخطوطة; "وإن كان قال أراد بذلك" وهو فساد من عجلة الناسخ ، ولكن صواب قراءتها ما أثبت.(32) في المطبوعة; "غير أن الأشبه في ذلك بتأويل الآية ما قلنا" ، وهو غير جيد ، وفي المخطوطة; "غير أن أشبه في ذلك بتأويل الآية ما قلنا" ، وبين أن الناسخ عاد فسها ، فأسقط"القولين" وهو ما أثبته ما بين القوسين.(33) في المطبوعة; "فلا يكون ذلك من جنس حكم أول الآية ، فأخرجها من أن يكون من غير جنسه" جعل"وآخرها" ، "فأخرجها" ، فأنزل الكلام منزلة من الفساد لا مخرج منها. وأما المخطوطة فكان سياقها; "فلا يكون ذلك من جنس حكم أول الآية وآخرها من أن يكون من غير جنسه" ، وهو سهو من الناسخ وعجلته أفسد الجملة ، صواب"فلا يكون""فلأن يكون" ، والصواب أيضًا زيادة"أولى" التي وضعتها بين القوسين.(34) انظر تفسير"أكل الأموال" فيما سلف 3; 548 ، 549 = وتفسير"إلى" بمعنى"مع" فيما سلف 1; 299 / 6; 443 ، 444.(35) الأثر; 8447- هذا الأثر لم يروه أبو جعفر في تفسير آية سورة البقرة 4; 349- 355 ، وهو من الدلائل على اختصاره تفسيره هذا.(36) الذي بين القوسين زيادة لا يستقيم الكلام بغيرها.(37) في المطبوعة والمخطوطة; "بن الأسكن" ، وهو خطأ صرف.(38) مضى البيت وتخريجه في 2; 110 ، وسيأتي في 13; 37 (بولاق) ، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1; 13 ، ولم أثبتت هناك ، مواضع تكراره في التفسير ، فليقيد هناك ، وروايته هناك; "لعمر الله قد خطئا وخابا" بالخاء ، وأرجح أن أجود الروايتين ، روايته في هذا الموضع ، بالحاء المهملة؛ وإن كانت أكثر الكتب قد أثبتها بالخاء المعجمة ، وأرجح أيضًا أنه تصحيف قديم ، ومعنى رواية أبي جعفر أشبه بسياق الشعر إن شاء الله.(39) انظر تفسير"كبير" فيما سلف 2; 15 / 3; 166 / 4; 300.
وقوله تعالى: { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا } هذا أول ما أوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة. وهم اليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافلين لهم، وهم صغار ضعاف لا يقومون بمصالحهم. فأمر الرءوف الرحيم عباده أن يحسنوا إليهم، وأن لا يقربوا أموالهم إلا بالتي هي أحسن، وأن يؤتوهم أموالهم إذا بلغوا ورشدوا، كاملة موفرة، وأن لا { تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ } الذي هو أكل مال اليتيم بغير حق. { بِالطَّيِّبِ } وهو الحلال الذي ما فيه حرج ولا تبعة. { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } أي: مع أموالكم، ففيه تنبيه لقبح أكل مالهم بهذه الحالة، التي قد استغنى بها الإنسان بما جعل الله له من الرزق في ماله. فمن تجرأ على هذه الحالة، فقد أتى { حُوبًا كَبِيرًا } أي: إثمًا عظيمًا، ووزرًا جسيمًا. ومن استبدال الخبيث بالطيب أن يأخذ الولي من مال اليتيم النفيس، ويجعل بدله من ماله الخسيس. وفيه الولاية على اليتيم، لأن مِنْ لازم إيتاء اليتيم ماله، ثبوت ولاية المؤتي على ماله. وفيه الأمر بإصلاح مال اليتيم، لأن تمام إيتائه ماله حفظه والقيام به بما يصلحه وينميه وعدم تعريضه للمخاوف والأخطار.
(الواو) عاطفة
(آتوا) مثل اتّقوا في الآية السابقة
(اليتامى) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف
(أموال) مفعول به ثان منصوب و (هم) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(لا) ناهية جازمة
(تتبدلوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعلـ (الخبيث) مفعول به منصوبـ (بالطيّب) جارّ ومجرور متعلّق بـ (تتبدّلوا) ،
(الواو) عاطفة
(لا تأكلوا) مثل لا تتبدّلوا
(أموالهم) مثل الأولـ (إلى أموال) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من أموالهم أي مضمومة إلى أموالكم و (كم) ضمير مضاف إليه
(إنّ) حرف مشبّه بالفعلو (الهاء) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ يعود إلى المنهىّ عنه من التبديل والأكلـ (كان) فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره هو أي هذا العملـ (حوبا) خبر كان منصوبـ (كبيرا) نعت منصوب.
جملة: «آتوا اليتامى ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة اتّقوا الله في الآية السابقة.
وجملة: «تتبدّلوا..» لا محلّ لها معطوفة على جملة آتوا اليتامى.
وجملة: «تأكلوا..» لا محلّ لها معطوفة على جملة آتوا اليتامى.
وجملة: «إنّه كان..» لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «كان حوبا..» في محلّ رفع خبر إنّ.