وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـَٔاتِ حَتّٰىٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ الْـٰٔنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولٰٓئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
وَلَيۡسَتِ التَّوۡبَةُ لِلَّذِيۡنَ يَعۡمَلُوۡنَ السَّيِّاٰتِ ۚ حَتّٰۤى اِذَا حَضَرَ اَحَدَهُمُ الۡمَوۡتُ قَالَ اِنِّىۡ تُبۡتُ الۡـــٰٔنَ وَلَا الَّذِيۡنَ يَمُوۡتُوۡنَ وَهُمۡ كُفَّارٌ ؕ اُولٰٓٮِٕكَ اَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا اَ لِيۡمًا
تفسير ميسر:
وليس قَبول التوبة للذين يُصِرُّون على ارتكاب المعاصي، ولا يرجعون إلى ربهم إلى أن تأتيهم سكرات الموت، فيقول أحدهم; إني تبت الآن، كما لا تُقبل توبة الذين يموتون وهم جاحدون، منكرون لوحدانية الله ورسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. أولئك المصرُّون على المعاصي إلى أن ماتوا، والجاحدون الذين يموتون وهم كفار، أعتدنا لهم عذابًا موجعًا.
ولهذا قال "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن" وهذا كما قال تعالى "فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده" الآيتين ; وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها في قوله تعالى "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا" الآية. وقوله "ولا الذين يموتون وهم كفار" يعني أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته ولا يقبل منه فدية ولو بملء الأرض. قال ابن عباس وأبو العالية والربيع بن أنس "ولا الذين يموتون وهم كفار" قالوا نزلت في أهل الشرك وقال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان حدثني أبي عن مكحول أن عمر بن نعيم حدثه أن أبا ذر حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله يقبل توبة عبده -أو يغفر لعبده- ما لم يقع الحجاب " قيل وما وقوع الحجاب ؟ قال " تخرج النفس وهي مشركة " ولهذا قال الله تعالى "أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما" أي موجعا شديدا مقيما.
قوله تعالى ; وليست التوبة نفى سبحانه أن يدخل في حكم التائبين من حضره الموت وصار في حين اليأس ؛ كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان ؛ لأن التوبة في ذلك الوقت لا تنفع ، لأنها حال زوال التكليف . وبهذا قال ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين . وأما الكفار يموتون على كفرهم فلا توبة لهم في الآخرة ، وإليهم الإشارة بقوله تعالى ; أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما وهو الخلود . وإن كانت الإشارة بقوله إلى الجميع فهو في جهة العصاة عذاب لا خلود معه ؛ وهذا على أن السيئات ما دون الكفر ؛ أي ليست التوبة لمن عمل دون الكفر من السيئات ثم تاب عند الموت ، ولا لمن مات كافرا فتاب يوم القيامة . وقد قيل ; إن السيئات هنا الكفر ، فيكون المعنى وليست التوبة للكفار الذين يتوبون عند الموت ، ولا للذين يموتون وهم كفار . وقال أبو العالية ; [ ص; 83 ] نزل أول الآية في المؤمنين إنما التوبة على الله . والثانية في المنافقين . وليست التوبة للذين يعملون السيئات يعني قبول التوبة للذين أصروا على فعلهم . حتى إذا حضر أحدهم الموت يعني الشرق والنزع ومعاينة ملك الموت . قال إني تبت الآن فليس لهذا توبة . ثم ذكر توبة الكفار فقال تعالى ; ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما أي وجيعا دائما . وقد تقدم .
القول في تأويل قوله; وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَقال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; وليست التوبة للذين يعملون السيئات من أهل الإصرار على معاصي الله =" حتى إذا حضر أحدهم الموت "، يقول; إذا حشرج أحدهم بنفسه، وعاين ملائكة ربه قد أقبلوا إليه لقبض روحه، قال = وقد غُلب على نفسه، وحيل بينه وبين فهمه، بشغله بكرب حشرجته وغرغرته = &; 8-99 &; " إني تبت الآن "، يقول; فليس لهذا عند الله تبارك وتعالى توبة، لأنه قال ما قال في غير حال توبة، كما;-8860 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن يَعْلَى بن نعمان قال، أخبرني من سمع ابن عمر يقول; التوبة مبسوطة ما لم يَسُقْ، ثم قرأ ابن عمر; " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموتُ قال إنّي تبت الآن "، ثم قال; وهل الحضور إلا السَّوق. (50)8861 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن " قال; إذا تبيَّن الموتُ فيه لم يقبل الله له توبة.8863 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي النضر، عن أبي صالح، عن ابن عباس; " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن "، فليس لهذا عند الله توبة.8863 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت إبراهيم بن ميمون يحدِّث، عن رجل من بني الحارث قال، حدثنا رجل منا، عن عبد الله بن عمرو أنه قال; من تاب قبل موته بعام تِيبَ عليه، حتى ذكر شهرًا، حتى ذكر ساعة، حتى ذكر فُواقًا. قال; فقال رجل; كيف يكون هذا والله تعالى يقول; " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى &; 8-100 &; إذا حضر أحدهم الموت قال إنَّي تبت الآن "؟ فقال عبد الله; أنا أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (51)8864 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم قال; كان يقال; التوبة، مبسوطة ما لم يُؤخذ بكَظَمِه. (52)* * *واختلف أهل التأويل فيمن عُني بقوله; " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن "فقال بعضهم; عُني به أهل النفاق.ذكر من قال ذلك;8865 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع; إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ، قال; نـزلت الأولى في المؤمنين، ونـزلت الوسطى في المنافقين = يعني; " وليست التوبة للذين يعملون السيئات "، والأخرى في الكفار يعني; وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ .* * *وقال آخرون; بل عُني بذلك أهل الإسلام.ذكر من قال ذلك;8866 - حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، قال; بلغنا في هذه الآية; " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن " قال; هم المسلمون، ألا ترى أنه قال; وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ؟* * *وقال آخرون; بل هذه الآية كانت نـزلت في أهل الإيمان، غير أنها نسخت.ذكر من قال ذلك;8867 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله; " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار " فأنـزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك; إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [سورة النساء; 48 ، 116]، فحرّم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته، فلم يؤيسهم من المغفرة. (53)* * *قال أبو جعفر; وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، ما ذكره الثوري أنه بلغه أنه في الإسلام. (54) وذلك أن المنافقين كفار، فلو كان معنيًّا به أهل النفاق لم يكن لقوله; وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ معنًى مفهوم، إذْ كانوا والذين قبلهم في معنى واحد; من أن جميعهم كفار. ولا وجه لتفريق أحكامهم، والمعنى الذي من أجله بطل أن تكون [لهم] توبة، (55) واحدٌ. وفي تفرقة الله جل ثناؤه بين أسمائهم وصفاتهم، بأن سمَّى أحد الصنفين كافرًا، ووصف الصنف الآخر بأنهم أهل سيئات، ولم يسمهم كفارًا = ما دل على افتراق معانيهم. وفي صحة كون ذلك كذلك، صحةُ ما قلنا وفسادُ ما خالفه.* * *القول في تأويل قوله ; وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; ولا التوبة للذين يموتون وهم كفار = فموضع " الذين " خفض، لأنه معطوف على قوله; لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ . (56)وقوله; " أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليما "، يقول; هؤلاء الذين يموتون وهم كفار =" أعتدنا لهم عذابًا أليما "، لأنهم من التوبة أبعد، لموتهم على الكفر. (57) كما;-8868 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي النضر، عن أبي صالح، عن ابن عباس; " ولا الذين يموتون وهم كفار "، أولئك أبعدُ من التوبة.* * *واختلف أهل العربية في معنى; " أعتدنا لهم ".فقال بعض البصريين; معنى " أعتدنا "،" أفعلنا " من " العَتَاد ". قال; ومعناها; أعددنا. (58)* * *وقال بعض الكوفيين; " أعددنا " و " أعتدنا "، معناهما واحد.* * *فمعنى قوله; " أعتدنا لهم "، أعددنا لهم =" عذابًا أليما "، يقول; مؤلمًا موجعًا. (59)------------------الهوامش ;(50) الأثر; 8860 -"يعلى بن نعمان" كوفي ثقة. مترجم في الكبير 4 / 2 / 418 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 304 ، وتعجيل المنفعة; 457 ، روى عن عكرمة ، وبلال بن أبي الدرداء. روى عنه العلاء بن المسيب ، والثوري ، والزهري.وهذا الأثر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2; 131 ونسبه أيضًا لعبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي.و"ساق الميت يسوق" و"ساق بنفسه" ، و"ساق نفسه" ، "سوقًا وسياقًا وسووقًا" ، و"حضرت فلانًا في السوق ، وفي السياق الموت"; وذلك النزع عند إقبال الموت.(51) الأثر; 8863 - أخرجه الإمام أحمد في مسنده رقم; 6920 ، وأبو داود الطيالسي; 301 ، قال أخي السيد أحمد في شرح المسند; "إسناده ضعيف ، لإبهام الرجل من بني الحارث ، راويه عن التابعي" ، وقد استوفى الكلام في تخريجه هناك.وقوله; "حتى ذكر فواقًا" ، أي; فواق ناقة. وهذا مما يريدون به الزمن القليل القصير ، وأصل"الفواق" (بضم الفاء وفتح الواو) هو الوقت بين الحلبتين ، إذا فتحت يدك وقبضتها ثم أرسلتها عند الحلب.(52) "الكظم" (بفتحتين) وجمعه"كظام" (بكسر الكاف) و"أكظام" ، وهو مخرج النفس عند الحلق. يريد; عند خروج نفسه ، وانقطاع نفسه. ومنه قليل; "كظم غيظه" ، أي رده وحبسه ، و"رجل كظوم" ، شديد الكتمان لما يعتلج في نفسه.وكان في المخطوطة; "ما أخذ بكظمه" وهو خطأ من الناسخ ، وقد رواه ابن الأثير ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2; 131 ، ونسبه لابن جرير وابن المنذر ، باللفظ الذي أثبته ناشر المطبوعة الأولى ، وهو الصواب المحض إن شاء الله.(53) الأثر; 8867 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 2; 131 ، ونسبه أيضًا لأبي داود في ناسخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.(54) يعني الأثر رقم; 8866 ، فيما سلف.(55) في المخطوطة بعد قوله; "معنى مفهوم" ما نصه; "لأنهم إن كانوا الذين قبلهم في معنى واحد ، من أن جميعهم كفار. ولا وجه لتفريق أحكامهم والمعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد" ، وهي عبارة مضطربة أشد الاضطراب ، إلا أن الناسخ ضرب بقلم خفيف على لام"لأنهم" ، فتبين لي أن الذي بعدها"إذ كانوا الذين قبلهم" ، وسقطت الواو من الناسخ الساهي عن كتابته. وسها أيضًا فأسقط"لهم" التي وضعتها بين القوسين. فاستقام الكلام كالذي كتبت.أما ناشر المطبوعة الأولى فقد أساء غاية الإساءة ، فجعل الجملة هكذا; "لأنهم إن كانوا هم والذين قبلهم في معنى واحد; من أن جميعهم كفار. فلا وجه لتفريق أحد منهم في المعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد مقبولة" فلم ينتبه لما ضرب عليه الناسخ في"لأنهم" وزاد في"كانوا الذين قبلهم" فجعلها"كانوا هم والذين قبلهم". ثم جعل"ولا جه" ، "فلا وجه" وجعل"أحكامهم" ، "أحد منهم" ثم جعل"والمعنى""في المعنى" وزاد"مقبولة" من عنده في آخر الكلام ، فأفسد الكلام إفسادًا آخر. ورحم الله أبا جعفر ، وغفر لناسخ كتابه ، والحمد لله الذي هدى إلى الصواب.(56) انظر معاني القرآن للفراء 1; 259.(57) وهذا أيضًا عبث آخر من ناشر المطبوعة الأولى ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقوطة فقلب هذه الجملة قلبًا أهدر معناها ، واستأصل المعنى الذي أراده أبو جعفر ، فكتب; "لأنهم أبعدهم من التوبة كونهم على الكفر" ظن"لمونهم" كما كتبها الناسخ ، "كونهم" ، فعبث بالكلام عبثًا لا يرتضيه أحد من أهل العلم. وانظر نص الكلام في الأثر الذي يليه.(58) هذا البصري ، هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1; 120.(59) انظر تفسير"أليم" ، فيما سلف من فهارس اللغة.
توبة الله على عباده نوعان: توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد، فأخبر هنا -أن التوبة المستحقة على الله حق أحقه على نفسه، كرما منه وجودا، لمن عمل السوء أي: المعاصي { بِجَهَالَةٍ } أي: جهالة منه بعاقبتها وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه بنظر الله ومراقبته له، وجهل منه بما تئول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه، فكل عاص لله، فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية معاقبا عليها { ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } يحتمل أن يكون المعنى: ثم يتوبون قبل معاينة الموت، فإن الله يقبل توبة العبد إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا. وأما بعد حضور الموت فلا يُقبل من العاصين توبة ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون: { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } الآية. وقال تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } وقال هنا: { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ } أي: المعاصي فيما دون الكفر. { حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار. ويحتمل أن يكون معنى قوله: { مِنْ قَرِيبٍ } أي: قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة، فيكون المعنى: أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه، بخلاف من استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة. والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون بنظر الله إليه، فإنه سد على نفسه باب الرحمة. نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة [التي] يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب، ولهذا ختم الآية الأولى بقوله: { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } فمِن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقَه للتوبة، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدمَ توفيقه. والله أعلم.
(الواو) عاطفة
(ليس) فعل ماض ناقص جامد و (التاء) للتأنيث
(التوبة) اسم ليس مرفوع
(للذين) سبق إعرابه في الآية السابقة
متعلّق بمحذوف خبر ليس ،
(يعملون السيّئات) مثل يعملون السوء في الآية السابقة، وعلامة النصب الكسرة
(حتّى) حرف ابتداء
(إذا) ظرف للزمن المستقبل متضمّن معنى الشرط مبنيّ متعلّق بـ (قال) ،
(حضر) فعل ماض
(أحد) مفعول به مقدّم و (هم) ضمير مضاف إليه
(الموت) فاعل مرفوع وهو على حذف مضاف أي أسباب الموت أو دواعيه
(قال) مثل حضر والفاعل هو (إنّ) حرف مشبّه بالفعل و (الياء) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ
(تبت) فعل ماض مبنيّ على السكون ... و (التاء) فاعلـ (الآن) ظرف زمان مبنيّ على الفتح في محلّ نصب متعلّق بـ (تبت) ،
(الواو) عاطفة
(لا) زائدة لتأكيد النفي(الذين) موصول في محلّ جرّ معطوف على الموصول الأولـ (يموتون) مثل يعملون- في الآية السابقة-
(الواو) حاليّة
(هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ
(كفّار) خبر مرفوع
(أولئك) مرّ إعرابه- في الآية السابقة-
(أعتدنا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و (نا) فاعلـ (اللام) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أعتدنا) ،
(عذابا) مفعول به منصوبـ (أليما) نعت منصوب.
جملة: «ليست التوبة للذين..» لا محلّ لها معطوفة على جملة إنّما التوبة.
وجملة: «يعملون السيّئات» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «حضر أحدهم الموت» في محلّ جرّ بإضافة
(إذا) إليها .
وجملة: «قال..» لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «إنّي تبت ... » في محلّ نصب مقول القول.وجملة «تبت الآن» في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «يموتون» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثاني.
وجملة: «هم كفّار» في محلّ نصب حال.
وجملة: «أولئك اعتدنا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أعتدنا ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ أولئك.